بدرخان نوري
الثامن من كانون الأول 2024 تاريخ سقوط النظام السوريّ، وليس سوريا الدولة والشعب، وبذلك فإنّ أهم التحديات أمام السوريين والسلطاتِ الحالية العملُ على ترميمِ سوريا، وتعزيزُ سلطة القانون وليس سلطة النظام السياسيّ الفئويّ، وفيما يبرز دورُ الإدارة الذاتيّة وقوات سوريا الديمقراطيّة المسؤولين إزاء المتغيرات بخطابهما السياسيّ الجامع، ومبادراتها لحلّ الأزمة السوريّة وحرصِها على وحدة سوريا وكيانها السياديّ، فإنّ المطلوب من سلطاتِ دمشق الردّ بالسويةِ الوطنيّة نفسها من غير إقصاء أو تهميش أو خضوع لإرادة خارجيّة.
موقف متقدم لقسد
في خطوةٍ متقدمةٍ ومبادرةٍ تقطع الطريق على المساعي الهادفةِ لإفشالِ الحوارِ بين قوات سوريا الديمقراطيّة وإدارة دمشق، هنأ القائد العام لقوات سوريا الديمقراطيّة، مظلوم عبدي، رئيس المرحلة الانتقاليّة في سوريا، أبو محمد الجولاني، بتوليه رئاسة البلاد، وكشف جهود مشتركة للوصول لحلول تحقق المصلحة الوطنيّة. وجاء ذلك في لقاء أجرته وكالة نورث برس مع مظلوم عبدي، حيث كشف دعم قواته “لأيّ جهود تصب في تحقيق الاستقرار والوحدة الوطنيّة”.
وحول مصير المفاوضات بين الجانبين، قال عبدي: “الجهود لتحضير أرضيّة مناسبة للتفاوض مع الحكومةِ السوريّة في دمشق لا تزال مستمرة”، مشدداً على أنَّ الحوار الجاد والهادف هو السبيل الأمثل للوصول إلى حلول تحقق المصلحة الوطنيّة العليا.
وتعليقاً على زيارة رئيس سلطة دمشق، عفرين، قال القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي: “كانت مبادرة هامة لتشجيع العودة الآمنة للسكان الأصليين وتعزيز الحوار”، كما دعاه لزيارة مدن شمال وشرق سوريا. وأوضح عبدي أنّ هناك نقاط اتفاق مع دمشق، فيما لا تزال قضايا أخرى قيد النقاش، لكنه شدد على التزام قواته بوحدة سوريا على أساس العدالة والمساواة بين السوريين، بعيداً عن التمييز أو المحاصصة.
وأوضح القائد العام لقوات سوريا الديمقراطيّة: إنّهم منفتحون على التعاون إيماناً بأنّ حماية المنطقة ومحاربة الإرهاب مسؤوليّة وطنيّة تتطلب تنسيقاً عالي المستوى بين الأطراف لضمان أمن واستقرار سوريا. كما أكد الانفتاح على الحل الوطنيّ الذي يجمع عليه السوريون، كما أنّهم يعملون على زيارة دمشق مرة أخرى لمناقشة خطة عمل واضحة لتطبيق ما يتم مناقشته.
وكان رئيس سلطة دمشق الجولاني قد ذكر في وقت سابق، عن خلافات مع “قسد” حول بعض الجزئيات، وتعليقاً عليها. فيما كشف عبدي طلب دمشق إخراج المقاتلين غير السوريين من صفوفهم وتسليم الملف الأمنيّ بما يشمل تسليم السجناء من “داعش” الإرهابيّ ليكونوا تحت مسؤولية سلطة دمشق وعودة مؤسسات الحكومة السوريّة للعمل في شمال وشرق سوريا.
زيارات الجولاني
زار رئيس سلطة دمشق السبت، محافظتي حلب وإدلب، في أول جولة له بالبلاد، منذ سقوط النظام السوريّ، وذلك بالتزامن مع انطلاق أولى اللقاءات في إطار التحضير للمؤتمر الوطنيّ.
فيما تعدُّ زيارة الجولاني إلى عفرين، أنّها جاءت في إطار إعادة رسم التوازنات في المنطقة التي تسيطر عليها مجموعات مرتزقة الاحتلال التركيّ، فيما تقوم حكومة دمشق بإجراءات تدريجيّة للوصول إليها وإدارتها. وفي هذا الإطار توجه وفد إداريّ من محافظة حلب في 8/1/2025 إلى عفرين لاستلام إدارة المجالس المحليّة في المنطقة. إلا أنّ الوالي التركيّ رفض وأبلغ الوفد أنّ هذا الموضوع سيناقش مع سلطة دمشق الجديدة لاحقاً، وستبقى إدارة منطقة عفرين تحت الإشراف المباشر لتركيا. وفي 6/2/2025 وصل رتل من قوات الأمن العام إلى عفرين إلا أنّه غادر المنطقة لاحقاً.
بالمجمل يُنظر إلى زيارة الجولاني إلى عفرين بصورة إيجابيّة وفق المعطيات الحالية، فهي في الحد الأدنى تؤكد الهوية السوريّة للمنطقة المحتلة. وبخاصةٍ أنّ الجولاني على اطلاع عام بالانتهاكات التي اُرتكبت في المنطقة طيلة سنوات وجوده في محافظة إدلب القريبة، وقد لجأ إليه أهالي عفرين يوم ارتكاب مجزرة بحق عائلة بيشمرك في مدينة جندريسه عشية عيد نوروز 2023، والمطلوب اليوم أن تواصل حكومة دمشق إجراءات إنهاء وجود عشرات المجموعات في عفرين وإتمام انضمامها إلى الجيش السوريّ تنظيميّاً وتبييض عشرات السجون في عفرين.
كما زار الجولاني محافظتي اللاذقية وطرطوس، وتناولت صحيفة الغارديان، في تقرير الأحد، ما وصفته بالمخاوف المستمرة للعلويين في بعض المدن السورية، من حملات انتقام، منذ سقوط النظام السوريّ، وعن حمص، قال تقرير الصحيفة: إن التوتر بات يسود العلاقات بين المجتمعين العلويّ والسنيّ، في المدينة التي كانت مركزا للاحتجاجات ضد نظام الأسد. وذكر أنّ العلويين يخشون مداهمة أمنيّة متكررة ينفذها مسلحون تابعون للحكومة الجديدة.
وبالتزامن مع زيارة رئيس سلطة دمشق الجولاني، محافظة اللاذقية الأحد كشفت منظمات حقوقيّة سوريّة أنّ العشرات أصيبوا، واعتقل 20 آخرون في منطقة صلنفة بريف اللاذقية.
لجنة اللون الواحد
وفي 12/2/2025 شكّل رئيس سلطة دمشق أعضاء اللجنة التحضيريّة لـمؤتمر الحوار الوطنيّ المزمع عقده في دمشق قريباً، ووفق قرار التشكيل ستقرُّ اللجنة المحدثة نظامها الداخلي وتضع معايير عملها بما يضمن نجاح الحوار الوطنيّ، على أن ينتهي عملها بمجرد صدور البيان الختاميّ للمؤتمر المرتقب. وضمت اللجنة خمسة رجال وامرأتين ويمثل أعضاؤها توجهاً سياسيّاً ولوناً طائفيّاً معيناً، وبعضهم شغل مواقع مهمة في هيئة تحرير الشام، فيما يُراد بوجود امرأتين الإيحاء بالتعدديّة. وأعضاء اللجنة هم:
ــ حسن الدغيم: ينحدر من ريف إدلب وكان مدير التوجيه المعنويّ فيما سُمّي “الجيش الوطنيّ”.
ــ ماهر علوش: ينحدر من دمشق، هو سجين سابق في صيدنايا، وأحد منظري التيار الإسلاميّ.
ــ محمد مستت: ينحدر من حلب وكان مدير للرعاية الصحية الأوليّة في وزارة الصحة في حكومة الانقاذ بإدلب.
ــ مصطفى الموسى: من بلدة الحمامة بمنطقة جسر الشغور بريف إدلب وكان رئيس “مجلس الشورى العام” التابع لحكومة الإنقاذ بإدلب.
ــ يوسف سعيد عبود الهجر (أبو البراء شحيل) من دير الزور. شغل منصب مدير المكتب السياسيّ في “هيئة تحرير الشام” منذ عام 2018، وهو مقرب من الجولاني ومرشح لتولي منصب كبيرٍ.
ــ هند عبود قبوات: مسيحيّة من أهالي دمشق، وعضوة سابقة في هيئة التفاوض المعارضة وتعمل رئيسة منظمة “تستقل” النسوية المتخصصة في التعليم وبناء السلام.
ــ هدى أتاسي: من حمص منصب المديرة الإقليمية لهيئة الإغاثة الإنسانية الدولية، كما تولت رئاسة اتحاد منظمات المجتمع المدني السوري.
وتعرضتِ اللجنةُ التحضيريّة لمؤتمرِ الحوارِ لكثير من لانتقادات بعد إعلان أسماء أعضائها، وأشارتِ الانتقادات إلى أنّها لا تمثلُ الشعوب السوريّة، خلافاً لما أعلنه وزير الخارجيّة السوريّ أسعد الشيباني في 7/1/2025، بأنّ حكومته تتريثت في عقد الحوار الوطنيّ الذي سبق أن أعلنت عنه حرصاً منها على تشكيل لجنة تحضيريّة موسّعة تستوعب شرائح ومناطق البلاد.
قالت الإدارة الذاتيّة في شمال وشرق سوريا، السبت 15/2/2025، في بيان، إنَّ اللجنة التحضيريّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سوريا لا تمثل شعوب البلاد ولا يمكن إجراء أي حوار وطنيّ في ظل الإقصاء والتهميش المتَّبع من قبلها بهذا الشكل في إشارة إلى استبعاد قوات سوريا الديمقراطيّة والإدارة الذاتيّة في شمال وشرق سوريا من الحوار الوطنيّ المزمع عقده قريباً في العاصمة دمشق.
وأشار بيان الإدارة الذاتيّة إلى أن الإعلان عن اللجنة التحضيرية للحوار الوطنيّ في سوريا يدل على معايير الحصر، وأن هذا التوجه الخاطئ ينم عن سوء التقدير للواقع والمشهد السوري الحقيقي برمته، كما أنه يعكس قصوراً واضحاً في عملية التحول الديمقراطيّ لسوريا الجديدة ويهدد بإعادة الأمور نحو النظام المركزي القديم، وهذا ما لا نأمله ولا نفضله في شمال وشرق سوريا، وفق البيان.
حوارات مختزلة
أجرت اللجنة التحضيريّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ أول اجتماعاتها في محافظة حمص الأحد 16/2/2025، ويوم الإثنين عقد اجتماعان صباحاً في طرطوس، وبعد الظهر في اللاذقية. وكتبت نغم سلمان إحدى المشاركات في اجتماع طرطوس، منشوراً على صفحتها على موقع فيسبوك ذكرت فيه: أنّها تلقت الدعوة صباح اليوم نفسه التاسعة، فيما موعد الجلسة كانت محدداً في الساعة العاشرة، وانتقد عدم وجود آلية تنظيميّة لإرسال الدعوات، وأنّ الدعوات ليست اسميّة، ولا تُعرف صفة من يرسلها. ولم يكن هناك برنامج لمضمون الاجتماع ومحاوره، وتم توزيع الأجندة خلال عقد الجلسة.
وأشارت إلى أنّ زميلة حضرت الجلسة كانت قد تلقت الدعوة هاتفيّاً الساعة ١١ ليلاً من عضو بالإدارةِ السياسيّة بالمحافظة، وتلقت زميلة أخرى الدعوة من طرفٍ ثانٍ خارج سوريا ولكن مساء! ولم تكن هناك محاور أو أجندة في دعوات طرطوس. فيما تضمن اجتماع اللاذقية محاور وأجندة من ستة مواضيع واستغرق ساعتين فقط.
عضوة اللجنة التحضيريّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ هدى الأتاسي أوضحت في مقابلة، أنّ الدعوات للجلسات متروكة للمحافظ والإدارة السياسيّة، دون مزيد من التوضيح لمعايير الدعوة مع إشارة عموميّة لمشاركة الشباب والمرأة.
اللافت هو قصر المساحة الزمنيّة لعقد الاجتماعات الحواريّة في ثلاث محافظات، فقد استغرقت يومين فقط، وهذه المحافظات الثلاث تحتاج المزيدَ من الوقت للحوار وطمأنة أهلها وتخفيف هواجسهم، بعدما ما شهدته أحداث أمنيّة وحالات قتل على الهوية، وفرض عليها حظر تجول، وبذلك فإنّ لقاءات المحافظات ستنتهي خلال أيام قليلة ليصار إلى تقديم التوصيات، والتي يبدو أنّها جاهزة مسبقاً.
المجلس الوطنيّ الكرديّ سبق الدغيم
أكد المتحدث باسم اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطنيّ، حسن الدغيم، أنّ “قوات سوريا الديمقراطيّة” لن تشاركَ بالمؤتمر. وقال الدغيم في مؤتمر صحفيّ في 13/2/2025، إنَّ “قسد” لا تمثل الكرد، وأنّ من يمثل المواطنين السوريين (ويقصد في شمال وشرق سوريا) هم أهل هذه المحافظات. وأضاف، “ليس لأي أحد في سوريا أن يفرض امتيازاً له أو يحتجز قطعة من الوطن”، في إشارة إلى مناطق شمال وشرق سوريا، حيث تديرها “قسد”.
وقال الدغيم: “نحن نتكلم عن مؤتمر وطنيّ ولا نتكلم عن صراع عسكريّ، وطالما نتحدث بالسلاح والعسكرة فلن تكون موجودة في الحوار”. واعتبر أن من لم يلق السلاح ويندمج ويسلم العهدة لوزارة الدفاع لن يكون له دور في “مؤتمر الحوار الوطنيّ”. وأكد أنّ مشاركة شخصياتٍ سوريّة في الحوار ستتم بصفة فرديّة لا جماعيّة، بمعنى أنه لن تشارك فيه أي تكتلاتٍ سياسيّة أو عسكريّة وإنما أشخاص سيتمّ دعوتهم بصفة شخصية.
لا مفاجأةً فيما قاله حسن الدغيم، في تجاهلِ الشعوب السوريّة وبينهم الكرد، فاللجنةُ اقتصرت على لونٍ واحدٍ، لتكونَ الدعوةُ إلى الحوارِ فقط إلى أنصارِ توجهٍ معيّنٍ، والسببُ باختصار يكمنُ بالإرادة التركيّة أولاً وأخيراً… موقف أنقرة عدائيّ جداً تجاه كرد سوريا ومن بعدهم باقي الشعوب السوريّة، بل أكثر من ذلك، لن تسمحَ أنقرة بوجودِ شخصٍ واحدٍ يطالبُ بحقوق الكرد ولو كان عربيّاً في أصوله، وهي تعادي على مستوى كلمةٍ باللغة الكرديّة، ووفق هذا السياقِ تمَّ انتقاءُ الدغيم ومن معه، لأنّهم يمثلون التوجه العام لسوريا اليوم، والأمرُ ينطوي على شكلٍ من المحاصصةِ الجزئيّة ضمن اللون الواحد.
ولكن ثمّة ملاحظة مهمة يجب عدم إغفالها، وهي إعلان المجلس الوطنيّ الكرديّ قبل أيام قليلة انسحابه من الائتلاف، وساق ذرائع غير مقنعة لذلك، والسؤال حول التوقيت، والمسألة لا تتعلق بحلّ الائتلاف، لأنّ وفد الائتلاف ومعه وفد هيئة التفاوض زارا دمشق بعد قرار حلهما، فيما غاب فقط أعضاء المجلس الوطنيّ الكرديّ الذي انسحب، ليتحولوا فجأة إلى شخصياتٍ مستقلةٍ تتوافقُ مع المواصفاتِ القياسيّةِ التي طرحها حسن الدغيم. وفي خطوة انفراديّة التقى عبد الحكيم بشار وإبراهيم برو، الأحد، حسن الدغيم، رئيس لجنة الحوار الوطنيّ في دمشق، دون أيّ تفويض من رئاسة المجلس أو تنسيق مع الإدارة الذاتيّة وقسد، في انتهاك واضح للمسار السياسيّ الكردي.
وإذا كان حسن الدغيم، أضحى شخصية اعتباريّة تمثل سلطة دمشق الحالية بما لها وعليها، وكذلك بما يُعرف به شخص الدغيم ومواقفه إلا أنّ الحوار معه أمر واقع، والمسألة تتعلق بالكيفية، والمكان وأسلوب التمثيل. وبعبارة أخرى هي قضية من يمثل كرد سوريا في الحوار الوطنيّ المزمع انطلاقه في قادم الأيام.
وإذا ما أخذنا بالاعتبار أنّ المجلس الوطنيّ الكرديّ عجز طيلة سنوات عن فتح مكتب تمثيليّ له في عفرين المحتلة رغم كونه جزءاً من الائتلاف، وهو المظلة السياسيّة للمجموعات المرتزقة التي تحتل عفرين وسري كانيه. فإنّ لقاء عبد الحكيم بشار وإبراهيم برو بحسن الدغيم يعني اختزالاً مروّعاً ليس للكرد عدداً بل وجوداً وتاريخاً وثقافةً. وهو غير مقبول من عموم كرد سوريا.
التحدي الكبير أمام سلطات دمشق يتعلق ببناء سوريا في الحوار الوطنيّ الشامل، دون وصاية أو مصادرة لهذا المسار، والسعي لضمان مشاركة الشعوب السوريّة، وإلا ستكون بصدد بناء سلطة الطائفة والفئة، وإنّ لم يكنِ الحوارُ بين مختلفين، فمع من يكون؟