رامان آزاد
لم تتخلف السويداء عن ركبِ الثورةِ ضد النظام البائد، ولكنها أضفت عليها طابعها السلميّ، ورفضت العسكرة إلا في حدودِ ضمان الأمن، وبعد سقوطِ النظام رفض أهلها تسليم السلاح، ويربطون الأمرَ بوجودِ حكومةٍ يمكنها ضبطُ الأمنِ وضمان الحقوق والخصوصيّة العقائديّة، ويصرون على بقاء الوضع الراهن بالمحافظة حتى حصول إجماع وطنيّ حول شكلِ الدولةِ واستقرارِ مجمل الأوضاع، فيما تتمسك المرجعيّة الروحيّة برفضها “المركزيّة” مع وجود مؤسسات عسكريّة ومدنيّة شكّلها أبناء المحافظة.
السويداء تتصدر المشهد السوريّ
أعلنت وكالة سانا مساء الإثنين 24/2/2025، أنّ رئيس سلطة دمشق الانتقاليّة التقى وفداً من شخصيات الطائفة الدرزيّة. وذكر بيان رسميّ أنّ الاجتماع ناقش الأوضاع الحالية. وجاء الاجتماع في وقتٍ يشهد فيه الجنوب السوريّ توترات متزايدة، في ظلِّ الضغوطاتِ الإقليميّةِ والدوليّةِ على سوريا.
وكان رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو قد صرح الأحد، بأنّ على دمشق سحب قواتها من جنوب سوريا، مشدداً على ضرورة أن تكون المنطقة منزوعة السلاح بشكل كامل. كما أشار إلى أنّ إسرائيل لن تتسامح مع أيّ تهديد يطال الطائفة الدرزيّة، ملوحاً بمزيد من الإجراءات العسكريّة إذا لزم الأمر. وقد أثار تصريح نتنياهو مخاوف من تصعيد أمنيّ في المنطقة، خاصة وأنّها ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها نتنياهو ملف الطائفة الدرزيّة للضغط على سوريا.
وأعرب شيخ عقل الطائفة الدرزيّة حكمت الهجري في تصريح لوكالة رويترز الاثنين عن استيائه رغم توجيه دعوات إلى 24 شخصاً على الأقل في محافظة السويداء، لحضور المؤتمر. وقال الهجري إنّ طائفته تحترم جميع الآراء لكنها لا ترى حتى الآن القدرة على قيادة البلاد أو تشكيل دولة بالطريقة الصحيحة، معرباً عن أمله في أن تصبح الأمور منظمة أو أن يحدث شيء جديد بحلول نهاية الفترة الانتقاليّة. وأضاف: “نحن ماضون في الأمر، على أمل أن تُنظم الأمور أو يحدث شيء جديد بنهاية الفترة الانتقالية”.
ودعا ناشطون في مدينة السويداء لمظاهرة في ساحة الكرامة الثلاثاء الساعة 11 صباحاً، استنكاراً لتصريحات رئيس الحكومة الإسرائيليّة حول جنوب سوريا.
دولة ديمقراطية علمانيّة لامركزيّة
في تجمع ضم العشرات من أبناء محافظة السويداء الإثنين 24/2/2025 في مطار الكفر الزراعي جنوب مدينة السويداء، أعلن “المجلس العسكريّ” انطلاق عمله في المحافظة، وطرح “مشروع وطنيّ” بالتنسيق مع قوىً سياسيّة وثوريّة.
وقرأ طارق الشوفي، قائد المجلس العسكريّ بياناً أعلن فيه رؤى وتوجهات المجلس، وقال: إنّه “سيقدّم مشروعه الوطنيّ انطلاقاً من قاعدة تنظيم التعاون بين القوى المسلحة في المجتمع المحليّ، التي ساهمت في حماية الأرض والعرض”، مشيراً إلى أن شباب جبل العرب تمكنوا “من عدم الانخراط في المقتلة السوريّة من خلال تغطية امتناع حوالي أربعين ألف شاب عن الالتحاق بالخدمة العسكريّة والاحتياطية”.
وأضاف البيان، بأن المجلس “شكل نواة عسكريّة من كوادر العسكريّين المنشقين والمتقاعدين الذين شاركوا في انتفاضة السويداء منذ انطلاقتها الأولى، ويدعو كل من يرغب من القوى العسكريّة للانخراط في مشروعه الوطنيّ القائم على تحصيل الحق لكل صاحب حق والالتزام بالواجب الوطنيّ”.
وشدد البيان على أنّ “المجلس يعمل بالتنسيق مع القوى السياسية الثوريّة والمجتمع الأهلي والهيئة الروحيّة، ممثلة بسماحة الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحيّ لطائفة الموحدين الدروز، من أجل تحقيق متطلبات حماية المجتمع والأمن الوطنيّ والإقليميّ، وحماية الحدود الجنوبيّة من عصابات التهريب والسلاح والمخدرات، وتسلل المنظمات الإرهابيّة المتطرفة عبرها، من أقصاها في الغرب حتى منطقة التنف في الشرق”.
كما يعمل على خلق البيئة الآمنة لاستقرار السكان وتشجيع الاستثمار وحماية خطوط النقل الداخليّ والخارجيّ، بحسب بيان المجلس. وأكد المجلس على أنّه “سيكون جزءاً من الجيش الوطنيّ للدولة السوريّة الجديدة، دولة الحداثة والمواطنة المتساوية وحقوق الإنسان، الدولة الديمقراطيّة العلمانيّة اللامركزيّة، دولة العدالة والسلام الإقليميّ والدوليّ”.
وينشط المجلس العسكريّ الذي تشكل بعد سقوط نظام الأسد في العديد من قرى ريف السويداء الجنوبي، وقد أعلنت عدة مجموعات محليّة خلال اليومين الماضيين في قرى وبلدات مثل الغارية، وبكا انضمامها إلى المجلس.
مجلس السويداء العسكريّ
وأُسِّس المجلس بداية تحت مسمّى “المجلس العسكريّ المؤقت” بعد يومين من سقوط نظام بشار الأسد، بهدف منع الانفلات وحماية السويداء، معلناً تسلّم مسؤولية حماية المؤسسات الحكومية والعسكريّة بعد هروب عناصر النظام من المحافظة، قبل أن يعيد تشكيله وتغيير شعاره. وفي 16/12/2024 عبّر الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحيّ لطائفة المسلمين الموحدين الدروز، عن رفضه لما سُمّي بـ “المجلس العسكريّ المؤقت”، وهو المجلس ذاته الذي أُعلن عنه اليوم. ووصفهم بـ “الانفصاليين”، مؤكداً عدم تفويضهم بأيّ شكلٍ من الأشكال.
بعد الإعلان عن تأسيسه، شنّت “غرفة العمليات المشتركة” في السويداء هجوماً لاذعاً على المجلس واصفته بأنه “غير شرعي ولا يمثّل إلا أصحابه”. وبادرت حسابات على منصات التواصل الافتراضي، مقربة من “غرفة العمليات”، إلى انتقاد المجلس، ووصفته بأنّه محدود الانتشار ميدانياً ومرفوض من المرجعيات الدينيّة الدرزيّة وعلى رأسهم شيخ عقل الطائفة الدرزيّة حكمت الهجري وأعيان المدينة.
وينشط “المجلس العسكريّ” في بعض مناطق ريف السويداء الجنوبي، وليس لديه امتداد في جميع أرجاء المحافظة. ويقود المجلس “طارق الشوفي”، وهو ضابط منشق عمل مع تجمعات سياسيّة تطالب بنظام حكم لا مركزيّ في سوريا. ولم يحدد المجلس حتى الآن رؤيته فيما يتعلق بالسلطة القائمة في دمشق، لكن في إعلاناته المقتضبة، يتحدث عن بناء “دولة ديمقراطيّة علمانيّة لا مركزيّة”.
ونقلت صحيفة النهار عن مصدر في السويداء في 23/2/2025 نفي صحّة هذه الأنباء، وقال: إنّ “الشيخ الهجريّ يبارك أيّ خطوة تنظّم الوضع في الجبل وتمنع تفلت السلاح وتنظّم العمل العسكريّ وتهدف إلى الحفاظ على أمن المحافظة”. وتابع المصدر: “هدف المجلس حماية السويداء بكل مكوّناتها، وتجربتنا مع هيئة تحرير الشام بالنسبة الى القرى الدرزيّة والأقليات الأخرى في إدلب مريرة لناحية تعرّضهم للمجازر والتهجير، لذلك فإنَّ أيَّ اندماجٍ مع الجيش الجديد في حاجة إلى إعادة بناء الثقة المتهالكة بين الجانبين”. وتنقل النهار عن مصدر مواكب لتأسيس المجلس العسكريّ في السويداء “عدم وجود أيّ رابطٍ بين تأسيس المجلس وتصريحات نتنياهو، ولا اتّصالات مع إسرائيل”.
وردّاً على سؤال بشأن العلاقة مع باقي الفصائل العسكريّة في الجغرافيا السوريّة، يقول المصدر: إنّ “هناك تنسيقاً مع قسد باعتبارها مكوّناً سورياً لا يجوز إقصاؤه. أما اللواء الثامن وهيئة تحرير الشام فلا يوجد تواصل معهما حتى الساعة”.
وقال المصدر المقرب من قيادة “المجلس العسكريّ في السويداء”، إنّ “الخطوة تهدف إلى تنظيم الفصائل المسلّحة في المحافظة ضمن إطار جامع بقيادة تراتبيّة عسكريّة منظمة ومنضبطة لمنع السلاح المتفلّت”. وأضاف المصدر، الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه، أنّه “عند إنشاء دولة مدنيّة سينضم المجلس إليها ويبقى السلاح ضمن السويداء”. وأعلنت مجموعة محليّة في بلدة الغارية جنوب المحافظة، انضمامها إلى التشكيل الجديد.
وفيما توجه ممثلون عن فصيلين من 15 فصيلاً عسكريّاً نشطاً في السويداء إلى دمشق الأحد للاجتماع مع وزير الدفاع في سلطة دمشق “مرهف أبو قصرة” بحسب شبكة “السويداء 24” المحليّة، لاستكمال سلسلة اجتماعات سابقة، بهدف تنظيم انضمام الفصائل المسلحة في السويداء إلى الجيش السوريّ الجديد، في ظل مساعٍ لتأسيس فرقة عسكريّة في محافظة السويداء، يكون قوامها من أبناء المحافظة والمنطقة الجنوبية في سوريا. أعلنت مجموعة محليّة مسلحة يرتدون الزي العسكريّ أمام المركز الخدميّ في بلدة الغارية بريف السويداء والقريبة من الحدود الأردنيّة، انضمامها إلى المجلس العسكريّ”، وتلا أحد أفراد المجموعة بياناً مقتضباً أعلن فيه انضمام المجموعة إلى “المجلس العسكريّ في السويداء”، مؤكداً: “نحن جاهزون لتنفيذ أي مهمة لحماية أرضنا وعِرضنا من أي خطر”.
وخلال الأيام والأسابيع الماضية، عُقدت سلسلة اجتماعات في السويداء بين ممثلي الفصائل مع مسؤولين في وزارة الدفاع، من بينهم المسؤول العسكريّ الذي عينته الوزارة، العقيد “بنيان الحريري” من أبناء محافظة درعا.
التطوّر الجديد زاد تعقيد المشهد جنوبي سوريا، ومن شأنه زيادة صعوبة سلطات دمشق في توحيد المجموعات المسلّحة ضمن وازرة الدفاع، ليبقى الجيش المزمع إنشاؤه مقتصراً حتى اليوم على الكيانات المتحالفة مع “هيئة تحرير الشام” في إدلب وحماة قبل وصولها إلى دمشق، إضافة إلى انضمام “شكلي لمجموعات مرتزقة ما يسمّى “الجيش الوطنيّ” الموالي لأنقرة والتي اقتصر انضمامها على مجرد الإعلان دون أيّة خطوات تنظيميّة، ولا أيّ تغيير في مناطق انتشارها في المناطق التي تحتلها تركيا. وليتضح أنّ الإرادة التركيّة حاضرة وتمنع حلّ هذه المجموعات لتواصل حرب الوكالة في سوريا.
اعتصام حتى سقوط النظام
وشهدت محافظة السويداء محطات من الاحتجاجات المعارضة للنظام خلال عامي 2014 و2015. وزادت وتيرة الاحتجاج بعد حادث اغتيال وحيد البلعوس أبو فهد في 4/9/2015، في حادث انفجار استهدف سيارته في منطقة عين المرج في الطريق من ظهر الجبل إلى السويداء وبرفقته شخصيات درزيّة. وكان البلعوس أحد مشايخ الدروز ومؤسس “حركة رجال الكرامة”. وكان عارض تجنيد أبناء الطائفة الدرزيّة ومشاركتهم في الحربِ الأهليّة السوريّة، وتم توجيه الاتهام إلى سلطات النظام بالوقوف وراء الاغتيال. واندلعت الاحتجاجات أيضاً في عامي 2020 و2020.
وتجددت الاحتجاجات في مدينة السويداء في 17/8/2023، على خلفيّة ارتفاع معدل التضخم وتدهور الوضع المعيشيّ وازدادت التظاهرات بوتيرة متسارعة، لتشملَ كامل شرائح المجتمع ومكوناته، من الطلاب والموظفين والجامعيين، وسط إصرار حتى تحقيق المطالب، إذ أصبح الشارع جزءاً من حياة الناس في السويداء”. واكتسب الحراك زخماً كبيراً مع إعلان مشايخ عقل الطائفة الدرزيّة الثلاثة تأييدهم للمحتجين وهم حكمت الهجري ويوسف الجربوع وحمود الحناوي.
وحاول النظام البائد تشويه الانتفاضة الشعبيّة عبر وسائل الإعلام ووصف المحتجين بمجموعة “خارجة عن القانون”، وبعص برسائل مبطنة تضمنت التهديد والوعيد للحدّ من وقع الاحتجاجات الشعبيّة، مباشرةً عبر أبواقه الإعلاميّة أو من خلال التواصل شخصيات في المحافظة. وتركّزت مطالب المحتجين حول عدة نقاط:
رحيل نظام الأسد عن السلطة.
تطبيق قرار الأمم المتحدة 2254 الذي ينص على الانتقال السياسيّ السلميّ للسلطة.
الإفراج عن المعتقلين من السجون والمختفين قسرياً.
تحقيق العيش الكريم للسوريين.
بناء دولة القانون والمواطنة بعيداً عن التسلط والقمع الأمنيّ السلطويّ.
بعد سقوط النظام سعت المحافظة للنأي عن السجالات والمناكفات، ولم تتجاوز المطالبُ الشعبيّةُ السقفَ الوطنيّ، مع التأكيد على الخصوصيّةِ العقائديّةِ للمحافظة ورفضِ الإقصاء، وفي 17/2/2025 توجه الشيخ حكمت الهجريّ بكلمةٍ إلى أهالي السويداء نشرت على الصفحة الرسميّة للرئاسة الروحيّة جاء فيها “الشعب لا يريد تكرار المعاناة كالولاء مقابل الغذاء، فالولاء لله وللوطن، ومصلحة الأهل والوطن هي الاساس، ولا تخوين، ولا فتنة، ولا تجيير للكلام بغير مضمونه، ولا ترحيل مسؤوليات، فالإرادة الشعبية هي الأساس” وأضاف: “الشعب لن يقبل بالخروج من سطوة أمنيّة وتسلط وفساد، إلى ما يشبه ذلك من نهج آخر بأسماء ومصطلحات جديدة”، وأكّد على المبادئ الأساسيّة المعلنة.. وحدة سوريا أرضاً وشعباً.. ولا انفصال، ولا انتماء لغير الوطن والأهل. وبعد سقوط النظام البائد في الثامن من كانون الأول 2024، رفضت فصائل السويداء ودرعا، حل نفسها، وأكدت بأنها ستكون جزءاً من الجيش الوطنيّ للدولة السوريّة الجديدة. ومنعت فصائل مسلّحة في السويداء رتلاً عسكريّاً تابعاً لـ”هيئة تحرير الشام” من دخول المحافظة في 1/1/2025وطلبت منه العودة بعد وصوله إلى أحد الحواجز التابعة للفصائل المحليّة في المحافظة. وعلق الشيخ الهجري على حادثة إعادة رتل تابع للأمن العام كان بسبب عدم التنسيق. وقال في تصريح إعلاميّ: “من المبكر جداً الحديث عن تسليم السلاح”. وأضاف: “هذا الأمر مرفوض نهائيّاً لحين تشكيل الدولة وكتابة الدستور الذي يضمن حقوقنا”.
ويقول أبناء المحافظة أنّ لديهم جمعيات نقابيّة ومهنيّة تعمل من أجل تقديم الخدمات للأهالي، علاوة على وجود فصائل مسلّحة تضبط الأمور الأمن في المحافظة وكانوا قد طالبوا بتعيين السيدة محسنة المحيثاوي في منصب (المحافظ)، إلا أنّ سلطاتِ دمشق رفضت.
المشهد الذي تروّج له أطراف سوريّة ومن ورائهم دولة الاحتلال التركيّ، ينطوي على اجتزاءِ للحقيقةِ، ومفادها أنّ قوات سوريا الديمقراطية وحدها خارج معادلة إنشاء الجيش السوريّ، رغم أنّ ملف جنوب سوريا لم يحسم وهناك فصائل درعا المعروفة بـ”قوّات العودة” أو “اللواء الثامن” والتشكيلات العسكريّة في السويداء، إضافة إلى فصيل “جيش سوريا الحرة” (جيش مغاوير الثورة).