سوزان علي
تتبدد سياسة الأنظمة المتعاقبة على جغرافية كردستان رويداً رويداً بمقاومة المرأة الكردستانية، التي شغفت برسم حياة ملائمة تخلو من الطبقية والذهنية المتسلطة والظلم، المرأة التي اعتنقت ثقافة الحماية والمقاومة، وآمنت بحرب الشعب الثورية في التصدي لهجمات سياسة الإبادة؛ مقتدية بمقاومة القائد عبد الله أوجلان على مدار ستة وعشرين عاماً في زنزانة تفتقر لأدنى مقومات العيش الطبيعي، وأمام ممارسة نظام الإبادة والتعذيب عليه وحرمانه قانون “حق الأمل” في الإفراج عنه بعد مضي 25 عاماً في السجن؛ فكان ردّة فعل القائد أوجلان خلق فعل آخر؛ وذلك بنبذ الاستسلام وخلق الأمل بين جدران اليأس؛ فبرعمت الأشواك أوراقاً يانعة، وأثمرت مقاومته مشروع “الحضارة الديمقراطية” المناهض للذهنية الرأسمالية الدولتية، ونظام الدولة القومية والحض على حلّ القضايا العالقة والمتأزمة في الشرق الأوسط، ومن هذا النضال الفريد؛ استمدت المرأة الكردستانية قوتها، وما مقاومتها اليوم في سد المقاومة والشهداء “سد تشرين” على مدى أكثر من شهرين سوى استمرار لمقاومة إمرالي؛ المقاومة المتمثلة بنضال وحدات حماية المرأة وأمهات الشهداء والنساء الوطنيات والإعلاميات؛ الصامدات أمام مسيرات المحتل التركي وهمجية مرتزقته، غير آبهات بريح كانون، ولا صقيع شباط. فساندت النساء الوطنيات قوات سوريا الديمقراطية لحماية السد من الانهيار أثناء مناوبتهن في قافلات الأهالي المتوجهة إلى السد منذ الثامن من كانون الثاني المنصرم، ومنهن ارتقين إلى الشهادة؛ وقد علمن مسبقاً أنهن على موعد مع الشهادة؛ فالشهيدة الصحفية جيهان بلكين آثرت على إيصال رسالتها الإعلامية متحدية العراقيل والمخاوف، وتكلل مجهودها بالشهادة، والمناضلة السياسية الشهيدة منيجة حيدر، التي كانت أماً لخمسة شبان حطمت جدران الخوف وقاومت على السد حتى غدت هدفاً لمسيرات المحتل التركي وارتقت إلى الشهادة.
وفي روجهلات كردستان أيضا ناهضت النساء سياسة النظام الإيراني الجائرة بحق ذوات الفكر والأقلام الحرة بالرغم من مواصلة النظام الإيران سياسته القمعية بحقهن وإصدار الإعدام بحق الناشطات بين الفينة والأخرى؛ مستمرات في انتفاضة “المرأة.. الحياة.. الحرية” التي أقلقت النظام الإيراني دون استطاعته إخمادها.
ولم تقتصر مقاومة المرأة على الجانب العسكري وحسب، بل لمع نجمها في الجانب السياسي والدبلوماسي فكانت الريادية في مؤسسات الإدارة الذاتية، وكانت عاملاً هاماً في تقدم الإدارة الذاتية واجتيازها الصعوبات والعراقيل، وصمودها أمام هجمات الإبادة والحرب الخاصة، وكانت حاضرة في اجتماعات ومؤتمرات الإدارة الذاتية الساعية إلى حلّ الأزمة السورية بعقد حوار بين السوريين ومع سلطة دمشق، والمناهضة لتقسيم سوريا حتى غدت نموذجاً ناجحاً لإدارة البلاد، واقتدت بها مناطق شتى مثل السويداء في الجنوب السوري، وكذلك مناطق الساحل السوري. وما نجاح نظام الرئاسة المشتركة اليوم سوى نتاج نضال المرأة ومقاومتها.
نضال نساء المرأة الكردستانية لم ينضب بعد ولم يتوقف عند هذه النقطة؛ بل ظل مستمراً؛ وذلك لأن المناضلات أدركن ألاعيب ومخططات العدوان وسائر الأنظمة المتحكمة في جغرافية كردستان، وأدركن أن المقاومة الخطوة الأولى في الحفاظ على القيم المجتمعية واسترداد الحقوق المسلوبة، والعيش باطمئنان.