قامشلو/ آرين زاغروس – مع اندلاع الثورة السورية في 15 آذار عام 2011 رافقت المرأة مراحلها لتعيش انكساراتها ونجاحها، وبالرغم من سقوط نظام البعث همش دور المرأة، وقد بينت عضوة مكتب العلاقات الدبلوماسية في مجلس المرأة السورية “كلستان جاويش” أن على المرأة توحيد صفوفها وضرورة وضع تشريعات عادلة تلغي أي قوانين تمييزية.
تعرضت المرأة السورية، لمجموعة واسعة من الانتهاكات الجسمية التي ارتكبت على قرابة 14عاماً الماضية، بشكل متكرر ومتواصل أي منذ بدء الحراك الثوري السوري ضد نظام الأسد، وواجهن التحديات في ممارسة أنشطتهن، أو حتى الحصول على حقوقهن أو احتياجاتهن الأساسية، بسبب فظاعة العديد من الانتهاكات المرتكبة، ومركزية توظيفها من النظام وأطراف أخرى.
المرأة والثورة السورية
لقد أثبتت المرأة السورية دورها وفاعليتها في الحراك الثوري السوري، فكانت رديفاً أساسياً في إعادة بناء الوطن ومواجهة نظام الأسد، وتصدرت المرأة في الحراك الثوري السوري طرفاً أساسياً، وكان لدورها أثر كبير في نمو الحراك وتصاعده ضد نظام البعث الذي لم يدخر جهداً في قهر المرأة، ومحاربتها والانتقام منها، فتعرضت للكثير من الانتهاكات.
بدأت المرأة في 15/3/2011 منذ انطلاق أول شرارة الثورة السورية بالمشاركة في المظاهرات السلمية، وكان لها حضور باهر وملفت، وقد سطع اسم العديد من النساء الثوريات، ليواجهن الاعتقال والقتل والتهديد، ومع انتشار الثورة السورية بدأ حراك المرأة في التوسع أيضاً فأصبحت ناقلة للأحداث، كما سعت إلى تقديم يد العون للشعب السوري والنساء خاصة، من خلال انضمامها إلى المنظمات الحقوقية والإنسانية ومنظمات المجتمع المدني المتنوعة، وأدوار كبيرة شاركت فيها المرأة.
ووفق إحصائيات “الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان” في تقريرها السنوي الثالث عشر بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، الذي سلطت فيه الضوء على الانتهاكات الجسيمة التي طالت النساء والفتيات في سوريا منذ بداية النزاع في آذار 2011، ووثق التقرير مقتل 29064 امرأة على يد أطراف النزاع في سوريا منذ آذار2011 حتى 20 تشرين الثاني2024، قتلت منهن 22092 على يد قوات النظام السوري، فيما قتلت 1609 على يد القوات الروسية، و1325 على يد ما تسمى بالمجموعات المعارضة المسلحة، و981 على يد مرتزقة داعش، كما قتل 961 على يد قوات التحالف الدولي، و91 على يد هيئة تحرير الشام، فيما قتلت 1718 على يد جهات أخرى.
واقع المناطق المحتلة
ومع كثرة جبهات الصراع خرجت الثورة السورية عن مسارها، وتدخلت العديد من الأطراف الخارجية بحجة حفظ أمان حدود دولها، ومنها تركيا التي بدأت باحتلال أجزاء من سوريا تباعاً، كعفرين، وسري كانيه، وتل أبيض، والباب، وجرابلس، وغيرها من المدن السورية، ومع نشر مرتزقتها في هذه المناطق، تعرضت المدن إلى عملية تغيير ديمغرافي، وكان للأهالي الذين فضلوا التمسك بأرضهم على التهجير القسري نصيب من المعاناة والاعتقال، والقتل، والنهب، والتهديد.
فعمد الاحتلال بعد انتهاك الأرض إلى انتهاك حقوق الإنسان، فكانت أيديولوجيته ترتكز على قتل وتهجير أكبر عدد من سكان المناطق المحتلة؛ لأن سياسته احتلالية، وكانت المرأة، حاضرة في قلب المعاناة التي يعانيها أبناء شعبها، فارتُكبت ضدها أبشع الجرائم القتل والتشريد والاعتقال والتعذيب في السجون، منتهكين بذلك أبسط قواعد القانون الدولي المتعلقة بحقوق الإنسان.
مشاركتها في الصراعات
كانت المرأة الضحية الأكبر في الأزمة السورية، وخاصةً في مناطق الحرب والنزاع، ومن هنا سعت النساء في إقليم شمال وشرق سوريا إلى خلق بيئة آمنة في الإدارة الذاتية الديمقراطية، فتشكلت قوات خاصة بهن “وحدات حماية المرأة” تشارك فيها المرأة في مجالات الحياة المدنية، والسياسية، والاجتماعية، والعسكرية.
وقد أثبتت المرأة في مناطق إقليم شمال وشرق سوريا قدرتها على فهم المتغيرات، واتخاذ الخطوات الفعالة في تطور البيئة بما يخدم الصالح السوري عامةً والمرأة خاصةً، ومن تطبيق مشروع الرئاسة المشتركة في كافة مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية، كانت المرأة قادرة على أن تصبح في موضع صنع القرار، واتخاذ القرارات المصيرية.
موقف المرأة بعد سقوط النظام
ومع سقوط نظام البعث في سوريا كانت المرأة شريكة الانتصار الذي وصلت إليه الثورة السورية، ويجب أن تكون شريكة في بناء سوريا ديمقراطية، إلا أن هذا الأمر قد همش في سوريا مع تولي السلطة الجديدة للرئاسة. وبدورهن عارضت النساء السوريات هذا الإقصاء وسعينَ إلى توحيد صفوفهن في وجه هذه الانتهاكات، وقد بدأ مجلس المرأة السورية انطلاقاً من هدف تأسيسه إلى دمج النساء السوريات، ومع سقوط نظام البعث تم افتتاح العديد من المكاتب في المدن السورية كدمشق، والساحل السوري، وطرطوس، والسويداء، وتواصل المجلس مع نساء درعا ونساء مناطق غرب الفرات الواقعة تحت سيطرة الاحتلال التركي.
وبينت عضوة مكتب العلاقات الدبلوماسية لمجلس المرأة السورية “كلستان جاويش”، أنهنَّ عقدنَ اجتماعات عدة في دمشق ومنها اللقاء التشاوري النسوي من أجل البحث إلى أين تتجه سوريا، وندوات حول الدستور السوري الجديد ودور المرأة فيه، وعقد جلسات ومنتديات في طرطوس، والساحل السوري للبحث في واقع وشأن المرأة السورية، ولقاؤهنَّ مع العديد من المنظمات النسوية لتوسيع رقعة العمل، والنضال النسوي ومع نساء خرجن من سجون النظام البعثي.
وأكدت كلستان، أن المرأة منذ انطلاق الثورة السورية ليست مجرد شاهد على الأحداث بل قوة محورية محركة في المجالات كافة: “لكن بعد سقوط النظام ظهرت المخاوف حول دور المرأة في سوريا وخاصةً بعد التصريحات التي أدلت بها بعض الشخصيات التابعة للحكومة الجديدة، والتي حدَّت من إمكانات المرأة ودورها البارز”.
وترى كلستان أن التحديات التي تواجه المرأة في هذه المرحلة لا تختلف عن التحديات التي اعتادت على مواجهتها: “إن المجتمع صمام أمان لسوريا الجديدة، ويحتاج كثير من الجهد والصبر لتوعية النساء بحقوقهن، فلذلك علينا إيجاد خطوات لتمكين حقوق المرأة السورية خلال المرحلة الانتقالية، وخاصة في المناطق المحتلة، إذ تتعرض النساء إلى أشد الانتهاكات، وعلينا وضع تشريعات عادلة تضمن تمثيلها السياسي، ووجودها في المجالس التشريعية والتنفيذية، وأن يكون لها دور في صنع القرار وتتخلص من القوانين والانتهاكات المجحفة بحقها، ومن الضروري وضع تشريعات عادلة تلغي أي قوانين تمييزية”.
المرأة في الدستور السوري
تابعت: “اليوم المشهد في سوريا لم يعد ضبابياً وخاصة واقع المرأة السورية، فمنذ بدأ العمل في السلطة الجديدة تأكدنا إلى أين يتجه واقع المرأة في سوريا، ونحن نرفض أي سياسة تتم بإقصاء حق المرأة، ومن واجب المنظمات، والحركات النسوية في هذه المرحلة الوصول للنساء، وتوعيتهن بحقوقهن وضرورة مشاركتهن في المجالات كافة”.
كما تطرقت إلى مسودة الدستور السوري الجديد، وأنها لم يقدم إي ضمان لحقوق المرأة وحريتها في البلاد: “إن هذه المرحلة مرحلة إثبات للوجود، وإن لم يكن هناك وجود للمرأة سيذهب النضال والعمل الذي سعت إليه سدى، وبدورنا ناقشنا الدستور الجديد إلا أن واقع الدولة والسلطة مغاير لتطلعاتنا”.