الدرباسية/ نيرودا كرد – في أعماق الزمن، تنبض قرية منسيّة بروح الحياة، حاملة في جدرانها وشوارعها قصة طويلة تمتد لأكثر من مئة عام، هذه القرية الشاهدة على تحولات الزمن والتغيرات التي مرَّ بها، تروي تاريخها بكل أبعاده وتفاصيله، تُحلق بنا في رحلة استكشاف مُثيرة عبر العصور.
تقف قرية “تورات” القديمة التابعة لمدينة الدرباسية، كشاهدة على الزمن، هادئة ومليئة بالذكريات التي لا تندثر، يبدأ كل صباح في شوارعها بعبقِ الماضي الذي تعلوه رائحة الصمود والاستمرارية. تقدم لنا هذه القرية قصة مليئة بالحكايات والتحولات على مدى أكثر من مئة عام، تكشف لنا عن جذورها العميقة وتطورها عبر العصور.
ومع كل حجر يتداعى فيه العمر الطويل، تُعيد قرية “تورات” بناء ذكرياتها وتعمرها بالذكريات الجميلة التي عاشتها، من بساطة الحياة الريفية إلى لحظات النهضة الحضارية، تروي القرية قصة النضج والازدهار، وكيف استطاع سكانها بثروتهم الثقافية والاقتصادية تحويلها إلى لوحة تاريخية تحمّل بين طياتها بصمات الزمن.
وفي عصر السرعة والتطور، تكمن قيمة هذه القرية القديمة في الثبات والاستمرارية، يعكس تاريخها العميق تطور المجتمع وتغيراته، وتذكيرنا بأهمية الاحتفاظ بالتراث والتاريخ كجزء لا يتجزأ من هويتنا وتطورنا. كما تُلهمنا قصة هذه القرية بالاستمرار في بناء المستقبل والاحتفاء بالماضي على حدٍ سواء، فهي عنوان للصمود والعطاء على مدى الأجيال.
نشأة قرية “تورات” وجغرافيتها
وتتبع قرية “تورات” لمدينة الدرباسية بمقاطعة الجزيرة، تبعد عنها حوالي30كم باتجاه الغرب، حيث تقع على الطريق الواصل بين مدينة الدرباسية ومدينة سري كانيه المحتلة، وتبلغ مساحتها 3000دونم، يحدها من الجنوب قرية تبش، ومن الشرق قرية مبروكة، ومن الشمال بيركنيس، ومن الغرب قرية ظهر العرب.
ولمعرفة المزيد من التفاصيل عن تاريخ قرية “تورات”، التقت صحيفتنا مع أحد سكانها “سليمان حج رشيد” ذو الستين عاماً، حيث قال: “بُنيت قرية “تورات” على يد كل من الحاج رشيد وأخيه الحاج شيخموس، حيث جاءا من باكور كردستان وقاما ببناء قرية “تورات”، وذلك منذ أكثر من مئة عام”.
وتابع: “وبعد أن تم بناء القرية، باتت فريدة من نوعها من حيث عدد العوائل، حيث سكن في القرية ما يقارب الـ100عائلة، وأصبحت بذلك ثاني أكبر قرية في المنطقة بعد بلدة القرمانة، والتي كانت في حينه قرية أيضاً، ولكنها كبيرة من حيث عدد العوائل”.
وأضاف: “لقد احتضنت “تورات” مختلف العشائر، فنحن من عشيرة “خلكا”، كما يوجد هناك عوائل من عشيرة “شيخان”، وعشيرة “تيركيا” و”دملكا” و”صوركا” وغيرهم من العشائر الكثيرة سكنت فيها، فيما بقي فيها أربع عوائل فقط في الوقت الحالي، ويعتبر أبناء هذه العشائر الأربعة بمثابة عائلة واحدة، لا يُفرقهم أي خلاف أو مشاكل”.
خيرات القرية
وأشار، رشيد إلى أن أهالي القرية منذ نشأتها يعتمدون على الأعمال الزراعية وتربية المواشي لقضاء حاجياتهم المعيشية، حيث كانت الزراعة تتم في تلك المراحل بأدوات بدائية، أقرب ما تكون إلى الأعمال اليدوية، لتتطور الأعمال الزراعية مع الزمن فتشمل مختلف الأدوات المتطورة.
وزاد: “وبعد فترة انتقل جدي الحج شيخموس لبناء قرية “الحليوة”، واعتمد أهلها أيضاً على الزراعة، كما إن مجمل الأراضي الزراعية في منطقتنا كانت تعتمد آنذاك على الزراعة البعلية، ليتم حفر الآبار السطحية والبحرية فيما بعد، فيما انتقلنا شيئاً فشيئاً إلى الزراعة المروية إلى جانب الزراعة البعلية”.
أول مدرسة كرديّة
وشهدت قرية “تورات” افتتاح أول مدرسة لتعليم اللغة الكردية في مدينة الدرباسية وريفها، وكان قد افتتحها الشاعر “جكر خوين”، وقد كان هناك عدد لا بأس به من الطلاب الذي كانوا يتوقون لتعلم اللغة الكردية كـ “محمد بك” ورفاقه الذين كانوا في ذلك الحين شباباً في مُقتبل العمر، فقد كانوا يكتبون ويقرأون باللغة الكردية منذ ذلك الحين، ولا يزال هناك حتى الآن مكان محفور في التلة، كان يُخبِئ فيه الشاعر جكر خوين وطلابه الكتب والدفاتر الكردية لإخفائها عن أنظار النظام البعثي آنذاك، وفقاً لرشيد.
ولفت، إلى أنه لم يدخل قرية “تورات” أي حزب سياسي سوى حركة التحرر الكردستانية، حيث سارع أهالي القرية للانضمام إلى صفوفها والبدء بالعمل النضالي في سبيل قضية الشعب الكردي، وهذا الواقع مستمر حتى اللحظة، حيث أن أهالي قرية “تورات” جميعهم منخرطين في صفوف حركة التحرر الكردستانية، وملتحقين بثورة التاسع عشر من تموز في إقليم شمال وشرق سوريا.
صعوبات أهالي القرية
وزاد رشيد حديثه بالقول: “عانت قرية “تورات” من جملة من الصعوبات، أبرزها كانت موجة الهجرة التي حلت بالمنطقة برمتها، حيث هاجر العديد من أهالي القرية، ولا سيما الفئة الشابة منها”.
ولفت، وما يستدعي الذكر هو أن قرية “تورات” قد خرّجت العديد من الأطباء والصيادلة والمهندسين، أي أنها تمتلك ثروة ثقافية كبيرة، ولكن مع الأسف، الكثير منهم سافر إلى خارج البلاد، ما أدى إلى انخفاض عدد سكان القرية إلى حوالي 30عائلة فقط.
وأردف: “ومن جهة أخرى نعاني كأهالي قرية “تورات” من الأعمال الزراعية، حيث باتت باهظة التكاليف وشحيحة المردود، لا سيما فيما يتعلق بالمازوت وإصلاح الأعطال الزراعية، وكل ذلك يتطلب تكاليف عالية جداً، فعلى سبيل المثال، نحن الآن دخلنا العام الجديد، وكنا قد بدأنا بزراعة القمح منذ أكثر من شهرين، ولكن حتى الآن لم يتم توزيع المازوت الزراعي علينا، ما يضطرنا لشراء المازوت الحر بأسعار باهظة، لذلك نرجو الإسراع في توزيع المازوت الزراعي كي لا يتضرر زرعنا”.