الحسكة/ محمد حمود ـ يرى أهالي مدينة الحسكة بمختلف شعوبهم ومكوناتهم، أن الإعلان الدستوري الأخير، الذي أصدرته، سلطة دمشق، يتجاهل حقوقهم ويُهمش وجودهم؛ ما يهدد مستقبل سوريا، وأكدوا، أنه يُعمق الانقسامات بدلاً من تحقيق العدالة والاعتراف الكامل بحقوق السوريين.
أثار الإعلان الدستوري الأخير، الذي أصدرته سلطة دمشق، موجة من الرفض والاستياء في أوساط شعوب ومكونات المجتمع السوري، لأن الإعلان، يضع السلطات كافة في يد الرئيس، ولا يتطرق إلى آليات واضحة لتحقيق العدالة الانتقالية، ما يراه السوريون على أنه خطوة إلى الوراء، في مسار بناء سوريا جديدة تعترف بشعوبها ومكوناتها، وعلى رأسهم الكرد.
تجاهل حقوق الكرد
في السياق، تحدثت لصحيفتنا، الناشطة الكردية، عذراء الحسين، وعبرت عن استيائها الشديد من الإعلان الدستوري: “هذا الإعلان هو استمرار لسياسة التهميش منذ عقود بحق الشعب الكردي، فالكرد ليسوا مجرد رقم في المعادلة السورية، بل هم شعب أساسي في سوريا، والإعلان لا يعترف بهم كشعب له حقوق، وهذا أمر غير مقبول”.
وأضافت: “كيف نتحدث عن دستور جديد، بينما لا تزال دماء الضحايا تلاحقنا؟ العدالة الانتقالية غائبة تمامًا عن هذا الإعلان، كما يجب محاسبة المسؤولين عن الجرائم، التي ارتكبت بحقنا، ولتحقيق ذلك، لا بد من أن تكون هناك ضمانات حقيقية بعدم تكرارها، وهذا الإعلان لا يقدم أي شيء من هذا القبيل”.
واختتمت، عذراء الحسين: إن “الإعلان الدستوري، يتجاهل مطالب المرأة السورية، ولا يوجد أي ذكر لحقوق المرأة، أو ضمانات لتمثيلها في مؤسسات الدولة، وأي دستور سوري جديد، يجب أن يركز على المرأة أنها شريك فاعل في بناء المستقبل، وليس كياناً مهمشاً”.
الإعلان يُقصِي التنوع السوري
أما الناشط السياسي الأرمني، عماد تاتاريان، رفض رفضًا قاطعًا الإعلان الدستوري، معتبرًا أنه يُقصي حقوق باقي الشعوب والمكونات والأديان: “نحن، الشعب الأرمني، نرفض هذه المسودة، لأنها تعكس العقلية الدكتاتورية والشوفونية، ولا تخدم مصلحة الشعب السوري، فالسلطات الجديدة في دمشق، همشت دور الشعوب والمكونات والأديان في سوريا، وتعاملت بعقلية حزب البعث القمعي، الذي كان يُقصِي الجميع”.
وأضاف: “نطالب بإعادة النظر في الإعلان الدستوري، وإشراك السوريين، والمعتقدات، والأديان، والطوائف، فالبنود والمبادئ المطروحة لا تليق بتطلعات الشعب السوري، في العيش بسلام وكرامة، بل تتناقض تمامًا مع المبادئ التي قامت عليها ثورة الحرية والكرامة”.
واختتم، عماد تاتاريان: “الإعلان يتجاهل المطالب الأساسية للمجتمع السوري، كاللامركزية، والديمقراطية، وحقوق الأقليات، نحن في الحسكة نعاني من إهمال كبير في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، والمياه، والإعلان الدستوري لا يتحدث عن كيفية معالجة هذه المشكلات، ولا يقدم أي رؤية لتحسين حياة المواطنين”.
غياب آليات العدالة الانتقالية
ومن جهتها، أكدت الناشطة الإعلامية الكردية، سوزدا أحمد: أن “غياب آليات العدالة الانتقالية في الإعلان الدستوري، يُعدّ إهانة لضحايا الحرب، فكيف يمكن أن نتحدث عن دستور جديد، بينما لا تزال جرائم الحرب قائمة، الضحايا وعائلاتهم ينتظران العدالة، ولكن هذا الإعلان يتجاهلهم تمامًا”.
وبينت: “العدالة الانتقالية ليست مجرد كلمة رنانة تقال، بل هي عملية ضرورية لبناء السلام والمصالحة، بدونها لن نتمكن من تجاوز الماضي وبناء مستقبل مشترك، الإعلان الدستوري الحالي يكرس الانقسامات ويعمقها، ما سيشكل خطراً على مستقبل سوريا”.
وأنهت، سوزدار أحمد، حديثها: “الإعلان يتجاهل أيضًا حقوق الشعوب والمكونات في سوريا، مثل الآشوريين والسريان، ونحن، الكرد، نعرف جيدًا معنى التهميش والإقصاء، ولكن هذا لا يعني أننا نغض الطرف عن معاناة الآخرين، وأي دستور جديد يجب أن يعترف بحقوق الجميع ويضمنها بشكل متساوٍ”.
رفض شعبي واسع بالحسكة
وفي الإطار، تجمع العشرات من الناشطين، والمواطنين، في الحسكة، للتعبير عن رفضهم الإعلان الدستوري، فحمل المتظاهرون لافتات كتب عليها “لا لدستور التهميش”، و”نريد عدالة انتقالية حقيقية”، كما أعلنت عدة جهات رفضها الإعلان، معتبرة أنه لا يمثل تطلعات الشعب السوري.
وقال أحد المتظاهرين: “نحن هنا لنقول إننا لن نقبل بدستور يُقصي أي أحد من السوريين، ونحن، نريد دستورًا يعترف بنا جميعًا ويضمن حقوقنا السياسية والثقافية”.
ويؤكد أهالي الحسكة، أن أي دستور جديد يجب أن يعترف بالحقوق الكاملة للسوريين، بما في ذلك الكرد، وأن يضمن حقوقهم السياسية والثقافية، كما يطالبون بآليات واضحة لتحقيق العدالة الانتقالية، بما في ذلك محاسبة المسؤولين عن الجرائم، التي ارتكبت خلال الحرب.
وتقول منظمة حقوقية: “الإعلان الدستوري الحالي، لا يلبي الحد الأدنى من تطلعات الشعب السوري، نحن نطالب بإشراك فئات الشعب السوري، في عملية صياغة الدستور، وضمان أن يعكس تنوع سوريا وثراءها الثقافي”.
الإعلان الدستوري الأخير، يبدو وكأنه محاولة لترسيخ الوضع القائم، بدلاً من فتح صفحة جديدة، وفي مدينة الحسكة، يعبر السكان عن خيبة أملهم من هذا الإعلان، ويؤكدون أن مستقبل سوريا، لن يكون آمنًا إلا بوجود دستور يعترف بالحقوق، ويضمن العدالة للجميع.