قامشلو/ دعاء يوسف – في الثامن من آذار نوهت عضوة لجنة المرأة والأمن والسلام بالاتحاد الأفريقي “سـلـوى قيــقة”، أن المرأة ما زالت تعاني من العنف والظلم المطبق بحقها في الشرق الأوسط؛ بسبب الذهنية الذكورية المهيمنة، وأكدت أنه لن تتحقق المساواة بين الجنسين دون مشاركة الرجل في تحقيق المساواة والتصدّي للعنف المسلّط على النساء، وبناء مجتمعات متوازنة.
تعدّدت محطّات النضال النسائي في مختلف بلدان العالم، فكانت أول دولة تمنح المرأة حق التصويت هي نيوزيلندا عام 1893. وفي 1908 خرجت 15 ألف امرأة في مسيرة في مدينة نيويورك للمطالبة بساعات عمل أقل، وأجور أفضل.
وناضلت العاملات والمناضلات من أجل حق المرأة في التصويت لأجل ظروف عمل أفضل والمساواة بين الرجال والنساء، ظهرت فكرة اليوم العالمي لحقوق المرأة، ومع مرور السنين تم تحديد الثامن من آذار من كل عام، وانتشر هذا التقليد شيئاً فشيئاً في أنحاء العالم، حتى تم الاعتراف به رسمياً من الأمم المتحدة عام 1977. وفي عام 2025، تحتفل الأمم المتحدة أيضاً بالذكرى الثلاثين لإعلان بكين الذي تم اعتماده في أيلول 1995. ويعد إعلان بكين ومنهاج العمل إعلاناً دولياً لحقوق النساء لأنها من حقوق الإنسان.
تبني مفهوم الذكورية الإيجابية
وبهذه المناسبة، حدثتنا عضوة لجنة المرأة والأمن والسلام بالاتحاد الأفريقي FemWise-Africa “سـلـوى قـيــقـة” أن الثامن من آذار ليس يوماً عالمياً للمرأة، بل يوم عالمي لحقوق النساء: “لا شكّ أنّ المصطلحات تتطوّر وفق تطوّر الوعي الفكري، والمجتمعي، والسياسي، والقانوني فبين صيغة المفرد “المرأة”، وصيغة الجمع “النساء”، ما يحيل إلى ضرورة الاعتراف بقيمة من القيم الإنسانيّة، التي تراعي الحقّ في الاختلاف، إنّ عبارة “المرأة” تحيل إلى صورة نموذجيّة موحّدة، في حين أنّ عبارة “النساء” تعكس مفهوم التنوّع والاختلاف في مختلف المستويات، ومن جانب آخر، من المهمّ أن يكون تاريخ الثامن من آذار، رمزاً للتركيز على حقوق النساء ، لأنها جزء لا يتجزّأ من حقوق الإنسان”.
وأوضحت: “إنّ اليوم العالمي لحقوق المرأة، تذكير بما أُنجز من حقوق المرأة، وهو يوم للتعبئة العامّة وشحذ للهمم من أجل تفادي النقص، ولتذكيرنا بأن النضال من أجل المساواة بين الجنسين لا يزال بعيداً، والهدف تحقيق المساواة الفعليّة في المستويات عامة لضمان إنسانيّة الإنسان، وإنّ يوم الثامن من آذار يوم عالميّ يخصّ نساء العالم جميعا، فالواقع الذي تعيشه النساء، يلقي على كاهلنا جميعاً مسؤوليّة تاريخيّة ثقيلة من أجل تحقيق الكرامة الإنسانيّة والعدالة الاجتماعية والحريّة الفعليّة والمساواة الحقيقيّة بين النساء والرجال، بل بين جميع البشر مهما اختلفت انتماءاتهم، وتعدّدت خصوصيّاتهم، وتنوّعت هويّاتهم”.
ودعت ليكون النضال من أجل المساواة نضالاً مشتركاً، يتبنّى فيه الرجال كذلك قضيّة المساواة بين الجنسين: “في هذا المجال، من المهمّ أن يتمّ العمل على مفهوم ما يسمّى”الذكورة الإيجابيّة”Positive Masculinity ، وهي مقاربة جديدة أساسها إشراك الرجال، وجعلهم حلفاء في الجهود من أجل تحقيق المساواة والتصدّي للعنف المسلّط على النساء وضمان الأمن والسلم، وبناء مجتمعات متوازنة، وهي من مبادرات الاتحاد الأفريقي، أدّت إلى “إعلان كينشاسا” Kinshas Declaration في 25 تشرين الثاني 2021 “.
النزاعات وتأثيرها على واقع المرأة
وقيمت سلوى التغيرات في واقع المرأة من الأبعاد الإيجابية والسلبية: “تبرز الأبعاد الإيجابيّة في بروز كبير للحركات وللشبكات النسائيّة عبر العالم، ففي التنسيق والاتحاد قوّة تساعد على تحقيق الأهداف بصفة تدريجيّة، وإنّ انتشار التعليم يساهم في تعزيز الوعي بالحقوق، وإن ظلّت الأمّيّة سائدة في بعض البلدان، من المهمّ أن أشير إلى المثال التونسي، حيث أكّدت الإحصائيّات أنّ نسبة النساء التونسيات المتخصّصات في الميدان العلمي تمثّل 55% في حين أنّ نسبة الرجال 39%، وهي نسبة تجعلهنّ في المرتبة الثانية عالميّاً”.
وإن اضطهاد المرأة كما وصفته سلوى هو طريقة لإخضاع نصف المجتمع يليه إخضاع البلدان للسيطرة الرأسماليّة، وللفكرة الرجعية الحلقة الأضعف التي يسهل السيطرة عليها: “إنّ نزعات التقدّم وتطوّر البلدان في أفريقيا وفي منطقة الشرق الأوسط ومختلف بلدان العالم الثالث، تقف حجر عثرة أمام النوايا الإمبرياليّة الساعية إلى استغلال الثروات الطبيعيّة لهذه البلدان، وإلى ضمان أسواق مربحة لإنتاجاتها وصناعاتها، وما العشريّة الماضية وبرنامج ما سمّي “الربيع العربي” إلاّ صورة عن النوايا التسلّطيّة، في تونس مثلاً نسبة التدريس التي كانت قبل 2011 في حدود 99,6% ، فكان دعمها للإسلام السياسي من أجل الوصول إلى الحكم سبباً فيما عرفته البلاد من انقطاع مبكّر عن التعليم يفوق سنويّاً 120.000 من تلاميذ المدارس، والحال أنّ التعليم إجباريّ من الناحية القانونيّة”.
لتضيف أنه “بالرغم مما تحقّق من مكتسبات، لا يزال التمييز الجنسي والعنف بجميع أصنافه يسلّط على النساء في بلادنا، وفي بلدان العالم، وحين نتأمّل الأوضاع السياسيّة عموماً ومنها أوضاع النساء في فلسطين المحتلّة، وفي سوريا إثر تولّي أحمد الشرع السلطة، وفي اليمن وفي السودان وفي العراق وفي إيران وفي أفغانستان وفي كلّ المناطق التي تعيش حروباً وصراعات مذهبيّة وقبليّة ودوليّة، لا يسعنا إلاّ أن نبحث في الأسباب العميقة لهذا الوضع الذي يسلّط على النساء أساساً”.
المرأة الإيرانية مثال
وقد أعطت سلوى مثلاً على ذلك المرأة الإيرانية: “قبل اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية في 1979، كانت النساء الإيرانيات يتمتعن بالحقوق ذاتها التي تتمتع بها النساء في أجزاء أخرى من العالم، فالمئات منهن كن يعملن في المجالس المحلية المنتخبة، والملايين منهن انخرطن في القوى العاملة، وكان من بينهن قاضيات وموظفات مدنيات وسفيرات وضابطات شرطة، إلا أن الثورة الإسلامية الإيرانية قضت على هذه المكاسب”. تابعت: “اليوم المرأة الإيرانيّة لا تكشف عن شعرها في الأماكن العامّة ولا تطلب عملاً دون إذن أحد أقاربها ولا تسافر دون موافقة زوجها، وعلى مدار الأربعين عاماً الماضية، ناضلت النساء الإيرانيات وما زلن، لاستعادة بعض حرياتهن الإنسانية الأساسية، لكن الواقع القاسي بالنسبة إلى 40 مليون امرأة في إيران هو أن القانون لا يعترف سوى بالزوج بصفته رب الأسرة، ويجب على الزوجة أن تطيعه في جميع الأمور، بما في ذلك العمل”. استذكرت سلوى استشهاد جينا أميني على يد ما تسمى بشرطة الأخلاق واندلاع ثورة نسائية: “إن في مقتل جينا أميني وفي الاعتقالات والأحكام القضائيّة القاسية مثال على إشكاليّة أخرى تقتضيها الديمقراطيّة واحترام حقوق الإنسان عامّة وحقوق النساء خاصّة، وهي ضرورة إرساء نظام الدولة المدنيّة، التي تقوم أساساً على الفصل بين الدين والدولة، هكذا تتحدّد الإشكاليّة في العوامل الخارجيّة من ناحية والداخليّة من ناحية أخرى، ولا شكّ أنّ المصالح المشتركة بين العناصر الداخليّة والخارجية هي العامل الأساسي في تحديد السياسات، ويبقى الإصرار النضالي هو الحلّ”.
مناطق الشرق الأوسط
تشير سلوى أنّ الفكر الرجعي الطاغي على المنطقة له دور أساسي في اضطهاد النساء: “إن الفكر الرجعي نتيجة لعدم الفصل بين الدين والدولة، وبين القوميّة العربيّة، وأسس النظام السياسي، بما يجعل حقوق الأقليّات العرقيّة والدينيّة مضطهدة، ويجعل الشريعة الإسلاميّة في مفهومها القديم دون سعي إلى الاجتهاد أساساً لتحديد موقع المرأة في المجتمع، لذلك، لم تتجاوز بلدان الشرق الأوسط في القرن الواحد والعشرين مبدأ تعدّد الزوجات، أو تزويج القاصرات مثلاً”.
وتطرقت إلى أن منح النساء حقوقهنَّ في دول الشرق الأوسط جاء من أجل علاقات سياسية واقتصادية: “لا يخفى أنّ تمكين النساء السعوديّات من قيادة السيّارة في بداية 2022، لا يندرج إلاّ ضمن محاولة مزيّفة للتظاهر بالانفتاح أمام القوى الغربيّة التي تسعى للاستثمار الاقتصادي معها، فتكون إعلاء صورة المرأة في بلد ركيزة لبناء علاقات اقتصاديّة مثمرة، ولا تختلف أوضاع النساء كثيراً في المناطق التي لا تلتزم بمبادئ حقوق الإنسان ومنها حقوق النساء في شموليّتها”.
ورغم المجهودات والمساعي، فإنّ الإحصائيّات العالميّة تؤكّد تواصل أساليب العنف المسلّط على النساء في مختلف البلدان بأشكاله، ويؤكّد هذا العنف أنّ النصوص القانونيّة والاتفاقيات والمعاهدات تبقى رؤية نظريّة تستوجب حلولاً عمليّة، وعن الأمر قالت سلوى: “على المستوى السياسي في مختلف البلدان، لا بدّ لأصحاب السلطة من إدارة سياسيّة حقيقيّة للقضاء على أشكال التمييز وعلى العنف المسلّط على النساء والفتيات، وللانتخابات الديمقراطيّة دور في ذلك، وللمنظمات النسويّة دور في أن تكون قوّة ضغط من ناحية وقوّة اقتراح من ناحية أخرى، وفي المستوى العالمي، من واجب منظّمة الأمم المتحدة أن تحرص على وجوب تقيّد البلدان بما تنصّ عليه الاتفاقيّات الدوليّة وأن تتخذ الإجراءات الضروريّة لذلك”.
كما أعطت سلوى تونس مثالاً على عدم تطبيق القوانين: “في تونس مثلاً، صدر القانون الأساسي (58، عام 2017) للقضاء على العنف ضدّ المرأة، لكنّ نسبة العنف لم تتغيّر، وأنّ مظاهر التمييز وأصناف العنف المسلّط على النساء وما تعكسه الأرقام المفزعة يجرّنا إلى التساؤل عن مدى نجاح القوانين والمعاهدات، لتبقى المسألة رهينة تغيير العقليّات الذكوريّة المتخلّفة”.
وأكدت على السعي إلى تغيير العقليّات الرجعيّة الذكوريّة من خلال الحملات التوعويّة وذلك من خلال: “البرامج التعليميّة لتكون حاملة لرؤية تتناسق مع قيم حقوق الإنسان في مفهومها الشامل، وسائل الإعلام التي بإمكانها أن تؤدّي دوراً توعويّاً مؤثّراً في المتلقّي، حملات التوعويّة الميدانيّة التي تتكفّل بها منظّمات المجتمع المدني، التربية على المواطنة التي يمكن توظيفها في إطار برامج القضاء على الأمّيّة”.
توحيد القوى للمطالبة بالحقوق النسائيّة
كما ترى سلوى: “تبقى تجربة النساء الكرديات من أبرز علامات التقدّم في الرؤية والالتزام والنضال الفعلي من أجل تحقيق العدالة والمساواة، ولا شكّ أنّ فلسفة القائد عبد الله أوجلان هي الفكر الذي حدّد المسار من أجل تجاوز العقبات، وهو فكر حامل رؤية استراتيجيّة ولأهداف نوعيّة ساعدت المجتمع الكردي على أن يكون مثالاً يقتدى به في المنطقة”.
والشعار الذي أطلقته النساء في مناطق كردستان “المرأة، الحياة، الحرية” انتشر مع توسّع النضال النسائي في مختلف بلدان العالم، وتأسيس شبكات إقليميّة وعالميّة منها شبكة “المؤتمر العالمي للنساء القاعديّات ” التي كان شعارها “المرأة، الحياة، الحرية”، وبما أنّ إحدى لقاءاتها قد انعقدت في آمد بباكور كردستان تركيا، ترسّخ في الأذهان شعار “JIN, JIYAN, AZADI ” وقد تردّد الشعار باللغة الكردية عند التئام اللقاء النسائي العالمي في تونس في 2022.
وعن الأمر قالت: “لقد انتشر الشعار في العديد من بلدان العالم للمطالبة بالحقوق والعدالة والمساواة، غير أنّ مواصلة الجهود تمثّل رهاناً أساسيّاً لتحقيق أهداف الثورة النسائيّة، خصوصاً في الظروف الحاليّة التي يشوبها سعي قويّ إلى إلجام أصوات الحريّة في سوريا وفي العراق، وأساساً في فلسطين المحتلّة، وللاحتلال وجهان: وجه استعماريّ أجنبيّ ووجه داخليّ رجعيّ”.
بينت سلوى، أن القضيّة إنسانيّة مشتركة وتوحيد القوى للمطالبة بالحقوق الإنسانيّة أمر أساسي، ومع ما أنجزته البشرية من تقدم لا يمكن أن تجاهل الطابع الكوني للعلاقات البشريّة في واقع القرن الواحد والعشرين، أي القيم المشتركة التي يلتزم بها من أجل تحقيق الأمن والسلام في مختلف أنحاء العالم: “من أجل احترام إنسانيّة الإنسان، لا شكّ أن الاستفادة من التجارب الناجحة في بعض البلدان يمكّن من ربح الوقت، فمن المفيد أن نتبادل الرأي والتجارب لضمان النتائج، ومن المفيد ألا نكتفي برفع الشعارات، وبكتابة البيانات، والأهمّ أن نكون قوّة ضغط فعليّة تقوم على المساندة المتبادلة بيننا، ونكون في الآن ذاته قوّة اقتراح، ولنعمل معاً من أجل تأسيس المقترحات في إطار رؤية استراتيجيّة واضحة وأهداف نوعيّة يقع تحديدها وفق مقتضيات الظروف في مختلف بلداننا”.