حنان عثمان
يحتفل العالم كل عام في الثامن من آذار باليوم العالمي للمرأة، وهو مناسبة لتسليط الضوء على تضحيات وإنجازات النساء ونضالاتهن المستمرة من أجل الحقوق والمساواة. إلا أن هذه المناسبة لا تزال تحمل طابعاً خاصاً في منطقتنا، حيث تواجه النساء تحديات معقدة، أولها الحروب وتداعياتها المتعددة وما يتداخل معها من انتهاكات كارثية. ولا ننسى العوامل الاجتماعية النابعة من التقاليد المحافظة، والتمييز القانوني، والأوضاع السياسية غير المستقرة.
في العديد من دول الشرق الأوسط، تعاني النساء من ويلات الحروب، ومن التهميش الاقتصادي والسياسي، والحرمان من فرص متكافئة في التعليم والعمل. إضافة إلى ذلك، يواجهن أشكالاً مختلفة من العنف، بما في ذلك العنف الأسري، وجرائم الشرف، والزواج القسري.
وعلى سبيل الذكر، لا الحصر، ففي سوريا، تفاقمت هذه الأوضاع مع الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد، حيث تحملت النساء أعباء النزوح والتهجير القسري والفقر، وفقدان الأمان والاستقرار. مع ذلك، ورغم هذه المعاناة، أثبتت المرأة السورية قدرتها على الصمود والمقاومة، سواء في ميدان العمل الإنساني أو في الساحة السياسية والاجتماعية.
في هذا السياق، برزت المرأة الكردية كنموذج ملهم للنضال والمقاومة. فمنذ عقود، لعبت النساء الكرديات دوراً حيوياً في حركة التحرر الكردستانية، فلم يقتصر دورها على النضال السياسي، بل وامتد إلى مجالات الحماية الذاتية والتنظيم المجتمعي، بالإضافة إلى دورها البارز في قطاعات مثل التربية والتعليم والثقافة والفن والصحة وما شابه.
وقد سطع نجم المرأة الكردية بنحو أكبر خلال خوضهن قتالاً شجاعاً ضد تنظيم داعش الإرهابي، تماماً في الوقت الذي هابته العديد من الجيوش الجرارة فتراجعت أمامه. حيث ساهمت النساء الكرديات بشكل بارز في الدفاع عن أرضهن وحقوقهن من خلال تشكيل وحدات حماية المرأة (YPJ)، التي لم تكن مجرد قوة قتالية، بل مشروعاً ذا بُعد اجتماعي هدفه تحرير المرأة من كل أنواع الظلم والحروب والقمع والاحتلال، وتمكينها من المشاركة الفاعلة في مجالات الحياة انطلاقاً من مبدأ الدفاع عن النفس اعتماداً على طاقة المرأة نفسها.
هذا عدا عن التنظيمات النسائية شبه المستقلة، والتي تبتّ في شؤون المرأة بإرادتها هي، وبلونها وبرؤيتها النسائية، بعيداً عن حاكمية وسلطوية وعنجهية الرجل. بل وتقوم هي بالمساءلة والمحاسبة تجاه مَن تُخِلُّ بالقواعد والقوانين من طرف النساء، وتعمل على إرساء العدالة الاجتماعية من خلال العديد من المؤسسات المختصة في هذا الشأن، ووفق “قوانين المرأة”، التي سنّتها هيئة المرأة منذ سنوات، لتكون حالة غير مسبوقة من حيث رقيّها القانوني، ومن حيث متابعتها عملياً.
ولم تنسَ المرأةُ الكردية أن تنقل تجاربها هذه إلى شقيقاتها من القوميات والشعوب الأخرى في البقعة الجغرافية نفسها، كي يشاركن معاً وسوياً في إرساء دعائم الحياة الحرة التي يطمحن إلى بنائها للأجيال القادمة.
لقد نجحت المرأة الكردية في تغيير النظرة التقليدية إلى دور النساء، وأصبحت مثالاً يحتذى به في العالم. إذ أثبتت أن المرأة ليست مجرد ضحية للحروب والصراعات، بل ويمكنها أن تكون قائدة ومقاومِة بل وريادية في هذا السياق، وقادرة على بناء مستقبل أكثر عدالة ومساواة. إن نضالها في هذا اليوم العالمي لا يمثل فقط معركة من أجل حقوق النساء الكرديات، بل هو جزء من حركة نسوية عالمية تسعى لإنهاء الظلم والاضطهاد أينما وجد.
في يوم المرأة العالمي، لا بد من الاعتراف بأن الطريق نحو المساواة لا يزال طويلاً. لكن، بفضل نضال النساء في الشرق الأوسط، وخاصة ريادة النساء الكرديات، تستمر مسيرة التغيير، ويظل الأمل قائماً في مستقبل تسوده المساواة والعدالة والحرية. ولا بد من التنويه إلى ضرورة وأهمية للاستفادة من هذه التجربة الفريدة على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.