روناهي/ دير الزور ـ بمحبةٍ صادقة، ومساعدةٍ سخية من عائلتها ومجتمعها، تُنجز المرأة الديرية المستحيل، لتُخلق من العدم، وتبني مستقبلها بإرادتها، كصخور دير الزور، صلبةٌ وقوية تستطيع مواجهة التحديات والصعوبات، لتُخطو بثبات نحو مستقبلٍ مشرق.
في دير الزور، حيث تلتقي صلابة الأرض بعمق الروح، تُجسّد المرأة صورةً فريدةً عن القوة والإصرار، فهي التي تُبدع من رحم المعاناة، لتُحوّل الحزن إلى إرادة، وتُزهر من بين أنقاض الصعاب.
إرادة المرأة
وتُمثل المرأة قوة دافعة في عالم ريادة الأعمال، حيث تُثبت يومياً قدرتها على بناء مشاريع ناجحة وتغيير الواقع، فمشاركتها ليست مجرد إضافة، بل عنصر أساسي في إثراء المشهد الريادي بابتكارها، ومرونتها، وقدرتها على بناء علاقات قوية.
وتُوازن المرأة بين متطلبات العمل المُرهقة ومسؤولياتها الأسرية، مُظهرةً قدرة استثنائية على إدارة الوقت والضغوطات، فقدراتها في التواصل وبناء الثقة تُساهم في بناء فرق عمل متماسكة، وتُمكنها من الوصول إلى شرائح مُختلفة من السوق.
فرغم التحديات التي قد تواجهها، كالحصول على التمويل المناسب أو التغلب على التحيزات الجندرية، إلا أنّ إصرارها وعزيمتها يُسهمان في نجاحها، لتُلهم النساء الأخريات للسير على خطاها، فقصة المرأة الريادية، قصة كفاح وإبداع، تُضيف نكهة مُميزة لعالم الأعمال وتُساهم في بناء اقتصادات مُزدهرة.
قصة كفاح
وفي بلدة الدحلة بالريف الشرقي من دير الزور، روت النازحة من دير الزور، ذات 23 عاماً “ريم حمادة“، لصحيفتنا “روناهي”، قصة كفاحها المُلهمة، بعد فرارها من المدينة المحاصرة عام 2015، حيث عاشت مع ابنتها “ستة أعوام” وابنها البالغ من العمر “عامين”، متنقلةً بين بلدات الريف الشرقي بدير الزور، مُثقّلةً بمعاناة النزوح وفقدان زوجها خلال الحرب، فيما لم يستطع الحزن سلب إرادتها القوية، حيث استطاعت أن تتجاوز الصدمات وتُواجه تحديات الحياة، مُستمدةً قوتها من أطفالها وعائلتها.
وفي محاولة منها لملء فراغها، والتغلب على الصعاب الاقتصادية، خطرت لريم فكرة إقامة مشروع ريادي، بعد التشاور مع والداها، حيث قررت إنشاء مطبخ منزلي صغير متخصص بالمأكولات الشرقية.
فقد اختارت “ريم” العمل من المنزل لتكون قريبة من أطفالها، مُثبتةً أن التوفيق بين المسؤولية الأسرية والنجاح المهني غير مستحيل، وقد بدأت رحلتها بتسويق منتجاتها عبر منصات التواصل الافتراضي، مُحققةً نجاحاً لافتاً في وقت قصير، بدعم من عائلتها وسكان بلدتها.
ولم يقتصر نجاح ريم على الجانب المادي فقط، بل امتدّ تأثيرها إلى المجتمع النسائي، حيث أصبحت رمزاً للإلهام والصمود، وتوج هذا النجاح بتلقيها الدعم من إحدى المنظمات، التي قدمت لها تدريباً مكثفاً في مجال ريادة الأعمال، حتى حصدت المركز الأول في مسابقة نظمتها المنظمة، مما أمكّنها من الحصول على معدات حديثة لتُساعدها على تطوير مشروعها وتوسيع نطاقه.
رسالة ريم للمرأة
وقد وجهت ريم رسالتها إلى كل امرأة تحمل في قلبها حلماً، وتحمل على عاتقها مسؤولية: “أنا ريم، امرأة مثلكن، عشتُ تحديات الحياة، وتجرّعتُ مرارة الصعاب، لكنني لم أستسلم”.
مضيفةً: “فلم يثنِني فقدان زوجي، ولا صعوبات النزوح، ولا قيود المجتمع عن تحقيق أحلامي، فقد بدأتُ من الصفر، ببذرة صغيرة من الأمل زرعتها في أرض خصبة من الإصرار، حتى نمت لتُصبح مشروعًا ناجحاً”.
وتابعت: “أعلم أن الطريق ليس مفروشاً بالورود، وأنّ التحديات تُحيط بكنّ من كل جانب، فقد تُواجهن صعوبة في الحصول على التمويل، أو قد تُحاول المُعتقدات القديمة أن تُقيّد أجنحتكنّ، لكن أتمنى ألا تستسلمن، ولا تدعنّ الخوف أو الشكوك تُحطّمن إيمانكنّ بأنفسكنّ”.
وأكدت “ريم حمادة” في ختام حديثها: “أنّتنّ أيتها النساء، أقوى ممّا تعتقدنّ، فلديكُنّ قوةٌ خارقةٌ تكمن في إرادتكنّ وذكائكنّ وقدراتكن على التكيّف والتحدي، فلا تخفنّ من الفشل، حيث إننا منه نتعلم، ومنه ننهض بشكل أقوى، فقط استمعنَ لأصواتكنّ الداخلية، وتعلمن من خبراتكنّ، واسعَينَ إلى الدعم من حولكنّ”.