اعتقد السوريون أن سقوط النظام سيجلب الأمل بعد سنوات من الحرب، إلا أن تحديات نفسية جديدة تعيشها النساء في ظل غياب الاستقرار الاجتماعي والضغط الاقتصادي هو ما جعل معاناة النساء تتجدد بصور مختلفة.
لقد كانت النساء في حلب عماد المجتمع، لكن الحرب غيرت ملامح حياتهن، وكان من المتوقع بعد سقوط النظام أن تنعم النساء بمرحلة جديدة من الأمان والاستقرار، إلا أن الواقع كان أصعب مما تصورنه، فالأزمات النفسية الناتجة عن فقدان الأحبة، والخوف من المستقبل، والضغوط الاقتصادية المتزايدة، كلها أثقلت كاهل النساء، إضافة إلى ذلك، تعاني العديد منهن من أعباء مضاعفة كإعالة أسرهن بمفردهن، أو مواجهة عوائق مجتمعية تعيق تأقلمهن مع الوضع الجديد.
تحديات متجددة وواقع مؤلم
وعادت النساء ليجدن أنفسهن في مواجهة تحديات أكبر من الحرب نفسها فالنزوح والفقر، وانعدام الأمان، ذلك كله ترك بصماته العميقة على حياتهن، وجعلهن يتحملن أعباءً فوق طاقاتهن مثل قصة “قمر كبتاوي“، وهي في الثلاثينات من عمرها وأم لطفلين عانت من الفقد وتحمل المسؤولية وحدها، لتكون مثالاً لمعاناة مئات النساء الأخريات.
حيث قالت: “ظننت أن سقوط النظام سيحمل معه حياة أفضل، لكن الواقع كان أشد قسوة، عدت لأعيش مع عائلة زوجي بعد أن فقدته في الحرب ضمن منزل بالكاد يصلح للسكن، بلا ماء أو كهرباء، ولا حتى أبسط مقومات الحياة، وشعرت أنني أعيش في صراع جديد، حيث الفقر والحرمان يرافقانني في كل خطوة، فضلاً عن الألم الذي يثقل كاهلي في رؤية أطفالي وهم يجلسون في المنزل بينما أطفال آخرون يذهبون إلى المدرسة فالمشهد اليومي يمزق قلبي”.
وتابعت: “فالتعليم هو الأمل الوحيد لهم في مستقبل أفضل، لكن كيف يمكنني تحمل تكاليف المدارس في ظل هذه الظروف حتى لو كانت المدارس مجانية، فإن تأمين الزي المدرسي والكتب أصبح أمراً شبه مستحل في الوضع الراهن”.
وأضافت: “لا أريد أن يكبر أطفالي دون تعليم، لكنني عاجزة أمام هذه المسؤولية وأشعر وكأنني أخسر معركة جديدة كل يوم في هذه المعاناة المشتركة بين نساء حلب”.
جروح لا تندمل
وتعيش النساء في حلب بعد الثامن من كانون الأول 2024 معركة نفسية قاسية بعد كل ما مررن به من ضغوطات نفسية متكررة، والتي خلفت وراءها جروحاً عميقة في أرواحهن لا يراها أحد، لكنها تنزف بصمت خلف الأبواب المغلقة والوسائد الغارقة بدموع الخوف من الغد.
وبينت، أنها لا تشعر بالسلام النفسي ولا تشعر بالرضى عن وضعها: “لا أذكر متى كانت آخر مرة نمت فيها دون أن تلاحقني الكوابيس، فكلما أغمضت عيني أعود إلى لحظات النزوح وأصوات القصف، ووجوه أطفالي الخائفة، حتى عندما أستيقظ، يرافقني القلق كظل ثقيل لا يفارقني لحظة، ويزداد تفكيري طوال الوقت كيف سأطعم أطفالي غداً، كيف سأؤمن لهم ما يحتاجونه، وفي بعض الأيام أشعر وكأن جسدي ينهار من الإرهاق والصداع لا يفارقني، وأحياناً لا أجد طاقة حتى للحديث مع أطفالي، أشعر أنني أعيش في دوامة من القلق والخوف واليأس، وكلما حاولت الخروج منها أجد نفسي أعود إلى النقطة نفسها ولا أحد يدرك ما أعانيه”.
مضيفةً: “فالمجتمع لا يرحم امرأة مثلي خرجت تبحث عن رزقها فأشعر أحياناً وكأنني أعيش في حرب جديدة داخلية مع نفسي ومع العالم من حولي، متمنية لو كان هناك مكان يمكنني أن أصرخ فيه دون أن يحكم عليّ أحد وأجد فيه من يفهمني ويساعدني على تجاوز هذا الألم”.
دعم النساء للنهوض من جديد
وفي ظل الأعباء النفسية والاجتماعية التي تواجهها النساء في حلب، عاشت قمر تجارب قاسية تحمل رسالة مليئة بالأمل لكنها تتطلب استجابة حقيقية من المجتمع والجمعيات الإنسانية.
حيث قالت: “نحن النساء لسنا ضعيفات، بل قادرات على النهوض رغم كل شيء، لكننا بحاجة إلى يد تمتد لمساعدتنا، أحلم بأن أرى مراكز تُفتح خصيصاً لنا، تقدم علاجاً نفسياً متخصصاً لشفاء الجروح التي تركتها الحرب في نفوسنا، كما نحتاج إلى ورش عمل وتدريبات مهنية تجعلنا قادرات على الانخراط في المجتمع وتأمين مستقبل أفضل لأطفالنا، لأنني أعلم أن هناك نساء كثيرات مثلي، يحملن أحلاماً كبيرة لكنهن مكبلات بالظروف”.
وتابعت: “فهذه المراكز لن تكون فقط ملاذاً للتعافي، بل ستكون بوابة للعودة إلى الحياة، والابتسام من جديد، وللشعور بأننا لسنا وحدنا، أناشد الجميع، منظمات المجتمع المدني والجمعيات الإنسانية، أن ينظروا إلينا بعين المسؤولية، لأننا نحتاج إلى أكثر من مجرد كلمات، فنحن نحتاج إلى أفعال تفتح لنا الطريق نحو سوريا جديدة، حيث يمكننا أن نحيا بكرامة ليس للعيش فقط، بل لاستعادة ذواتنا وبناء مستقبل مشرق لأسرنا فيكفينا ما مر علينا من مآس وأوجاع، إنها دعوة صريحة للمجتمع لاحتضان النساء ومساندتهن في طريق التعافي والبناء”.
أمل رغم الألم