هيفيدار خالد
تشهدُ سوريا “الجديدة” تطوراتٍ كبيرةً على الصُعُد كافة، خاصةً بعد سقوط رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد؛ إذ تعيشُ البلاد حالةً من فوضى الفلتان الأمني، على الرغم من محاولات رسم صورة مشرقة عن المجموعات التي أطاحت ببشار الأسد، وبأنها ستلتزم بكلَّ الأوامر والتوجيهات الصادرة عن الإدارة الجديدة لعدم بثِّ الخوف وزعزعة الأمن والاستقرار؛ إلا أننا نرى بشكل شبه يومي حالاتِ القتل بحق المدنيين وعمليات التعذيب والإعدامات في العديد من المدن السوريّة، الأمرُ الذي يزيد الأوضاعَ تعقيداً ويُعكّر صفوَ المشهد السياسي أكثر فأكثر، كما أن الوضع الإنساني في سوريا لا يزال سيِّئاً للغاية، وسط وجود مخاطر نشوب صراعات جديدة داخل البلاد خلال العملية الانتقالية.
طبعاً، الانتهاكات والممارسات التي تتعرض لها مكونات الشعب السوري، تؤثر سلباً على حياتهم ومستقبلهم، كما أنها تُشكّل مصدرَ قلقٍ بالغ لدى الجميع، أولئك الذين نفضوا عن أجسادهم ووجوههم غبارَ عقود طويلة من الديكتاتورية والظلم والعبودية وآلة القمع الوحشية، في الوقت الذي يطالب فيه حقوقيون بالإسراع بتطبيق العدالة فوراً؛ لأنَّ الأوضاع في البلاد آيلةٌ إلى الأسوأ ما لم تتم معالجتها على جناح السرعة، فالذي يحصل اليوم من إعدامات ميدانية وتهديدات مباشرة وبشكلٍ علني أمام الجميع، هو بالفعل بداية غير سعيدة، فحياةُ العديد من الشعوب السوريّة اليوم تحت الخطر ما لم يتحرك المجتمع الدولي حيال هذه الانتهاكات، وإيجاد آليةٍ تحميهم في هذه المرحلة الحساسة بالنسبة لجميع السوريين.
الكلُّ يتحدث عن سوريا الجديدة ويعيشون في ذات الوقت مخاوفَ حقيقية من المستقبل، ويتحدثون عن أنه يجب أن تكون سوريا لجميع مكونات وأطياف الشعب السوري؛ إلا أننا نرى عكس ما يتم الحديث عنه، خاصةً فيما يخص حقوق المكونات والأقليات الدينية والعرقية في البلاد، بالإضافة إلى قضية المرأة التي تعتبر من أهم القضايا الرئيسية في المجتمع السوري.
فتصريحات رئيسة مكتب شؤون المرأة في الحكومة المؤقتة عائشة الدبس والتي أثارت جدلاً كبيراً في الأوساط الإعلامية والسياسية والنسوية، حيث بدت هذه الآراء غير واقعية لحقيقة المرأة السوريّة التي عانت الكثير من الويلات، ومن قبلها تصريحات عُبيدة أرناؤوط المتحدث الرسمي باسم الإدارة المؤقتة بقوله إن المرأة لا تستطيع أن تعمل في وزارة الدفاع وبأنها غير قادرة على العمل في العديد من المجالات الأخرى، وخاصةً المشاركة السياسية في المرحلة الانتقالية في سوريا.
من جهة أخرى وتحت جُنح الظلام تحاول الدولة التركية -تلك التي استغلت الظروف الحالية- فرضَ وصايتها الكاملة على الإدارة الجديدة واحتلالَ مزيدٍ من الأراضي السورية، وبسطَ نفوذها، وبالتالي وضع اليد على الهوية السوريّة الفسيفسائية وفرض اللون الواحد القاتم؛ بهدف تحقيق أطماعها التاريخية في المنطقة وسلب إرادة السوريين من بين أيديهم، فكرست تركيا لتنفيذ ذلك سلطتها على المجموعات السورية التي استخدمتها منذ بدء الأزمة في البلاد، ولا زالت مستمرة في سياستها العدائية بحق الشعب السوري، وتحاول جاهدةً النيل منه بكل أطيافه، تركيا دولة محتلة ويجب أن تخرج من سوريا مرغمة، فوحدة الأراضي السورية لن تمر إلا من خلال طرد تركيا منها، وتكاتف السوريين على اختلاف مشاربهم، كلُّ ذلك من أجل بناء سوريا الجديدة التي تحمي الجميع وتضمهم إليها وتعمل من أجل حياة حرة كريمة.