ليلى خالد
بعد اندلاع ما سمي بالربيع العربي في عدة دول عربية، انتقلت شرارته إلى سوريا في منتصف آذار 2011 ولا زالت مستمرة لتاريخ اليوم، تتجرع الشعوب مرارة القتل والسلب والتهجير والصراعات الطائفية.
كان لحيي الشيخ مقصود والأشرفية نصيب مضاعف من هجمات طرفي الصراع، تتميز هذه الأحياء بتركيبتها السكانية المتعددة بشعوبها وأثنيتها وطوائفها، عاشوا فيها متحابين ومتراصين وفق أسس اجتماعية جميلة، قاوموا معاً أشد الهجمات من طرفي الصراع الدائر في سوريا، وقد عانى الحيان من الحصارات الخانقة باعتبارهما أولى الأحياء التي انتفضت في وجه النظام البعثي، تعرض أغلب سكانهما للاعتقالات التعسفية والمضايقات القمعية، وخاصةً مع بدء شرارة الثورة في مدينة قامشلو عام 200٤ (مباراة الجهاد والفتوة) باعتبار أن الحيين يمتازان بالغالبية الكردية، فلم تقدم الدولة البعثية أية خدماتٍ في البنى التحتية وكانا يفتقران لأبسط مقومات الحياة.
مع بداية الحراك الثوري في عام 2011 خرج الأهالي في تظاهرات جماهيرية كبرى، ومع استشهاد أول شهيدة في الحيين (كولى سلمو) عام 2012 انفجر الغضب الشعبي، وهاجموا مقرات الشبيحة فطردوا قوات النظام البعثي، وأخذوا مواقعهم ونظموا أنفسهم في كومينات ومؤسسات ومجالس وأسسوا قوة عسكرية مُشَكّلَة من أبناء وبنات الحيين كرد، وعرب، ومسيحيين، وتركمان.
كانت هذه الأحياء تئن تحت وطأة الحصار، وتحولت إلى ساحة صراع ضروس، لاقت مقاومة جبارة وعظيمة دون تراجع، رغم أن حجم الهجمات كان أكبر بكثير من حجم الحي وقدرة الأهالي، فكان سكان الحي نساءً ورجالاً، شيباً وشباباً يشكلون سداً منيعاً خلف مقاتليهم، وكانوا الجبهة الداخلية في تأمين الطعام والماء وإسعاف الجرحى ومواراة الشهداء وحماية الحارات من الداخل.
تمخضت من ثنائية إرادة الشعب والقوة العسكرية حرب الشعب الثورية، في 16 شباط عام 2016 كانت الهجمة الأكبر والأعنف، بعد أن أدركوا وحدة الأهالي مع القوى العسكرية وخاصةً الموقف البطولي والدور الريادي للمرأة، فتدهورت الظروف الإنسانية لشح المواد الاغاثية والإسعافية، فكبرت حرب الشعب الثورية بكل طاقاتها بعزيمة كبرى ومساهمة جبارة من المرأة، حيث وقفت جنباً إلى جنب أولادها وزوجها في ساحات الوغى، ولحجم المقاومة الكبرى استخدم العدو الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً ثلاث مرات، أول مرة كانت في الثامن من آذار (اليوم العالمي للمرأة) رداً على انخراطها في التشكيل العسكري، ونضالها اللامحدود في الميادين كافة، وفي شهر نيسان استخدموا هذه الأسلحة مرتين متتاليتين، كان قرار الأهالي والقوة العسكرية هو النصر أو النصر. استمرت الهجمات مدة ما يقارب تسعة أشهر، بعد استشهاد العشرات من المقاتلين والمقاتلات والمدنيين، وقد توجت هذه المقاومة البطولية بالنصر المؤزر لاعتمادها على أقوى ثالوث: “إرادة الشعب – الإدارة الحكيمة – القوة العسكرية”.
ما حثني على سرد هذه الحقائق هو أنه في ١٦ شباط من كل عام، يتم الإدلاء ببيان رسمي من المجلس العام في الحيين، إحياءً لذكرى الهجمات فقط، ولا نستذكر يوم نصرنا العظيم لأني من النساء اللواتي كان لهن شرف النضال والمقاومة، أناشد الإدارة الموقرة لتخصيص يوم في شهر حزيران لنحتفل فيه بالنصر، نحيي ذكرى نصرنا العظيم، وليبقى شاهداً في ذاكرة الأجيال القادمة، انتصار حرب الشعب الثورية.