د. علي أبو الخير
في بادرة من السلام الإنساني عند القائد عبد الله أوجلان إلى الشعب الإيزيدي المظلوم، أرسل القائد رسالة سلام ومحبة ودعم للشعب الإيزيدي، وذلك يوم الثلاثاء الموافق 18 آذار 2025، قبل عيد النوروز 21 آذار، وهي مبادرة ليست غريبة عن القائد عبد الله أوجلان، فهو من داخل سجنه لم ينسَ الإيزيديين، وقدّم رسالة لا تختلف عن فكره حول الأمة الديمقراطية، والدفاع عن المظلومين، وقد لا يتكرر مثيل له في التاريخ البشري بأسره.
نذكر بعضاً مما قاله، ونرغب أن يقرأها الجميع، لأنها توحي بمعاناة شعب قليل العدد اضطهده الملوك والسلاطين المسلمين، فمن ضمن رسالة القائد، يقول : “تاريخ شعبنا الإيزيدي هو تاريخ حافل بالمجازر، الهجرة، القمع والمعاناة الكبيرة، أي مر بهذه المراحل والتجارب، إذ يعتبر الإيزيديون من أقدم المعتقدات وأقدم المجتمعات في ميزوبوتاميا (بلاد الرافدين)، لقد قدموا تضحيات عظيمة لحماية ثقافتهم وهويتهم ووجودهم، إن المآسي والمجازر التي عاشوها محفورة ليس فقط في ضمير شعبنا، بل في الضمير المشترك للإنسانية جمعاء، لقد تعرضوا للهجمات عبر التاريخ، ولكن رغم كل شيء، فقد حافظوا على وجودهم من خلال المقاومة، وفي القرن الماضي، وقعت مجازر ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية نتيجة لهجمات ذهنية الدول القوموية، إن المجزرة التي ارتُكبت في شنكال عام 2014 كانت استمراراً للعقلية التي تهدف إلى القضاء على وجود الإيزيديين، لكن هذه المرة، انضم شعبنا الإيزيدي بسرعة إلى النضال من أجل الحرية، ونظم نفسه، وبدأ بخوض المقاومة، وهكذا رد على المجازر الوحشية بمقاومة تاريخية، ومشاركة المرأة في هذه المقاومة كان لها معنى كبير، حيث بدأوا عملية بناء مستقبلهم بأيديهم… إن حرية الإيزيديين وحرية شعوب الشرق الأوسط مترابطتين، وبهذا المعنى إن الدعوة إلى السلام والمجتمع الديمقراطي تمثل أيضاً رداً على المجازر الـ 73 فالعملية التي بدأناها ستضمن، قبل كل شيء، وجود شعبنا الإيزيدي وحريته، فهذه الدعوة هي بمثابة نهضة، وهي قبل كل شيء نهضة شعبنا الإيزيدي، وستنتصر هذه العملية بالمشاعر والنضال المشترك، أرسل تحياتي اللامتناهية مرةً أخرى…..”.
نعم تعرض الإيزيديون عبر التاريخ إلى 74 هجمات إبادةٍ شُنت ضدهم لأسبابٍ مختلفة كما قال القائد المفكر عبد الله أوجلان، وهي مجازر يندى لها جبين البشرية، وتتبرأ منها كل الديانات.
وهنا نؤكد على إنسانية القائد عبد الله أوجلان، لأن الايزيديين، نالتهم عبر التاريخ مذابح إبادة، رغم أن الدين الإيزيدي دين غير تبشيري، والدين يُعتبر هو القومية، أي أنهم لا يشكلون أي تهديد لأي دولة أو قومية، لأنهم في النهاية قليلي العدد، والإيزيدي هو من كان أبواه إيزيديين، وبالتالي يحتمون ببعضهم البعض.
الدين والقومية عند الإيزيديين
كما ذكرنا، فإن الدين مرتبط بالقومية عند الإيزديين، ولا يشكلون خطراً، وهم يعرّفون أنفسهم بالموحدين والحقيقة العقائدية عند الإيزيدية أن الله موجودٌ في كل شيء، وهو الأساس والمخلوقات أجزاءٌ من الروح العليا، والجزء تابعٌ للكل؛ لذا فإن تقديسهم للظواهر الكونية كالشمس والنور والقمر مبنيٌّ على فكرة كون هذه الظواهر جزء من الذات الإلهية وتجسيداً لقدرته الخارقة، ولكن لا يصدقهم أحد، ويعتبرون قتلهم من ضرورات التدين.
صراحة القائد عبد الله أوجلان
كما نفهم من رسالة المفكر عبد الله أوجلان، فلا يحق لأحد أن يفتي بقتلهم، ومن يفتي بالقتل لا يكون مؤمناً بأي دين من الأديان، وقد تم قتلهم عبر الزمن بفتاوى تكفير، وكانت من أهم وأول الفتاوى التي أباحت قتل الإيزيديين هي فتوى أحمد بن حنبل في القرن التاسع الميلادي وأبي الليث السمرقندي والمسعودي والعمادي وعبد الله الربتكي المتوفي عام 1159م ، ولعل فتوى أبو سعود العمادي، وهو مفتي الدولة العثمانية في عهدي سليمان القانوني وسليم الثاني هي التي أوحت للدولة العثمانية بإبادتهم، أي أن فتوى التكفير ليست وليدة اليوم، ولكنها غارقة في القِدم.
هذا بالإضافة إلى فتاوى التكفير من شيوخ الوهابية الداعشية والتي استباحت وتستبيح دماء الإيزيديين، وسبي النساء وبيعهن بعضهم لبعض في سوق نخاسة معاصر؛ وكلنا شاهدنا مآسي من تعرض النساء للاغتصاب باسم الإسلام البريء من فكرهم الدموي؛ وتعرّف العالم على مأساة الشعب الإيزيدي وما تعرضوا له من ظلمٍ تاريخي دون أن يلتفت أو يتعرف عليهم أحد؛ والإسلام ينصُّ صراحة أنه (لكم دينكم ولي دينِ)، وينص أيضاً (لا إكراه في الدين)، ولكن التعصب الإيماني الزائف يؤدي إلى سفك الدماء، خاصةً ضد الأقليات مثل الإيزيديين والدروز الموحدين وغيرهم ما هو مكتوب بحقد التعصب.
ولقد تسببت هذه الحروب والمذابح بآثار ترسخت في النسيج الاجتماعي والعقلية الإيزيدية فصار الانزواء عن العالم والتقوقع الاجتماعي والخوف من الغرباء سمةً أساسيةً لهم، ولعل رسالة القائد عبد الله أوجلان ترفع عنهم الظلم وتجعلهم يخرجون من عزلتهم ثم يشاركون غيرهم بإنسانية الأمة الديمقراطية ويكون الدين لله وداخل ضمير الفرد والأوطان تكون للجميع…. شكراً أيها القائد المفكر عبد الله أوجلان….