بيريفان خليل
لم تكن المرأة السورية غائبة عن أداء مهامها في معظم مجالات الحياة، رغم الإقصاء والقوانين التي كانت تحرمها من المشاركة، وعلى مدار التاريخ ظهرت شخصيات بارزة، لازال ذكرها في التاريخ الحاضر، مثل: ست الشام (فاطمة زمردة خاتون) أخت صلاح الدين الأيوبي، حيث كانت للأميرة الكردية الأيوبية هذه دور هام في مجال الأدب والتعليم، فكانت الجندية المجهولة كما قيل عنها، التي عملت على التقدم في هذين المجالين، فعمرت المدارس واهتمت بالأدب والأدباء في دمشق.
كما كان لنازك العابد الكردية الأصل، الشخصية التي برز اسمها في الفضاء العمومي السوري، وخاصة في القضايا المصيرية كموقفها من حقوق المرأة، وخاصة فيما يخص حقها في التصويت والانتخاب، والتعليم والمشاركة في وسوق العمل، وأسست أول منظمة نسوية، حتى نالت مرتبة جنرال فخري في الجيش السوري بعد قتالها في معركة ميسلون، إلى جانب تلك الشخصيات كانت هناك أديبات، مثل ماري عجمي، التي اشتُهرت بشاعريتها، وأنشأت أول مجلة نسائية وغيرها من المؤسسات المعنية بهذا الشأن، الذي ذاع صيتهن في مجال معين.
وكما ذكرنا آنفاً، فإن دور النساء الذي ظهر إعلامياً، كان غيضاً من فيض فإنجازاتها الكبيرة، سمحت لها المشاركة في مجالات الحياة، وخاصة مشاركتها بالتصويت، وحصولها على حق الاقتراع العام لأول مرة في 1953، وبحلول 1971، شغلت أربع نساء فقط مقاعد من أصل 173 مقعداً، واعتباراً من عام 2012، شاركت النساء بنسبة 12% في مجلس الشعب السوري سابقاً، ووفقاً للبنك الدولي فإنه اعتباراً من 2014، شكلت النساء 16.4% فقط من القوى العاملة.
طبعاً وفي ظل الأزمة السورية التي بدأت عام 2011، كانت المرأة الضحية الأولى، لأنها عانت الويلات من التعنيف، والتهجير، والقتل، والاغتصاب، والحرمان، إلا أنه في إقليم شمال وشرق سوريا، كان الأمر مختلفاً؛ لذلك بدأت بثورتها، فسميت ثورة روج آفا باسمها (ثورة المرأة)، فبدأت مسيرتها النضالية واستردت حقوقها المسلوبة، وشاركت في مجالات الحياة كافة، تؤسس تنظيماتها ومؤسساتها، سواء في المجال العسكري (وحدات حماية المرأة YPJ) أو في المجال السياسي (مجلس المرأة السورية، ومكتب خاصة لها في مجلس سوريا الديمقراطية، وحزب الاتحاد الديمقراطي، وغيرها)، أو في المجال الثقافي والأدبي (حركة الثقافة والفن الخاصة بالمرأة، الهلال الذهبي Kavana Zêrîn)، وفي المجال الاقتصادي، فقد عملت على أن تكون مستقلة في الاقتصاد بالقيام بمشاريع وجمعيات خاصة بها، طبعاً وضمن تنظيم خاص بها (مؤتمر ستار) الذي أُسِّس قبل الثورة 2005 عملت على التقدم بمناحي الحياة كافة، ناهيك عن دور المرأة ومجلس عدالة المرأة، وغيرها، وبذلك حققت مكاسب جمة على أرض الواقع، وباتت تناقش قضيتها دولياً، وتبحث عن الحلول للأزمة السورية.
واليوم بعد سقوط بشار الأسد، وببناء سوريا الجديدة، ظهرت ملامح الإقصاء، والتغييب مرة أخرى في السلطة الجديدة؛ ما يزيد المسؤولية علينا نحن النساء، في أن نرسم خارطة ثورة المرأة الحرة بأقلامنا، لا نكن نساء ضحايا للذهنية الذكورية مرة أخرى، ونترك مهمشات، في الوقت الذي تركنا بصمة في التاريخ وكتبنا بدمائنا ملاحم البطولة والفداء، فتاريخ الإقصاء والحرمان انتهى، وحان وقت الإنجازات، والدفاع عن الحقوق وعدم التنازل عنها البتة.