بيريفان خليل
على مدار ثلاثة عشر عاماً من الأزمة السورية، عانت المرأة الويلات، وكانت أكثر فئات المجتمع المعرضة للتعنيف بشتى أشكاله نتيجة الحرب الدائرة، فهُجرت، وتيتمت، وأصبحت أرملة، واعتُقلت، واغتُصبت، وقُتلت، إلا أنه في إقليم شمال وشرق سوريا، ومنذ بداية الأزمة واندلاع شرارة ثورة روج آفا (19 تموز) نظمت الكردية إلى جانب العربية والسريانية والأرمنية والإيزيدية نفسها، وانخرطت في مجالات الحياة، فمن مقاتلة في وحدات حماية المرأة إلى ناشطة سياسية، ودبلوماسية، وباحثة اجتماعية، ومستقلة اقتصادية، حتى نالت ثمرة جهدها، وكان لها المشاركة بالإنصاف في مؤسسات الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا، وضاعفت تلك الجهود، ونالت حقوقها أكثر.
كما جاء في بنود ميثاق العقد الاجتماعي الذي تمت المصادقة عليه في كانون الأول 2023، بضمان حقوق المرأة وبيان واجباتها، ناهيك عن تجهيز عقد اجتماعي خاص بالمرأة لم يتم الانتهاء منه بعد.
فأصحبت بذلك مثالاً تحتذي به نساء العالم، ولكن بعد طول انتظار لأكثر من خمسين عاماً بتسلم عائلة الأسد السلطة في سوريا، وسقوط الطاغية، لم تدم الفرحة كثيراً، حيث جاءت عواصف الذهنية الذكورية التي كشفت عن نواياها منذ بالبداية.
وما أن أعلنت هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني، ضمان حقوق الشعوب السورية، وأن يكون للمرأة دور في سوريا الجديدة، أصبحت تلك الوعود حبراً على ورق، وأولى التصريحات من مسؤولين، انتخبوا بشكل شخصي من الجولاني لتسلم مهام حكومية جاءت على لسان المتحدث الرسمي باسم الإدارة السياسية لسلطة دمشق عبيدة أرناؤوط، الذي كشف في تصريحات له بأنه سيقصي تمثيل المرأة في الحكومة السورية الجديدة من خلال الادعاء بأن المرأة لا تستطيع أن تدير شؤون بعض الوزرات مثل وزارة الدفاع، ناسياً أو جاهلاً دور وحدات حماية المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا، تلك الوحدات التي هزمت أعتى مجموعة إرهابية متمثلة بمرتزقة داعش لتخلص العالم من خطرهم، كما أن تلك الوحدات تواجه ثاني أكبر دولة في حلف الناتو المتمثل بدولة الاحتلال التركي، وليحفظ الجولاني ماء وجهه.
وبعد الانتقادات والإدانات التي ظهرت بعد تلك التصريحات، عين شخصية نسوية بالذهنية ذاتها، المتمثلة بعائشة الدبس مديرة مكتب شؤون المرأة في سلطة دمشق هي الأخرى صرحت بما يعارض إمكانيات وقوة المرأة، فكانت عدوة لجنسها أكثر من أن تكون حامية وضامنة لحقوق جنسها.
هذا الواقع رفضته وأدانته النساء في إقليم شمال وشرق سوريا، اللاتي حافظن على مكتسبات ثورتهن، وأسسنَ نموذجاً ديمقراطياً، مناسباً لسوريا وحتى للشرق الأوسط، مؤكدات بأن سوريا الجديدة يجب أن تبنى برؤية المرأة الحرة، وبأن يضمن حقوقها الدستور الجديد، كما في ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية، وعلى هذا الأساس صعدت نضالها، لتحد من جريمة الإقصاء التي كُشفت خيوطها منذ البداية في بناء سوريا الجديدة.