علي زاخراني
الفقر، أكبر من أن نتحدث عنه، وهو ألمٌ أجثم على قلب الفقير حتى أهلكه، هو عالمٌ لن نستطيع أبداً أن نتخيل ما يحدث فيه حتى ولو استشعرنا ذلك بكل حواسنا، ولن نعلم مقدار الحاجة والضعف الذي يرونه يومياً ويتعايشون معه في كل لحظة. نحن نعبر من جانبهم ونمضي في هذه الحياة، حتى وإن لامس الحزن قلوبنا لرؤية حالهم فلن يستمر طويلاً، سوف ننسى تلك اللوحة البائسة بسرعة فائقة.
أما الوضع إليهم فهو مختلف البتة، ينظرون إليك وأعينهم تلمع، يتمنون صغائر الأمور التي لديك والتي تنظر إليها نظرة لا تساوي أي قيمة. فلا يملكون سوى الأحلام، ولا يريدون سوى التخلص مما آلت إليه حالهم، ولا يتمنون سوى النجاة من كهف الحاجة الذي ابتلعهم وأغلق عنهم النور وأغرقهم في الظلام.
لكم يؤلمني قلبي عندما أرى هؤلاء المغلوبين على أمرهم، الذين قهرتهم ظروف الحياة، وغلب الهزل أجسادهم، ولكم يدمي قلبي ذلك العجز، الذي أشعر به عندما لا أستطيع أن أقدم إليهم سوى بعض من الأمور التي لا تذكر، التي تذهب وتتبخر في اليوم ذاته الذي التقي بهم فيه.
لست مع أولئك الذين يقولون بأن المال ليس كل شيء، فهو للفقراء كنز عظيم يبحثون عنه كل يوم، ولست مع من يقول بأن الفقير يمتلك سعادة أو قناعة ليست موجودة عند الكثير من الناس، لا يا أخي أنت لم ترَ سوى تلك اللحظة اليتيمة، التي استطاع أن يبتسم فيها، وما بعد ذلك ليس سوى غربة أُجبر بالقوة على المكوث بها.
كُتبت الكثير من المقالات عن الفقر وألفت كذلك الكثير من الكتب والروايات عن هذه القضية، وأيضاً أُنشئت العديد والعديد من الجمعيات الخيرية ومؤسسات الرعاية، ومع كل ما سبق مازلنا نجهل ما السبب الرئيسي لانتهاء هذا الألم، وإلى متى سوف يستمر؟
أيها القارئ، شئنا أم أبينا الفقر قضية خطيرة جداً، نشأت من رحم المعاناة، وهي مستمرة في الازدياد منذ أن وجدت البشرية، وحتى يومنا هذا.
ولا يسعني القول سوى قوله تعالى في كتابة الكريم: “فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ”.