الطبقة/ عبد المجيد بدر- تمتزج الفنون مع التراث في مناطق حوض الفرات، حيث يعتبر العزف والغناء من التقاليد العريقة لدى سكان الرقة والطبقة ودير الزور شأنهم في ذلك شأن العديد من المدن العربية.
وقد اشتهر أبناء حوض الفرات بالاهتمام بها أكثر من غيرهم فحافظوا على الطراز الغنائي الشعبي، والذي يعكس تمسك أهالي هذه المناطق وثوبهم الشعبي الممزوج بالحدس الفني الشعبي.
ويعدُّ الغناء التراثي نمطاً فنياً راقياً في المجتمعات، حيث يدمج بين ثقافة الفائدة من جهة والمتعة والتسلية من جهة أخرى، ويضم في طياته الكثير من وصف التعابير الإنسانية والحالات الاجتماعية، كالحزن والفرح الذي يجسده المغني أو العازف.
في مدينة الجرنية في ريف مقاطعة الطبقة الشمالي الغربي، تبرز فرقة الجرنية الشعبية كجوهرة فنية تسعى بكلِّ جهدها للحفاظ على هذا الإرث الثقافي الذي كاد أن يندثر، تأسست الفرقة عام 2020 لتكون بمثابة صوت يُعيد الحياة إلى الفنون الشعبية التي كانت على وشك الاختفاء.
تشكيلة الفرقة وأدواتها الموسيقية
تضم الفرقة (عازف ربابة، وعازف زمارة، ومغني شعبي) ولكل عضو في هذه الفرقة مهمة خاصة:
عازف الربابة: يُبدِع بأنامله على أوتار الربابة، مستحضراً ألحانًا تقليدية تأسر القلوب.
عازف الزمارة: ينفخ في آلته المصنوعة من قصب الزل، ليبعث ألحانًا عريقة مثل “الخمسة” و”القوصار”.
المغني الشعبي: يُضفي بصوتهِ الدافئ حياة على الألحان، مؤديًا ألوانًا غنائية متنوعة كـ “العتابا”، “السويحلي”، “النايل”، و”اللكاحي”.
ولهذه الفرقة بصمة خاصة في المحافظة على التراث الذي بات يندثر نتيجة سيطرة داعش على المدينة ولجوء الفئة الشابة للأغاني العصرية وابتعادهم عن التراث والفلكلور الشعبي، لتشارك الفرقة في معظم الفعاليات والنشاطات الثقافية والفنية التي أُقيمت في إقليم شمال وشرق سوريا.
دور الفن في عكس الصورة الثقافية
وفي لقاء صحيفتنا “روناهي” مع الرئيس المشترك لهيئة الثقافة والفن في مقاطعة الطبقة: “علي العلايا” نوه في بداية حديثه إلى أهمية حب الفن وعشق التراث للمحافظة عليه: “إن أعضاء الفرقة ليسوا من الهواة، بل اجتمعوا على حب الغناء والتمسك بهويتهم الثقافية ولم يعوّقهم ما عاشوه سابقاً في عهد ظلام داعش، ومحاولته لطمس الهوية الثقافية والفنية التي كانت في أرجاء المنطقة، فعمدوا إلى تأسيس هذه الفرقة “.
وتطرق “العلايا” أيضاً إلى دور الفرقة في إحياء التراث: “لا يقتصر الغناء على نوع الآلة فالمجهود يعود على من يداعب الآلة، فالآلات التي تعتمدها الفرقة لها تاريخ عريق في المنطقة، بل هي لوحة ثقافية عمل الفنانون والعازفون على وضع ألوانها، كما تدل الآلات على تراث المجتمع وتعكس الصورة الثقافية والفنية، وتعبّر عن هوية المنطقة من خلال اللون الفني سواءً كان معزوفاً أو مهلهلاً”.
دور الفرقة في الحفاظ على التراث
ومن جانبه أشار المغني في فرقة الجرنية “عبد المنزل الحمود“: “لم تكن مهمة الفرقة سهلة، خاصةً في ظل الظروف الصعبة التي مرت بها المنطقة، والتي شهدت محاولات عديدة لطمس الهوية الثقافية، لكن الفرقة بروحها العالية وإصرارها، نجحت في إعادة إحياء الفلكلور الغنائي الذي كاد أن يختفي”.
وأضاف الحمود: “وما ساعد الفرقة في إعادة إحياء التراث لجوء الشباب لهذا النوع من الغناء والعزف لآبائهم وهم يحملون في ذاكرتهم الكثير عنه، ومصممون على أن يحافظوا على هذا الفلكلور الذي يعتبر من تراثهم”. وعن الألوان التي يغنيها في الفرقة: “المولية تُغنى في مناطق الرقة والطبقة على لحنين أساسين الأول على الزمارة وهو النوع الذي يُلحن على آلة المزمار، ويعد لحناً بطيئاً للمولية، أما اللحن الثاني هو المولية الدفية حيث يرافق الغناء القرع على آلة الدف، دبكة الخمسة، والعتابا، اللكاحي، السويحلي، وغيرها من الألوان الشعبية”.
واختتم عبد المنزل الحمود: “عن طريق هذه الفرقة يتم إيصال الرسائل لجميع الشعوب في تقديم اللوحات الفنية الشعبية الفلكلورية الإبداعية والتي تلامس البساطة والتقاليد المتوارثة التي تمثل أشكال الحياة بشكلٍ عام”.