رامان أزاد
يبدو واضحاً أنّ الحربَ الروسيّةَ الأوكرانيّةَ تأخذ منحىً مغايراً بعد تولي دونالد ترامب الرئاسةَ الأمريكيّة، وأنّ المساعي الأمريكيّة تتجه إلى إيجاد نهاية وشيكة للحرب، تشتمل على مقاربةٍ جديدةٍ للعلاقةِ مع موسكو وعقد صفقةٍ مع كييف، وبذلك تتطلع واشنطن إلى جني مكاسب من طرفي الصراع، لتؤكد مجدداً أنّ الرئيسَ الأمريكيّ ترامب سياسيّ بعقليّةِ المقاول الذي لا يقبلُ الخسارةَ، وهذا التوجه أثار هواجسَ الدولِ الأوروبيّةِ، وتفكر بزيادة إنفاقها العسكريّ.
واشنطن ترفض إدانة موسكو
في متغيّرٍ نوعيّ رفضتِ الولايات المتحدة الأمريكيّة، الخميس20/2/2025، التصويت لصالح مشروع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين تصرفات روسيا ويؤكد التزامها “بسيادة أوكرانيا واستقلالها وسلامة أراضيها داخل حدودها المعترف بها دوليا”. ونقلت “رويترز” عن ثلاثة مصادر دبلوماسيّة قولها، إنَّ الولايات المتحدة ترفضُ المشاركة في تبنّي مشروعِ قرارٍ في الأمم المتحدة بمناسبة مرور ثلاث سنوات على اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا. ويُنظر إلى التصويت باعتباره مؤشراً مهماً على الدعم العالميّ لأوكرانيا في مواجهة التحولِ الواضح من جانب إدارة ترامب إلى دعم موقف روسيا في الحربِ.
ويعكسُ الموقف الأمريكيّ الجديد متغيّراً كبيراً من جانب أحد أكبر داعمي كييف بعد ثلاثِ سنواتِ من الدعمِ العسكريّ، وتبنت خلالها واشنطن قراراتِ الأممِ المتحدة تقريباً الداعمة لأوكرانيا ضد روسيا. ويعتقد ترامب، أنَّ تورط الولايات المتحدة في الحرب لا يخدم مصالح أمريكا. وفي تحولٍ جذريّ في السياسة الخارجيّة الأمريكيّة السابقة، اختار ترامب التفاوض مباشرة مع روسيا لضمان نهايةٍ سريعةٍ للصراعِ. واتسمت التصريحات الأمريكيّة إزاء موسكو بالإيجابيّة، وعقدت لقاء بين وزيري الخارجيّة في الرياض تمهيداً لاجتماع الرئيسين في الرياض أيضاً.
والإثنين 12/2/2025 أجرى الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، محادثة هاتفية مع نظيره الأمريكيّ دونالد ترامب. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف: إنّ الحديث تناول عدداً من المواضيع، بما في ذلك تبادل المواطنين الروس والأمريكيّين، وتسوية الصراع الأوكرانيّ، والوضع في الشرق الأوسط.
الخميس، أعرب ترامب عن “خيبة أمله” من تصريحات زيلينسكي، التي انتقد فيها استبعاده من المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، حسبما نقلت صحيفة “الغارديان” البريطانيّة. وفي موقفٍ مثيرٍ للجدل، بدا ترامب، وكأنّه يحمل أوكرانيا مسؤوليّة الحرب، وأشار إلى أنّ كييف كان بإمكانها “إبرام صفقة” لتجنب اندلاع الحرب، مؤكدًا أنّه كان من الممكن التوصل إلى تسويةٍ منذ سنوات “دون خسارة الكثير من الأراضي”، وهو ما دفع زيلينسكي إلى وصف الرئيس الأمريكيّ بأنّه “يعيش في عالم من التضليل” الذي تسيطر عليه موسكو.
وذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانيّة، الخميس، نقلاً عن خمسة مسؤولين أوروبيين، أنّ الولايات المتحدة تُعارض استخدام عبارة “العدوان الروسيّ” في بيان لمجموعة السبع، في الذكرى الثالثة لاندلاع الحرب الروسيّة الأوكرانيّة.
والأربعاء، قال الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، إنّ الرئيس الأوكرانيّ فلاديمير زيلينسكي “ديكتاتور من دون انتخابات”، داعيه للتنحي وإلا “لن يبقى له بلد”. وأضاف ترامب، “أحب أوكرانيا لكن زيلنسكي قام بعمل فظيع، لقد أقنع أمريكا بإنفاق 350 مليار دولار للدخول في حرب خاسرة”. وادعى أن شعبية زيلينسكي منخفضة بين الناخبين الأوكرانيين.
خرج وزير الخارجية الأمريكيّ، ماركو روبيو، الثلاثاء 18/2/2025، بعد محادثات مع وزير الخارجية الروسيّ سيرغي لافروف في الرياض، ليعلن أنّه تم الاتفاق على الخطوات الأولى نحو بدء المفاوضات، مع تشكيل فرق من الجانبين.
ووفقاً لجملة المعطيات تشعر أوكرانيا بالقلق من احتمال استمرار المحادثات بين روسيا والولايات المتحدة دون مشاركة مباشرة من كييف.
معادن أوكرانيا النادرة
قدمت الولايات المتحدة عشرات المليارات من الدولارات مساعدات عسكريّة لأوكرانيا منذ حرب أوكرانيا في شباط 2025، وتسعى إدارة ترامب إلى عقدِ اتفاق مع أوكرانيا يمنحُ الولاياتِ المتحدة امتيازات معدنيّة بقيمة 500 مليار دولار مقابل المساعدات التي قدمتها واشنطن. ويحرص ترامب على أن يعلنَ للشعب الأمريكيّ بأنّه استردَّ قيمة المساعدات. إلا أنّه لم يتضح بعد إلى أيّ مدى تمّت صياغة الاقتراح الأمريكيّ الأصليّ كتعويض عن شحناتٍ الأسلحة السابقة أو عن الدفعات المستقبلية.
بعد أسبوع من وصوله إلى البيت الأبيض قال ترامب: إنّه “يريد من أوكرانيا أن تزوّد الولايات المتحدة بمعادن أرضيّة نادرة كوسيلة للدفع مقابل الدعم المالي لجهود الحرب ضد روسيا.. أوكرانيا مستعدة لذلك، وأنا أريد تسوية مقابل ما يقرب من 300 مليار دولار من الدعم المقدم من واشنطن”.
والثلاثاء 11/2/2025، جدد ترامب الضغط على أوكرانيا، موضحاً أنّه لا يستبعد أن تصبح “روسيا” يوماً ما. وقال في مقابلة مع فوكس نيوز: “أخبرت كييف أنني أريد ما قيمته 500 مليار دولار من المعادن النادرة.. المسئولون الأوكرانيّون يمتلكون أرضاً ذات قيمة هائلة من المعادن النادرة، والنفط والغاز، ومن أمور أخرى”. والخميس 20/2/2025 قال ترامب: “إنّ الولايات المتحدة أنفقت على دعم أوكرانيا أموالاً تزيد بمقدار 200 مليار دولار عما قدمته أوروبا”. وشدد على أنّ “أوروبا تقدم المال بموجب ضمانات، وستحصل على الأموال مرة أخرى. الحديث يجري عن شكل من أشكال القروض. أما الولايات المتحدة فتقدم الأموال فقط دون الحصول على أي شيء في المقابل”.
في 16/2/2025، نصح مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز، في مقابلة مع قناة فوكس نيوز، زيلينسكي بقوة بتغيير رأيه وتوقيع اتفاقية مع الولايات المتحدة بشأن المعادن، لأن الأمريكيين يستحقون التعويض عن “المليارات المستثمرة في الحرب”. أكد والتز في 21/2/2025 أنّ أوكرانيا ستوقع “في الأمد القريب جدًا” اتفاقًا مع واشنطن بشأن معادنها النادرة، وقال في كلمة خلال “مؤتمر العمل السياسيّ المحافظ” (سيباك): “ترامب سينهي الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط.. ووقف النار في غزة حدث بفضل ترامب”. وأضاف: “نؤسس مبدأ السلام عبر القوة.. وعلى الأوروبيين تحمل مسؤولية تعزيز دفاعاتهم”، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ترى أن ممارسات القادة الأوروبيين، الذين يعارضون عمليًا التوصل إلى تسوية سلمية للصراع الأوكرانيّ، لا معنى لها.
وحسب والتز، فإن “هذه الحرب ستنتهي في عهد ترامب، وستنتهي قريبًا”. كما شدد البيت الأبيض على أن أوكرانيا ستوقع “في الأمد القريب جدًا” اتفاقًا مع واشنطن بشأن معادنها النادرة، على الرغم من أن الرئيس فلاديمير زيلينسكي أعلن رفضه لأنه لا يتطرق لضمانات أمنية تطلبها كييف في مواجهة الهجوم الروسيّ. وأكد والتز في كلمته أنه: “سيوقع الرئيس زيلينسكي هذا الاتفاق، وسترون ذلك في الأمد القريب جدًا، وهذا أمر جيد لأوكرانيا”.
قال الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي الأربعاء 19/2/2025 إنَّ العرض الأمريكيّ بشأن المعادن النادرة في بلاده يفتقر إلى ضمانات أمنيّة، ولن يكون منصفاً لكييف. وأوضح في تصريح صحفيّ خلال زيارته لأنقرة تعليقاً على العرض الأمريكيّ:” إذا كنا سنعطي شيئاً فيجب أن نحصل على شيء في المقابل”. وتابع أن بلاده لا تريد أن تكون مركزاً للمواد الخام لأي قارة، وأن الأمر لا يتعلق بالصداقة أو الشراكات، لكنَّه شدد على أنه لا يريد انقطاع دعم الولايات المتحدة، بل يود من الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب الوقوف بشكل أكبر إلى جانب أوكرانيا.
وتمتلك أوكرانيا ثاني أكبر احتياطي من الغاز بعد روسيا، كما تمتلك احتياطيات ضخمة من المعادن والعناصر النادرة مثل البريليوم، والزئبق، والليثيوم، واليورانيوم، وكذلك التيتانيوم، والزركونيوم، والهافنيوم، والتنتالوم، والنيوبيوم، والكوبالت، والتنجستن، والموليبدينوم، والفاناديوم، والإتريوم، والجرمانيوم، والسكانديوم. وتشير التقديرات إلى وجود معادن بقيمة عشرة تريليونات دولار في أوكرانيا.
هواجس أوروبا
أدّت سياسة الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب إلى تحوّلٍ جيوسياسيّ كبير من خلال تقاربه المتزايد مع روسيا، ما يؤكد صوابيّة مواقف الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون المتكررة والداعية إلى تعزيز القدرات العسكريّة الأوروبيّة المتكاملة والمستقلة، واحتلت صدارة المبادرة إلى إحداث تحول جوهريّ في النظرة الأمنيّة لأوروبا. وحسب مجلة “نيوزويك” الأمريكيّة، تقوم هذه النظرة على زيادةِ الإنفاقِ الدفاعيّ بشكلٍ كبير وتعزيز الاستقلاليّة عن الولايات المتحدة.
وتتسارع وتيرة المناقشات داخل الاتحاد الأوروبيّ بشأن سبل زيادة الإنفاق الدفاعيّ، إذ أصبحت خيارات صناديق التمويل المشتركة أكثر واقعيّة، وطُرحت المسألة بشكل غير رسمي، خلال الاجتماع الذي استضافه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في باريس، الاثنين 17/2/2025، بحضور قادة أوروبيين، بينهم رئيس الوزراء البريطانيّ كير ستارمر، والمستشار الألمانيّ أولاف شولتز، ورئيسة الوزراء الإيطاليّة جورجيا ميلوني. وأبرز الاجتماع اختلافات في وجهات النظر.
يسعى حلفاء كييف الأوروبيون للتحرك في مواجهة خطوة الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب فتح خطوط اتصال مباشرة مع روسيا، إذ لطالما انتقد ترامب سياسة سلفه جو بايدن باتباع سياسة مكلفة إزاء الحرب في أوكرانيا. التي بدأت في شباط 2022. ولكن التحرك الأوروبيّ مشكوك بنجاحه بسبب التعقيدات البيروقراطيّة في الاتحاد الأوروبيّ والانقسام فيه، المعروف بتعقيداته البيروقراطية وانقساماته السياسيّة، وسيكون للفشل عواقب وخيمة على مستقبل دول أوروبا وثقلها الدوليّ كقطبٍ دوليّ وازنٍ.
والأربعاء وافق سفراء دول الاتحاد الأوروبيّ الـ27، على حزمةِ عقوباتٍ جديدة ضد روسيا هي السادسة عشرة، تتضمن حظر واردات الألمنيوم الروسيّ، وتدابير جديدة للحد من صادراتِ النفط الروسيّة، وتقييد إضافيّ على ما يُعرف بـ”أسطول الظل”، كما تطال العقوباتُ الأوروبيّة الجديدة قطاع الألمنيوم الروسيّ. وسيقوم الاتحاد الأوروبيّ بفصل 13 مصرفاً روسيّاً إضافيّاً عن نظام “سويفت” الدوليّ للتحويلاتِ الماليّة، وإضافة ثماني وسائل إعلام روسيّة إلى قائمةِ الوسائل المحظور بثها في أوروبا. ومن المقرر أن يعتمد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبيّ، العقوبات رسميّاً الإثنين المقبل، الذي يوافق الذكرى الثالثة لبدء الحربِ في أوكرانيا عام 2022.
وحسب تقارير صحفيّة بريطانيّة، تعمل لندن وباريس على إعداد مقترح لإرسال قوةٍ قوامها 30 ألف جندي في إطار أيّ اتفاق سلامٍ محتمل، لكن بشرط أن توفر واشنطن لها غطاءً جويّاً انطلاقاً من دولة مجاورة. وكانت واشنطن قد استبعدت سابقاً إرسال أيّ من قواتها إلى أوكرانيا، مشددة على دور أوروبا بتحمل العبء الأكبر لضمان تنفيذ أيّ اتفاق سلام يتم التوصل إليه مع موسكو.
وفي 14/2/2025، حذّر حلف شمال الأطلسيّ (الناتو) من منح الرئيس الأمريكيّ ترامب نظيره الروسيّ بوتين “ما يريد”. وكان قد قال مسؤولون عسكريّون في “الناتو”؛ إن سياسة الرئيس ترامب مع بوتين تهدد بإضعاف الحلف وتقوض الحماية الأمريكيّة لدول في قارة أوروبا. وفقاً لما نقلته صحيفة “آن بيبر” البريطانية. وأعرب المسؤولون عن قلقهم من أن تكون الدولُ الأوروبيّة غير مستعدةٍ حالياً لتولي مسؤوليّة الدفاع عن نفسها. وأشاروا إلى أنَّ الاعتماد المفرط على الحماية الأمريكيّة خلال العقود الماضية أدّى إلى تقليص الإنفاق العسكريّ في معظم الدولِ الأوروبيّة.
كييف تطلب ضمانات
تشدد كييف على ضرورة أن يقترن أي اتفاق مع روسيا بضمانات أمنية تحول دون تعرضها لهجوم مستقبلي من موسكو. وانتقد الرئيس الأوكرانيّ زيلينسكي عدم مشاركة بلاده في المفاوضات الجارية بين روسيا والولايات المتحدة بشأن الحرب، وقال: “إنّ الحرب تجري داخل أوكرانيا وليس الولايات المتحدة وأوروبا، وإن غياب كييف عن المفاوضات يثير تساؤلاتنا”. وتابع: “عندما يقولون (هذه خططنا لإنهاء الحرب) فذلك يثير تساؤلاتنا. أين نحن؟ أين نحن من طاولة المفاوضات هذه؟ فتلك الحرب تدور رحاها داخل أوكرانيا”. وشدد على أنّ أوكرانيا تريد سلاماً عادلاً ومستداماً، لكنه ذكر أنَّ وقف إطلاق النار سيكون خطوة مهمة نحو إنهاء الحرب، مؤكداً على ضرورة التحرك إلى الأمام “مع الدول التي يمكن أن تعطينا حقاً ضمانات أمنيّة”.
وقال الموفد الأمريكيّ إلى أوكرانيا، كيث كيلوغ، الأربعاء 19/2/2025، إنّه يتفهّم حاجة كييف إلى “ضمانات أمنية”، وذلك خلال أول زيارة له إلى كييف منذ تولّي منصبه. وقال كيلوغ: “نتفهم الحاجة إلى ضمانات أمنيّة. نحن واضحون للغاية بشأن أهمية ذلك في إطار سيادة هذه الأمة”.
الخميس 20/2/2025، قال مارك روته، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، خلال زيارة لسلوفاكيا، إنّ “الضمانات الأمنيّة القوية، في حال وفّرتها دول أوروبيّة، تحتاج إلى دعمٍ من الولايات المتحدة، ليس عبر قوات على الأرض، لكننا نحتاج عموماً إلى دعم من الولايات المتحدة للتأكد من أنّ الردع قائم”.