ليلى خالد
عاشت المرأة السورية سنوات عجاف، في ظل ما عانته هذه البلاد من أزماتٍ خانقة وانتشارٍ لعقلياتٍ تكفيرية، تبني وجودها وهيمنتها على أشلاء المرأة وروحها، هُجرت من بيتها وفقدت زوجها وأبناءها، خُطفت، وسُبيت، واُغتُصِبَتْ طفولتها، مزقوا الجنين في رحمها وتُركت في زوبعة القهر والهجران.
لم ترضخ المرأة الكردية لهذا الواقع المرير، لأنها كانت تدفع ثمن هويتها القومية والجنسية في كنف الأنظمة الشمولية، والعنصرية الشوفونية، فكانت عبر الزمن تبني ذاتها فكرياً وبنيوياً بفلسفة مانفيستو المرأة الحرة للمفكر والقائد عبدالله أوجلان، لذا كانت هذه الممارسات عصية عليها.
لم ترضخ للمحاولات، ولم تستسلم له قط، بل كانت ترفع وتيرة تمردها ضد هذه العقليات الدوغمائية، وقفت كتفاً بكتف بجانب الرجل و أبنائها، و اندمجت في صفوف النضال في كل مفاصل الحياة، وأصبحت الركيزة التي أُنشئت عليها أُسس حرية المرأة والمجتمع، شكلت قوة لا يستهان بها (وحدات حماية المرأة) لتصبح رمزاً و فخراً لكل النساء، وسداً منيعاً أمام تدفق الفكر الذكوري والأحادي، وصل صدى صوتها إلى النساء المتعطشات للحرية عبر شعارها الكوني “JIN JIYAN AZADΔ “المرأة الحياة الحرية”، لترددها حناجر النساء في المشرق والمغرب والشمال والجنوب وبكل لغات العالم، فمعاناة المرأة واحدة أينما وجدت بخلاف الزمان والمكان.
استطاعت المرأة السورية عامةً والكردية خاصةً، أن تحطم المفاهيم والمعتقدات المجتمعية المجحفة بحقها، وتثبت جدارتها وقدرتها في إجراء التغيير في المجتمعات، وقيادة جيوش كبرى ومواجهة أعتى القوى الظلامية والتكفيرية، دفعت أغلى ما لديها ثمناً للدفاع عن كرامتها وحفاظاً على وجودها وكينونتها.
إن ما حصل في الساحل السوري من جرائم بحق أخوتنا العلويين في هذا الشهر الفضيل، كان خارج أفق التصور والمنطق، أليمة جداً لحد الوجع، نزفت معه قلوبنا ووجداننا، قتل ونهب، وسلب، وتنكيل بالجثث، و ترهيب الأطفال وإعدامهم دون رأفة، قتل الأبناء أمام الأمهات، و قتل الآباء والأمهات أمام الأبناء.
مئات النساء اقتيدت إلى المجهول دون معرفة مصيرهن، من المحتمل أنهن لقين مصير الإيزيديات (السبي)، نحن شعبٌ مرّ بمجازر وإبادات جماعية لا تعد ولا تحصى، وبأبشع وأفظع السبل على مر التاريخ، (الأنفال، وحلبجة، وشنكال، وكوباني، وعفرين، وسري كانيه، وكري سبي)، لذا نشعر ونتألم بكل وخزة في جسد إنسان أينما كان، قُتِلنا خنقاً بالغاز الكيماوي ودُفِنَّا أحياء في مقابر جماعية تحت قطع إسمنتية، وقُتلنا رمياً بالرصاص ذبحاً حرقاً شنقاً ولا زلنا نتنفس في الشهيق جريحاً، وفي الزفير شهيداً.
من خلال زاويتي هذه أتوجه بالنداء للنساء السوريات، بالنضال وتوحيد الطاقات معاً، والتمحور حول تنظيمات المرأة والانخراط في الميادين الاجتماعية، والسياسية، والعسكرية، والعمل الدؤوب في تصعيد النضال التحرري لمحاربة العقليات المُهَمِشة والفكر الذكوري السلطوي، فأغلب الحروب والصراعات تكون ضد المرأة. بمشاركة المرأة الحرة والواعية في ثورة الحقيقة، ثورة الفكر سنحيي العصر الذهبي، عصر المرأة عصر السلام والمجتمع الديمقراطي، وفق أسس ومبادئ الحياة الندية المشتركة.
وفي ذكرى يوم المرأة العالمي أتوجه بأسمى التبريكات لكل نساء العالم، وخاصة المناضلات والمقاتلات ونتعهد للشهداء أننا على دربهم سائرون حتى آخر رمق فينا.
كل عام وأنتن للحياة حياة.