دجوار أحمد آغا
دعا القائد عبد الله أوجلان منذ بداية تأسيس حزب العمال الكردستاني إلى السلام، وذلك من خلال مبادرات عدة، طرحها على دولة الاحتلال التركي، إلا إن الطرف الأخير لم يستجب لها، وزيادة التعنيف بحق الشعب الكردي زاد من تعميق الأزمات.
القضية الكردية ليست وليدة الأمس أو اليوم، بل هي قضية شعب ووطن، قضية أمّة تم تقسيم وطنها إلى عدة أجزاء سعت الأنظمة إلى صهرها والانتهاء من وجودها. لكن هذه الأمة العتيدة، لم تستسلم ورفضت الانصهار والإبادة العرقية، قاومت بالسبل والوسائل المتاحة من الحفاظ على لغتها والتمسك بها، إلى حماية تراثها الثقافي عبر الأدب الشفاهي والانتقال من جيل إلى جيل وصولاً إلى يومنا هذا. قامت بالكثير من الثورات والانتفاضات ضد المحتلين والمستعمرين، لكنها باءت بالفشل للعديد من الأسباب ربما أبرزها عدم تكافؤ القوى بالإضافة إلى غياب الوعي السياسي الناضج عن الشعب الكردي.
آخر الثورات الكردية في العصر الحديث كانت ثورة حزب العمال الكردستاني التي شهدت ولادة القائد المفكر وصاحب الرؤية من أجل الوصول إلى تحقيق أهداف الشعب الكردي في الحرية والعيش بكرامة فوق تراب آبائه وأجداده، ووطنه الأم كردستان. لم يكن حزب العمال الكردستاني حزباً إقليمياً بل كان -وما يزال-حزباً كردستانياً يضم في صفوفه كوادر وأعضاء من مختلف أجزاء كردستان. وقد وقف إلى جانب الأشقاء في بقية أجراء كردستان خلال تعرضهم لهجمات من الأعداء وقد حدث هذا الأمر بوضوح في باشور كردستان وروج آفا خلال تعرضهما لهجوم مرتزقة داعش، وضمن مسيرته النضالية دعا القائد عبد الله أوجلان إلى مبادرات سلام نحو حلول مستدامة دون اللجوء إلى استخدام السلاح، إلى أن دولة الاحتلال التركي لم يرق لها ذلك، وبذلت ما بوسعها لفرض قوة الغصب والاستمرار بإبادة الشعب الكردي لليوم.
ضمن تقرير نستعرضه على شكل جزأين، سنسلط الضوء على مبادرات السلام التي طرحها القائد عبد الله أوجلان على دولة الاحتلال التركي، ومدى استجابة وعدم التزام الطرفين بها.
مفهوم القائد آبو للسلام
لو تساءلنا عن السبب الذي يدفع الإنسان إلى المقاومة وحمل السلاح، لتبين السبب وراء ذلك، أن السبب يكمن في التهديدات والقمع والطغيان الذي يتعرض له الإنسان، في ظل التمسك برفض الظلم والعبودية وضمان الحقوق والتحرر. هذا الأمر تحديداً هو ما دفع القائد عبد الله أوجلان ورفاقه الأوائل حقي قرار، وكمال بير، وساكينة جانسيز، ومظلوم دوغان، وجميل بايق، ومحمد خيري دورموش إلى القيام بالانخراط في المقاومة متأثرين بداية بموجة اليسار الثوري العالمي والتركي خصوصاً (ماهر تشايان، ودنيز كزميش، وإبراهيم قايباق قايا) ومن ثم تأسيسهم حزب العمال الكردستاني في السابع والعشرين من تشرين الثاني عام 1978. لم يأتِ تأسيس الحزب من فراغ، بل جاء لرؤية وفكر وفلسفة قائد المجموعة ومفكرها الأول عبد الله أوجلان. رفض الانتقام والعنف ورأى بأن الحل يكون في الديمقراطية الحقيقية والعمل بين الجماهير وتنظيمها بشكل متين وخلق الوعي بالذات لديها وبأن وطنها الأم مستعمرة دولية. كان ميالاً إلى السلام والحوار والتفاوض من أجل إقرار حقوق الشعب الكردي وبقية شعوب الشرق الأوسط والعالم وليس عبر الحروب والقتال. مفهومه للسلام يكّمن في أنه يعمل بطاقاته من أجل السلام الإيجابي سلام الشعوب وضمان حقوقها وفق الأسس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وقد ذكر بأن التاريخ أظهر لنا بأنه إن لم تكن هناك قيادة ذات قرار للسلم، فإن المشاكل التاريخية الأليمة المليئة بالدماء والموت ستستمر وتنتج لنا المزيد من الظلم والموت. كما قال بأن تحقيق السلام أصعب من الحرب؛ وكل حرب لا بد أن تنتهي بالسلام، فحين نقاوم لم نكن نخشى المقاومة والآن حين سنتفق لن نخاف من الاتفاق.
أول مبادرة سلام 1993
بعد مضي عقد من الزمن على انطلاق الكفاح المسلح من جانب حزب العمال الكردستاني ضد دولة الاحتلال التركي في 15 آب 1984، أعلن الحزب وعبر قائده الأمين العام للحزب القائد عبد الله أوجلان وبوساطة من رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني بين القائد والدولة التركية متمثلة برئيسها “تورغوت أوزال”، عن وقف إطلاق النار لمدة شهر في مؤتمر صحفي تم عقده في 17 آذار 1993 في بيروت.
لم يكن وقف إطلاق النار الذي أعلنه القائد عبد الله أوجلان من طرف واحد مشروطاً بأي شرط مسبق، بل جاء تحت صيغة وجوب حل النزاع داخل حدود متفق عليها وطنيّاً ومؤكّداً، أن حزب العمال الكردستاني ليس انفصالياً. وقد تم عقد مؤتمر ثان في التاسع عشر من آذار وهذه المرة بحضور كمال بورقاي سكرتير الحزب الاشتراكي الكردستاني / تركيا الذي دعم مبادرة السلام.
لم يكتفِ القائد عبد الله أوجلان بهذين المؤتمرين بل عقد مؤتمراً ثالثاً، وهذه المرة بمشاركة السيد أحمد تورك من حزب العمل الشعبي من باكور كردستان، وبمشاركة الرئيس جلال الطالباني، وكمال بورقاي في 16 نيسان من العام نفسه حيث أعلن القائد تمديد وقف إطلاق النار من جانب واحد إلى أجل غير مسمى في مسعى منه للدفع بعجلة السلام.
الموقف التركي من مبادرة السلام
كان الرئيس التركي وقتها تورغوت أوزال وقائد الجندرمة الجنرال “أشرف بدليسي” من عرابي التوصل إلى اتفاق لبدء المفاوضات مع حركة حرية كردستان، وإنهاء النزاع المسلح. تورغوت أوزال المولود في ملاطيه عام 1927 كان قد صرّح بأنه عندما كان صغيراً؛ كانت جدته لأمه الكردية تغني له الأغاني الكردية التي كان يُطّرب لها. كان يسعى إلى تحويل تركيا من دولة زراعية متخلفة إلى قوة اقتصادية عظيمة في الشرق الأوسط، لكنه في الوقت نفسه، كان يعلم بأنه من دون حل القضية الرئيسية التي تواجهه وهي القضية الكردية لن يكون هناك استقرار ونهوض اقتصادي في تركيا.
بينما الحكومة التركية التي كان يترأسها سليمان ديميريل لم تقم بأي إجراء فعلي من شأنه أن يشجّع عملية السلام، على العكس من ذلك قامت بزيادة شنّ الهجمات العسكرية على القرى والبلدات الكردستانية وقمعت الكرد بشكل فظيع خاصة خلال احتفالات نوروز 1993 حتى أن ديميريل أصدر بياناً في 23 آذار رفض فيه التفاوض مع حزب العمال الكردستاني.
لكن أوزال أصّر على التوجه إلى الحل السلمي والسياسي لهذه القضية من خلال توسط الرئيس جلال الطالباني مع القائد أوجلان الذي أعلن عن وقف إطلاق النار والعمل من أجل الحوار والحل السلمي للقضية. لكن هذا الأمر لم يرق للدولة العميقة ولا لقوى الهيمنة العالمية التي تتحكّم في تركيا، فأوعزت إلى أدواتها (جنرالات العسكر) إلى التخلص من أوزال وبدليسي، وكان أن تم وضع سماً قاتلاً في كأس عصير البرتقال للرئيس أوزال 16 نيسان عام 1993 بحيث توفي مباشرة في اليوم التالي أي 17 نيسان. بينما تم تفخيخ طائرة الهليكوبتر التي ركبها الجنرال أشرف بدليسي في مطار آمد الأمر الذي أدى إلى تفجيرها ومقتل الجنرال ومن معه.
المبادرة الثانية للسلام 1995
مرة أخرى؛ عاد القائد إلى طرح مبادرة سلام من خلال الإعلان عن وقف إطلاق نار من جانب واحد لإفساح المجال أمام الحوار والحل السياسي للقضية الكردية وقضية الديمقراطية في تركيا. وقد أعلن القائد عبد الله أوجلان وعبر بث مباشر عبر محطة تلفزيون MED TV يوم الرابع عشر من كانون الأول عام 1995 عن وقف إطلاق نار من طرف واحد من أجل السماح للعملية الانتخابية التي كانت ستجري بعد عشرة أيام في باكور كردستان وتركيا، للسير بنجاح وصولاً إلى الحل السياسي للقضية الكردية.
قال القائد عبد الله أوجلان بالحرف الواحد وقتذاك: “إن الحرب العبثية التي تشنها تركيا تلحق الضرر بشعبينا. لقد تسببت في خسائر معنوية ومادية للشعبين، كما أغلقت الطريق أمام أي تطورات. وبما أن هذه الحرب لا يمكن أن تكون حلاً جذرياً للصراعات، فإننا نمثل حسن نوايانا من خلال القرار الذي اتخذناه لوقف إطلاق النار”.
لكن السلطات التركية مرة أخرى لم تستجب لهذه المبادرة ولم ترتقِ إلى مستوى القيادة الحقيقية لمرحلة السلام وبدء حوار من أجل حل سياسي للقضية الأبرز ليس على صعيد تركيا فحسب، بل على الصعيد العالمي.
مبادرة الأول من أيلول 1998
في الأول من أيلول 1998 أعلن القائد عبد الله أوجلان وقف إطلاق النار من طرف واحد، وأبدى استعداده للحوار مع السلطات التركية من أجل الوصول إلى حل سلمي وديمقراطي للقضية الكردية في باكور كردستان وتركيا. الهدف من وراء هذه المبادرة كان، إيقاف نزيف الدماء وتغليب لغة الحوار والتفاوض. حيث قال القائد: “وصلنا إلى نقطة، حيث يجب أن تسكت الأسلحة وتتحدث الأفكار). لكن وبدل أن توافق الدولة التركية على هذه المبادرة، فقد شاركت قوى الهيمنة العالمية في تنفيذ المؤامرة الكونية بحق القائد أوجلان وكأنها بذلك، تنهي القضية الكردية.
المؤامرة الكونية التاسع من تشرين الأول 1998
بالفعل كانت أولى خطوات المؤامرة هي إخراج القائد آبو من منطقة الشرق الأوسط لحشد دولة الاحتلال التركي قواتها على حدود سوريا والتهديد بالاجتياح إن لم تُخرج القائد من أراضيها. قرر القائد والمفكر عبد الله أوجلان مغادرة سوريا ليوفر عليها أن تتحول إلى ضحية للاجتياح التركي بسببه، وأن يبحث عن مكان آخر من أجل الحل السياسي للقضية الكردية وبالفعل في التاسع من تشرين الأول 1998 بدأت مؤامرة من اليونان وانتهت في كينيا مرورا بروسيا، وإيطاليا. وهكذا تآمر العالم ضد القائد والمفكر عبد الله أوجلان. أغلقت مطارات أوروبا بوجهه، وفي نهاية المطاف تم إرساله إلى العاصمة الكينية نيروبي ليتم بعدها تسليمه إلى السلطات التركية في 15 شباط 1999.
بعد تنفيذ المرحلة الأولى من المؤامرة الكونية بحق القائد عبد الله أوجلان، توجه إلى قادة الدولة التركية بطرحه عملية سلام واستعداده لحل الأزمات. يتحدث القائد عن أهداف المؤامرة” كان هدف الذين قاموا بالمؤامرة هو أن يحولوني إلى كرة نارية ويحرقوا بها الشعب الكردي والتركي والمنطقة” لكنهم فشلوا في ذلك لأن القائد قام بالإعلان عن وقف إطلاق النار مرة أخرى في 2/8/1999 وطلب من قوات الكريلا أن تنسحب من باكور كردستان إلى باشور والعمل على حل المشاكل على طريق الحوار. إلى جانب ذلك، أرسل القائد مجموعتين إلى تركيا كتأكيد على أهمية وضرورة السلام. الأولى من قوات الكريلا في جبال “خنيزة” في إقليم باشور كردستان، والأخرى من أوروبا.
الموقف المعادي للسلام