قامشلو/ فريدة عمر – جزمت مراسلة وكالة أنباء المرأة في تونس “زهور المشرقي”، على أهمية الاقتداء بدور وتجربة نساء شمال وشرق سوريا، في بناء سوريا الجديدة، منوهةً بأنها تجربة مكللة بالنضال والتضحيات وتستحق أن تكون في مراكز صنع القرار.
وعاشت سوريا لحظة تاريخية، بسقوط نظام الأسد الحاكم، الذي ذاق الشعب السوري، على طيلة سنوات حكمه، الويلات، مع استمرار الأزمة والصراع الذي كبد الشعب السوري خسائر مادية ومعنوية، نتيجة الفقدان والتهجير وإلى ما هنالك من تداعيات سلبية خلفتها هذه الأزمة.
ومع انتقال سوريا لمرحلة جديدة، هنالك مخاوف من السوريين والعديد من الشخصيات الحقوقية والسياسية والمتابعين للوضع، في أن يتكرر سيناريو ذهنية الحكم البعثي، وتحديداً بعد تصريحات من مسؤولين من إدارة هيئة تحرير الشام، وصفها العديد بالمهينة بحقوق الأقليات، وبحق تاريخ المرأة السورية، وعلى وجه الخصوص نساء شمال وشرق سوريا، اللواتي أخذن على عاتقهن منذ بداية اندلاع شرارة الثورة، مسؤولية النضال والدفاع عن الوطن، وواجهن التدخلات وصولاً إلى محاربة أعتى قوة ظلامية داعش.
فهل يمكن لسوريا أن تحقق أي تغيير وأن تتجه نحو بلد ديمقراطي، بإقصاء دور المرأة وتاريخها، وهل يمكن إنكار نضال نساء شمال وشرق سوريا؟ هذه الأسئلة وغيرها، في لقاء خاص، أجرته صحيفتنا “روناهي”، مع مراسلة وكالة أنباء المرأة في تونس، “زهور المشرقي”.
– ما تقييمك لآخر التطورات التي شهدتها سوريا، وهل الحكومة المؤقتة أو “إدارة هيئة تحرير الشام” ستحدث أي تغيير من شأنه أن ينهض بالواقع السوري، وأن يحقق آمال الشعب المنتظرة منذ أكثر من ١٣ عاماً من تاريخ الأزمة السورية؟
طبعا استبشرنا خيراً، بسقوط نظام الأسد وهروبه بعد 13 عاماً من المقاومة الشعبية، وتحديداً في ظل ما ذاقه الشعب السوري، من نزوح وتهجير قسري وضحايا وفقدان ومعاناة مستمرة، وتقسيم البلد وتدخلات أجنبية وخارجية، ساهمت في إطالة عمر الأزمة، بسبب مصالحها الشخصية ومخططاتها التي كانت لها الاستفادة في استمرار الأزمة والصراع على الأرض السورية، حتى ولو كان على حساب دماء الشعب السوري.
لذلك لم نرد أن ننسب سقوط نظام الأسد إلى أي جهة، لأنه سقط بفضل النضال والمقاومة الشعبية العظيمة لعموم شعوب المنطقة، لا نتيجة نضال فصيل مسلح ما.
في الحقيقة، كنا نتوقع أن تكون سوريا، بعد سقوط النظام، وتسلم الإدارة الجدية لزمام الأمور، أن تصبح سوريا الدولة الديمقراطية التعددية اللامركزية، وأن تكون فيها الكلمة للشعب الحر الذي قاوم لأجل حريته، ولأجل بلد يحفظ ويضمن الحرية والتعدد واحترام الطوائف دون تمييز، طبعاً مع توزيع عادل لثروات البلاد بين مختلف الهويات سواء علويين، كرد، دروز وسريان وغيرهم، هذه الاختلافات التي نعلم أن نظام الأسد قد لعب عليها لتقسيم الشعب وزرع الحقد والكراهية والفتنة بينهم، لكن إرادة السوريين وإيمانهم بأن بلادهم يجب أن تكون موحدة بعيدة عن تلك التقسيمات والتسميات، التي لا تخلق إلا التفرقة ولا تؤدي إلا للعنف والفوضى، فاستطاعت أن تحافظ بعض الشيء على هذه الاختلافات وتحترم وجودها.
لكن تسلم الإدارة من قبل هيئة تحرير الشام أو جبهة النصرة سابقاً، هذه المجموعات المصنفة على قائمة الإرهاب محط قلق لنا بفعل ما شاهدناه، وخاصة في قضية المرأة، إننا كمدافعات عن حقوق النساء وحاملات قضايا المرأة، وخاصة أن الجميع يعرف ما عاشته المرأة السورية من تنكيل واعتداءات وقتل الممنهج وحالات اغتصاب بالإضافة إلى الاعتقال والإخفاء القسري وغيرها من المعاناة والجرائم، التي كان للمرأة فيها نصيب أكبر، حقيقة الشعب السوري والمرأة السورية بعد كل هذه المعاناة بأمس الحاجة إلى تغيير جذري، وانتقال نحو مستقبل أفضل بعيد عن التقربات الضيقة والمركزية في الحكم والقرار، سوريا بحاجة لفكر ومشروع ديمقراطي يمثل صوت الشعوب والهويات والثقافات.
ـ صدرت العديد من التصريحات من مسؤولين في إدارة هيئة تحرير الشام، فيما يخص دور المرأة ومكانتها، والتعديلات التي أجريت على المناهج الدراسية وحذف تاريخ بعض النساء المناضلات من كتب التاريخ خير مثال على ذلك، ما تقييمكم لذلك بالمقارنة مع تاريخ المرأة السورية الحافل بالنضال؟
نعم، إن التصريحات أو الخطاب الذي أدلي من قبل الإدارة الجديدة وبعض المسؤولين فيها، كانت مهينة للمرأة، فحين يكون هناك خطاب فيه تمييز وتعصب، يصنف بأن النساء لسن صالحات للقيادة ولسن مؤهلات في أن يستلمن مراكز مهمة، فهذا يخيفنا كنساء وحركات نسائية في شمال أفريقيا أو في الشرق الأوسط في وقت نناضل من أجل أن تكون المرأة في مراكز صنع القرار، وأن تنال حقوقها المشروعة.
إن الخطاب التمييزي الذي صدر عن إدارة هيئة تحرير الشام، لاقى تنديدات واسعة في تونس من قبل نساء صحفيات وحقوقيات وشخصيات وتنظيمات نسوية، ومخاوف على ما سيكون بانتظار النساء السوريات، والتي كانت تربط المرأة بالبيت والأسرة فقط، طبعا نحن لا ننفي بأن المرأة أم والمدرسة الأولى للأطفال والمجتمع. ولكن هذا لا يعني بأننا كنساء لم نخلق لنلد ونربي فقط، نحن دورنا أقوى في المجتمع، ولا يمكن لأحد إنكار ما ضحت به وفعلته المرأة السورية من أجل بلدها ومن أجل الحرية والكرامة، والعيش ضمن بلد لا يكون فيه الاختلاف عيبا أو ذنبا وجريمة، كما فعلت الأنظمة السابقة، طيلة أكثر من خمسين عاماً من حكم الأسد وغيره، لذلك نخشى أن يكون هناك تخطيط لإقصاء معلن وليس خفي لدور المرأة في سوريا الجديدة.
ما فعلته إدارة تحرير الشام وبشكل مستعجل على تعديلات وحذف لأسماء نساء مناضلات من المناهج الدراسية والتصريحات الأخيرة، حقيقة كانت محل قلق وكأنه إقصاء وقتل لدور المرأة السورية، اليوم في تونس لا يمكن أن نمحو تاريخ أول طبيبة كانت في الوطن العربي كانت تونسية وغيرها، لأنه جزء من تاريخنا، فكيف لنا أن نقبل بذلك بحق المرأة السورية، هذه الخطوات لا تنذر بالخير وتمهد لخطوات العمل على محو تاريخ المرأة.
ـ المرأة في شمال وشرق سوريا، استطاعت أن تحقق العديد من المكتسبات، ولها تاريخ طويل من النضال سواء ضد داعش أو للحفاظ على أرضها وهويتها، ما مدى أهمية نقل تجربة نساء شمال وشرق سوريا، كنموذج في سوريا عامةً وتطبيقه في الحكومة الجديدة؟
لا يمكن إنكار وإقصاء دور المرأة الكردية ونساء شمال وشرق سوريا بأي شكل من الأشكال، فمنذ آذار 2011 وحتى قبل الثورة أيضاً، المرأة الكردية التي حملت السلاح دفاعاً عن الوطن وعن وحدة الأراضي السورية، وهي التي حاربت مرتزقة داعش وكافة المجموعات الموالية لتركيا، دون خوف أو تردد من الموت.
تجربة النساء في شمال وشرق وسوريا، ومشروع الإدارة الذاتية وهذا التناصف المعلن، وهذا التمييز الإيجابي الذي أعطي للمرأة في شمال وشرق سوريا، في أن تمثل ذاتها وهويتها وأن تكون قيادية في كافة جوانب الحياة ومجالات المجتمع بنسبة 50%، أبرزت وأعطت للمرأة الدور الحقيقي. والمرأة الكردية أثبتت حقيقة بأنها جديرة بذلك، لأنها حاملة قضيتها وقضية وطنها، كما أنها ساندت ودعمت انتفاضات ونضالات النساء كما في إيران وغيرها من الدول في الشرق الأوسط وأفريقيا، وبالأخص النساء الإيزيديات من قبضة داعش الإرهابي، وحتى ساندت النساء التونسيات، وهذا ليس مجرد كلام إنما واقع شهد عليه التاريخ.
كما أود أن أنوه، لدور وحدات حماية المرأة، والتي تعتبر نموذجاً فريداً ومثالاً، صحيح أننا شاهدنا العديد من البلدان والدول كان فيه دور المرأة عسكريا، إلا أن وحدات حماية المرأة مميز بكل التفاصيل، حقيقة في إحدى المرات شاهدت فيلم صغير أرسلته لي صديقة كردية، حول وحدات حماية المرأة، أنا فعلاً إلى اليوم منبهرة بما شاهدت بالمزج بين تلك الأنوثة والقوة في الإيمان بقضية وبقيم الحرية والدفاع عنها من قبل امرأة، شيء مميز جداً، لم يخلق إلا في مناطق شمال وشرق سوريا، تلك المنطقة التي تؤمن فعلا بالحرية، وحاملة لفكر تقدمي وعلماني، وأرى بذلك الكثير من أوجه التشابه بين نساء شمال وشرق سوريا والنساء التونسيات، كما نتمنى أن تتعمم تجربة وحدات حماية المرأة وتجربة نساء شمال وشرق سوريا، في الشرق الأوسط عامة.
يؤسفني جدا، كصحفية وناشطة نسوية، أنا أرى هكذا إقصاء في تصريحات الحكومة الجديدة، أو الإدارة الجديدة إن صح التعبير، المتمثلة بهيئة تحرير الشام، كما أنني أخشى لأن تكون هنالك مساعٍ، ومخططات لضربة تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية ولضرب تجربة نساء شمال وشرق سوريا ووحدات حماية المرأة، لأنه في حقيقة الأمر كلنا نعلم بأن هذه المجموعات لا تؤمن بقضية المرأة وقضية الحرية، بل تؤمن بأنها هي من حررت البلد ولها الحق في تقرير مصير 23 مليون سوري، نخشى من تحقيق ذلك على أرض الواقع، وأن تنسف كل التضحيات والدماء التي قدمها الشعب السوري وتحديداً المرأة السورية من أجل إدارة كانت تدير منطقة إدلب والتي نعرف بأنها مدعومة من دولة تركيا الاحتلالية والإخوانية، واليوم تجد نفسها منصبة لإدارة بلد ووطن وتتحكم في مصير الشعب والنساء وخاصة بأن هذه الإدارة لا تؤمن بامرأة في مركز قرار، لأنها ترى النساء بحسب عقليتهم بأنهنَّ ناقصات عقل ودين وأن حدود المرأة هي جدران منزلها.
– على الرغم من نضال المرأة العميق والمستمر على الأصعدة كافة، لا زالت المرأة تتعرض للعنف ومختلف هجمات الإبادة، برأيكم فلسفة “المرأة.. الحياة.. الحرية”، هل يمكنها أن تكون فلسفة نضال مشتركة لنساء العالم، وماذا يتطلب من النساء في ظل هذه المرحلة الحساسة لضمان نجاح ثورتهن؟
فلسفلة القائد عبد الله أوجلان، وكلنا إيماناً بأن تتحقق حريته الجسدية، كما سمعنا واستبشرنا خبر اللقاء به، أن نسمع في القريب خبر حريته من تلك الجزيرة “إيمرالي”، أقول إن فلسفة “المرأة، الحياة، الحرية” لم تعد حدودها شمال وشرق سوريا أو كردستان، بل وصلت إلى الهند والعالم أجمع، وهي فلسفة النساء المناضلات، لا أعتقد بأن نجاح أي ثورة يمكنها أن تنجح دون مقاومة، وإيمان بأننا قادرات على تحقيق ما نريد.
نتضامن اليوم مع نضال نساء شمال وشرق سوريا ضد هجمات الدولة التركية الإجرامية، ونتضامن مع النساء الإيرانيات المنتفضات في وجه النظام القمعي، ونساند كل امرأة حكم عليها بالإعدام لقتل كلمتها وصوتها، نتضامن مع النساء السودانيات ضد الإجرام وسياسات العنف والاغتصاب الممارس بحقهن من المجموعات المسلحة لقتل صوتهن، ونتضامن مع كل امرأة تسعى لأن تعيش حرة وأمنت بأنها امرأة حرة، ومهما كبلوها لن تتراجع عن حريتها ونضالها وصمودها في وجه أساليب الإبادة.
وأخيراً، أود أن أجزم بأننا يد وروح واحدة للنضال في وجه الأنظمة القمعية والإمبريالية والشوفونية، ولن نقبل بأي شكل من الأشكال محو دور المرأة وتاريخها في أي بلد كان.