قامشلو/ فريدة عمر – الاحتقان الطائفي الذي فشلت السلطة الجديدة في سوريا في احتوائه، ومعالجته انبثقت عنه مجازر طائفية في مناطق الساحل السوري، التي خلفت الآلاف من حالات القتل، والإعدام الميداني، ومن بينهم برزت قصة “أم أيمن” أو “سنديانة الساحل” كما باتت توصف والتي فقدت ثلاثة من فلذات كبدها، تحولت لأيقونة من الصمود، تنتظر تحقيق العدالة، فهل من جهة ستنصفها؟
ومنذ 14 عاماً، ولا يزال السوريون في دوامة الإقصاء والتهميش والانتهاكات، فكل من ترأس الحكم لم ينصف الشعب السوري،
ولم يحقق الوحدة بين الأرض والشعب، فكانت دوماً الطائفية سيدة المواقف، لكن لم تكن ذهنية فحسب، إنما تطورت وتكرست في قلوب وعقول السوريين لحد ارتكاب المجازر بحق بعضهم تحت هذا المسمى.
وبعد سقوط نظام الأسد، توقع السوريون أن تشرق شمس جديدة على البلاد، تقضي على الحقد، والطائفية، والفتنة والاستبداد، وأن تنير طريقاً جديداً نحو السلام والديمقراطية، لكن خيبت الآمال وزادت المعاناة أضعافاً، وكما كان للمرأة النصيب الأكبر منذ بداية الأزمة، يبدو أن المرحلة الجديدة في سوريا تنوي على أن تبقى المرأة في الدوامة نفسها، تارةً في إقصاء دورها في المرحلة الجديدة والدستور، وتارةً في زيادة معاناتها، والأشد وصفاً للحالة التي تعيشها سوريا، مجازر الساحل السوري، ومشهد أم أيمن “سنديانة الساحل السوري” كما وصفت، التي فقدت ثلاثة من فلذات أكبادها في مشهد يندى لو جبين الإنسانية.
مجازر الساحل.. استمرار للطائفية
وعلى غرار ذلك، وضمن ما تشهده سوريا، وفي ظل أيام فضيلة ومباركة “شهر رمضان”، ارتكبت مجازر شنيعة في الساحل السوري، مشاهد العنف، والقتل، وإبادة جماعية بحق الطائفة العلوية، ليتكرر سيناريو الطائفية في سوريا، ويعيد شعبها إلى المربع الأول.
وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن أعمال العنف التي وقعت في الأسابيع الأخيرة في سوريا ارتكبتها “مجموعات متطرفة” بمساندة “قوات خارجية”، مؤكداً أنها تمثل “إبادة جماعية”، حيث قُتل 1383 مدنياً على الأقل منذ أواخر آذار 2025، معظمهم من الطائفة العلوية.
القصة المأساوية.. فقدان عائلة أم أيمن
زرقة سباهية “أم أيمن”، أو ما لقبت بسنديانة الساحل السوري، امرأة علوية تجسدت معاني الشجاعة والصمود في شخصية الأم السورية، فقد عاشت هذه المرأة العلوية تجارب قاسية، خسرت عائلتها بطريقة وحشية على يد المسلحين خلال مذابح الساحل السوري. فقدت أولادها كنان، وسهيل، وحفيدها، لامك ريحان.
هذا المشهد المؤلم، لم يأتِ من رواية خيالية، أو من مشهد فيلم، إنما قصة أم أيمن، قصة حقيقية من الساحل السوري، والذي جاء في مقطع فيديو انتشر بسرعة عبر منصات التواصل الافتراضي، ليثير تعاطفاً واسعاً، حيث تقف فيه “أم أيمن” أمام جثث أولادها وحفيدها، صامدة، تحبس دموعها، وهي تواجه عناصر مسلحة تظهر أمامها تشمت بمأساتها، تمطرها بالإهانات، وتتوعدها بالمزيد.
وفي المقطع المتداول، طالب المسلحون “أم أيمن” بأخذ الجثث، وخاطبوها بسخرية: “هدول أولادك.. نحن عطيناكم الأمن بس أنتم غدارين”، وبينما تقف عاجزة عن التصرّف، لترد عليهم أم أيمن بكل شجاعة: “فشرتوا نحنا ما منغدر” هذه الكلمات لاقت صدى واسعاً في الأوساط السورية، حيث كانت بمثابة إعلان عن موقف الشعب العلوي. حيث يقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان “رامي عبد الرحمن”، إن جثث القتلى بقيت لأربعة أيام ملقاة خلف منزل أم أيمن، لتقوم بحراستها على أمل أن تتمكن من دفنها.
“هدول لقطية.. مستحيل يكونوا سوريين”
وفي تصريح خاص، لصحيفتنا “روناهي”، تروي زرقة سباهية “أم أيمن”، ما حدث معها: “ما حدث في الساحل عمل خارج الوجدان والضمير، من يخاف الله كيف يمكن له أن يفعل هذا، قتلوا أولادي وحفيدي، حدثت مجازر وراحت عائلات بأكملها، كيف يمكن لإنسان أن يفعل كل هذا؟”.
وتابعت: “السوري لم يفعل بالسوري كل هذا، هدول لقطية ومستحيل يكونوا سوريين، السوريون تربوا على التسامح والمحبة”.
في انتظار تحقيق العدالة
تأمل أم أيمن أن تأخذ العدالة مجراها، وألا يضيع حقها وحق أولادها وحفيدها، الذين كانوا ضحايا العنف الطائفي: “لم نؤذِ أحداً طوال حياتنا، أولادي لا ذنب لهم، حرقوا قلبي، نحن في انتظار العدالة والمحاسبة، يجب أن يسد الطريق أمام النزعات الطائفية والعنف الذي يحصل، وألا يسمح لأي تدخل خارجي، السوريون رحماء على بعضهم، لنكن في هذا البلد معاً تحت جناح التسامح والرحمة”.
يذكر، أن الأمم المتحدة أعلنت عن إدانتها لحجم العنف في منطقة الساحل السوري، مشيرة إلى توثيق العديد من حالات الإعدام التعسفي وقتل عائلات بأكملها. ومن جهتها، أعلنت الرئاسة السورية تشكيل لجنة تحقيق للكشف عن ملابسات تلك الأحداث، فأم أيمن لا زالت بانتظار العدالة.
وفي ختام حديثها، شكرت أم أيمن دعم إقليم شمال وشرق سوريا ومساندتهم: “شعوب شمال وشرق سوريا أحباؤنا، لن ننسى دعمهم ومساندتهم لنا، وهم أصحاب الخير والسلام لكل سوريا”.
والجدير ذكره، بتاريخ 17 آذار الجاري، انطلقت قافلة مساعدات إنسانية من مناطق شمال وشرق سوريا باتجاه منطقة الساحل، محملة بعشرة آلاف سلة غذائية، في خطوة تهدف إلى دعم المدنيين المتضررين، وتعزز التلاحم بين السوريين.