حقي تكين
بدأت حقبة جديدة في سوريا بانهيار نظام البعث في الثامن من كانون الأول، والآن وكخطوة أولى، تُبذَل الجهود لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا وإحلال السلام الدائم من خلال وقف شامل لإطلاق النار، وبعد أن تتطور هذه الفترة، ستكون هناك مناقشات شاملة حول الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه الدولة والحكومة السوريّة الجديدة، وبالتالي نظامها السياسي والاجتماعي.
وفي المعادلة السوريّة الحالية، ليس لدى الدولة التركية ولدى عقلية الجماعات الجهادية والإخوانية والسلفية التي تدعمها، أي مستقبل يمكنها أن تقدمه لسوريا والمنطقة. إن وجودهم في سوريا لا يخلق سوى الفوضى والاضطراب والدمار. ومن المعروف أنهم سيقيمون نظام الشريعة باتباع مفهوم نظام مركزي وأحادي في مواجهة بنية متعددة الثقافات والمعتقدات كسوريا، هذا هو تصورهم للدولة والمجتمع. ورغم أن الأرضية الدولية لا تسمح بحدوث ذلك في الوقت الحالي، إلا أن عقليتهم تعمل فقط في هذا الاتجاه. لم يُرَ بأن جماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي قد وصلوا إلى عقلية ديمقراطية، لكنهم ربما ينتهجون البراغماتية، لذلك بالنسبة لهيئة تحرير الشام، كل شيء ممكن إلى أن يتم عبور الجسر، ومن الواضح أن هذه العقلية وهذا الوضع سيكونان كارثة كبيرة ليس فقط على الشعب السوري، بل على الإنسانية في العالم والشرق الأوسط أيضاً، وبينما كافحت سوريا للتخلص من دِكتاتوريةٍ، فإنها تواجه خطر نموذج دكتاتوري لعشرات التنظيمات الجهادية، الكبيرة منها والصغيرة، أي قد انهار الدكتاتور البعثي، لكن الآن هناك فجوة كبيرة في سوريا، وهذا يوضح مدى الأهمية الحياتية لمناقشة مشتركة حول نموذج النظام السياسي وبراديغما ديمقراطية وإيكولوجية وتحرر المرأة. المجتمع السوري هو بمثابة مُلخص للشرق الأوسط. النموذج الذي سيتم تطويره هنا سيكون له تأثير إيجابي وسلبي حاسم على العمليات المحتملة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
بعد 8 كانون الأول نشأت حقبة جديدة في سوريا، ففي عهد البعث كانت أجندة المناقشات مختلفة، حول جعل الدولة حساسة تجاه الديمقراطية وعملية الحل الممكنة، والفترة الآن هي فترة مختلفة تماماً، فترة البحث عن نظام جديد، تم استبدال مساعي الحل والمطالب القديمة بمناقشة شاملة وإنشاء نموذج النظام السياسي والاجتماعي الجديد لسوريا بأكملها، أثناء إنشاء أجندات مثل المناقشة ومساعي الحل والبحث عن النماذج السياسية، من الضروري أولاً معرفة هذا الاختلاف والتأكيد عليه في المناقشة، لأنه لا يزال هناك افتراض وكأن كل من النظام والدولة – القومية قائم. ليس من الصواب التعامل على أساس أنه تم الحل واكتمل كل شيء، وعلينا الآن أن نطالب بحقوقنا، لقد تم تسليم سوريا لما تُسمى بالعناصر الإخوانية والسلفية على طبق من ذهب. وعلى الرغم من أنه تم تقديمها لهذه العناصر على طبقٍ من ذهب، إلا أن التطورات في سوريا ليست حكراً عليهم، بل على العكس من ذلك، يراد سلب العملية الثورية التي تطورت من خلال مقاومة الشعوب، ولهذا السبب على الشعوب ألا يسمحوا بذلك، لذا فإن الشعوب ونضالهم الشامل هو الذي سيمنح لوناً وجوهراً لنموذج النظام السياسي والاجتماعي الجديد في سوريا. قبل كل شيء، ينبغي اتخاذ خطوة حاسمة في إعطاء شكل الإدارة في سوريا والتطلع إلى الإدارة في سوريا بطموحٍ كبير.
إن نموذج الإدارة السياسية الأنسب للبنية الاجتماعية والسياسية في سوريا هو النموذج الكونفدرالي الديمقراطي القائم على الإدارة الذاتية الديمقراطية والنظام الفيدرالي، وهذا هو النموذج الأنسب للبنية المتعددة لسوريا، حيث تم تطبيق هذا النموذج في شمال وشرق سوريا خلال الفترات الأشد أزمة والأكثر فوضوية وأصبحت الساحة الأكثر استقراراً في المنطقة رغم كل الهجمات من قِبَل المجموعات المرتزقة ومن تركيا. بالتالي، فإن نموذج نظام شمال وشرق سوريا وعقليته، والذي تم تطبيقه بنجاح واكتسب وعياً ديمقراطياً اجتماعياً، يجب أن يتم نقله إلى سوريا بأكملها كنموذج الإدارة السياسية. إن هذه العقلية وهذه البراديغما هي التي ستقود المجتمع السوري المتعدد، وعلى رأسهم الشعب الكردي والعربي وغيرها من شعوب الأرمن والآشور والشركس والتركمان والدروز والعلويين والإيزيديين والأرمن والمسيحيين والسنّة من ذوي المعتقدات والثقافات المختلفة، والنساء، جميعهم تواجههم مسؤولية بأن يتحدوا حول العقلية الثقافية الديمقراطية المشتركة وينشرونها في جميع أنحاء سوريا، وتأسيس حديقة الديمقراطية، لقد أصبح من الممكن مخاطبة التنوع والتوجه نحو المجتمع السوري بأكمله وجمع الشعوب حول البراديغما، أما الخط الإخواني المولَّع برغبة السلطة حالياً، فهو يمثل الأقلية، وليس لديهم إمكانية الإدارة والعقلية والتصور الاجتماعي والرؤية، بل لديهم أرضية للتوجه نحو فترة فوضى وصراع جديد، علاوةً على ذلك، فإن جميع عناصر هيئة تحرير الشام الذين تم تعيينهم الآن على المستوى الوزاري والمستوى الإداري هم من بقايا داعش، والغريب في الأمر أن معظمهم تخرّجوا من الجامعات التركية، والعديد من الذين أتوا إلى الوزارة والإدارة هم من أصول تركيّة وأوزبكية وأردنية وصينية وإيغورية. كما لو أن عناصر التنظيم الجهادي العالمي قد استولوا على الدولة، ويتم ذلك على مرأى من الجميع، مثل هذا المثال لم يسبق له مثيل، ويبدو أن خطاب “سوريا يجب أن يديرها سوريون” الذي يتردد على كل لسان هو مجرد قول فقط، بالتالي جوهر الأمر دليل على الدور الذي تلعبه الحكومة الفاشية التركية في كل هذه الأمور. وينبغي إيلاء الاهتمام الجاد لهذا الأمر، ولهذا السبب، فإن ضرورة وإلحاح نقل مفهوم الإدارة الذاتية الديمقراطية إلى الإدارة السورية العامة أمر جلي وواضح، ومن ناحية أخرى، نحن في المرحلة الأكثر خطورة من الحرب، وواضح وضوح الشمس إلى أين سيتجه أعداء المرأة الذين حصلوا على شهادات التخرج من الجامعات التركية، لذا من الضروري أن نكون مستعدين لمقاومة كبيرة بكل معنى الكلمة، ويجب ألا يكون هناك أدنى تراجع عن الاستعداد للمقاومة وحرب الشعب الثورية، ومن الضروري القيام بحرب المقاومة والنضال من أجل المشروع الكونفدرالي الديمقراطي الذي سيحرر سوريا معاً، لذلك فإن ساحة الإدارة الذاتية الديمقراطية، من الآن فصاعداً، هي المحرك الأساسي للتحوّل الديمقراطي في سوريا، ويجب أن يتم نقل هذه الصيغة – المفهوم إلى أسلوب إدارة الدولة ووضعها في جدول الأعمال وخوض نضالها.
إن المفهوم الأكثر واقعية للنظام السياسي في سوريا هو نموذج النظام الكونفدرالي الديمقراطي. إن دراسة 13 عاماً من التجارب والخبرات الكبيرة لفترة الثورة أساساً في شمال وشرق سوريا، فضلاً عن النماذج الديمقراطية الناشئة في العالم، قد سنحت الفرصة لتطوير نموذج جديد خاص بسوريا، بالإضافة إلى ذلك، من الضروري الاستفادة من التجارب التي تطورت في العالم من نماذج الإدارة مثل الأنظمة الفيدرالية والولايات والإدارات الذاتية، لأن البنية الاجتماعية والديموغرافية لسوريا، سواء جغرافيّاً أو من حيث بنيتها الإثنية والعقائدية التعددية، جعلت تجارب العالم ذات قيمة تستحق الدراسة. على سبيل المثال، تخضع البلدان ذات الأثنية المتعددة، مثل بلجيكا وإسبانيا وكندا وإندونيسيا والبوسنة والهرسك، لأنظمة فيدرالية وإدارات ذاتية وولايات، بالمعنى الجغرافي، فإن أشكال الإدارة التي تطورت على أساس الحدود الجغرافية للنظام الفيدرالي والإقليمي هي دول مثل ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل والنمسا. البلدان التي تطورت فيها الأنظمة الموحدة والفيدرالية والإدارة الذاتية والإقليمية ضمن الوحدة الإثنية والجغرافية هي سويسرا وإسبانيا وكندا والصين والهند، وقد قدمت هذه البلدان نماذج إدارية أكثر شمولاً، مع مراعاة العوامل الإثنية والعقائدية والجغرافية. وما يتم محاولة شرحه هنا هو تجارب النماذج المختلفة القائمة على المكونات الجغرافية والإثنية والعقائدية والثقافية في مفاهيم الفيدرالية والإدارة الذاتية والولايات والإدارات المحلية، بالإضافة إلى ذلك، في العديد من البلدان، إلى جانب النظام الفيدرالي، هناك هياكل ولايات، وفي الأنظمة القائمة على الولايات، هناك العديد من الهياكل الفيدرالية. كل هذا مُلفِت للنظر، ومن خلال الجمع بين هذه التجارب والخبرات وبين مفهوم الكونفدرالية الديمقراطية، يمكن تطوير نموذج فريد من نوعه لكونفدرالية سوريا ديمقراطية، وسيشكل هذا النموذج مثالاً رائداً من حيث النظام وقوة التآزر في عملية شرق أوسط جديد، وإذا تم شرح هذا النموذج بشكلٍ جيد للمجتمع الدولي، فمن الممكن الحصول على الدعم والمساندة. ربما يكون النموذج الذي نقترحه أكثر جاذبية بدلاً من مفهوم الإدارة الجهادية والإخوانية والسلفية. إن وجود العقول الجهادية اليوم يوفر لنا فرصة مناسبة لجعل النموذج الذي نطرحه نحن مقبولاً. كيفما تشكلت روج آفا وشمال وشرق سوريا في مواجهة الصراع المستمر ضد العقلية الجهادية والإسلامية المتطرفة، وكذلك يمكن اليوم أن يتحول نموذج الكونفدرالية الديمقراطية إلى نموذج الإدارة لسوريا بأكملها في مواجهة كيانات لها العقلية نفسها، إذا لم يكن اليوم، فمتى؟ هذا ليس حلماً ويجب التصرف فوراً دون تأجيل.