قامشلو/ علي خضيّر – لتحقيق استدامة الثروة الحيوانية في إقليم شمال وشرق سوريا، تم العمل على زيادة دعم هذا القطاع الحيوي في عام 2024، من خلال عدة برامج وضعوها للرقي بها في السنوات المقبلة، عقب تعرُّض الثروة الحيوانية للتقلّص في السنوات السابقة لأسباب طبيعية ومفتعلة.
تُشكِّل الثروة الحيوانية ركيزة أساسية في معظم مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، وتعتبر مصدر عيش لكثير من أبناء الإقليم، وتشكّل دافعاً أساسياً للتنمية المستدامة في القطاع الزراعي، فهي تُساهم في تحقيق الأمن الغذائي والتخفيف من آثار الفقر، كما تساهم في تخفيف متطلبات الحياة عن الأسر الريفية وتحسين مستوى وسُبل عيش أبنائه، بالاعتماد على عدة أصناف من الحيوانات منها الأبقار والأغنام والماعز والجمال والجواميس والخيول والفروج والأسماك.
دوافع رئيسية أثرت بشكلٍ كبير على الثروة الحيوانية
وللتعريف بواقع الثروة الحيوانية في المنطقة، تحدَّث لصحيفتنا “روناهي” الرئيس المشترك لقسم الثروة الحيوانية في هيئة الزراعة والري بإقليم شمال وشرق سوريا المهندس “أحمد عيد المحمد”، مُبيناً أنَّ الثروة الحيوانية واجهت في السنوات الأخيرة عدة تحديات كان أهمها الجفاف في ظل قلة الهطولات المطرية، وارتفاع أسعار المواد العلفية وصعوبة توفير اللقاحات والأدوية البيطرية وغلائها.
كما أشار إلى أنَّ الظروف التي مرت بها المنطقة في السنوات الماضية أدت إلى تراجع واقع الثروة الحيوانية ونفوق أعداد كبيرة منها، حيث قلَّت الثروة بشكلٍ كبير بعد نُدرة الموارد العلفية، وندرة المراعي لقلة المياه الطبيعية بعد حبس تركيا لمياه نهر الفرات وقلة المساحات المروية، ما أثر سلباً على أسعار المواشي عند بيعها بشكلٍ كبير.
أما في الوقت الحالي أكَّد المحمد “إنَّه هناك تحسّن كبير وملحوظ مقارنةً مع السنوات الماضية، من خلال زيادة المشاريع الزراعية، الأمر الذي أدى إلى توفير كميات كبيرة من الشعير والتبن وبعض المواد العلفية، لكن أسعارها غالية نسبياً، وأصبح هناك تحسّن بأسعار بيع المواشي والأغنام الغنية باللحوم وبشكلٍ خاص الذكور، أما حركة البيع والشراء أصبحت جيدة مقارنةً بالسابق”.
الأعمال المُنجزة للمحافظة على كينونة الثروة الحيوانية
ونهوضاً بالثروة الحيوانية في الإقليم في الوقت الحاضر لتلافي النقص الذي طرأ عليها في السنوات السابقة نوه المحمد: “يعمل مكتب الثروة الحيوانية بإقليم شمال وشرق سوريا في الوقت الحالي على تحسين هذه الثروة من خلال وضع البرامج والدراسات لتطوير واقعها من خلال بعض الحلول المقترحة لتحسين هذا القطاع، أهمها تعزيز الخدمات البيطرية من خلال تطوير الخطط والبرامج الوطنية لحصر ومكافحة الأمراض الوبائية والسارية والمعدية والطفيليات، بتوفير اللقاحات والعلاجات لتحسين صحة الثروة الحيوانية، وزيادة المراكز الصحية البيطرية التي تقدم الخدمات البيطرية للمربين بكافة أشكالها ومراقبة الحدود لمنع تسرب عثرات جديدة، والرقابة على المستحضرات البيطرية واللقاحات المُنتجة محلياً أو المستوردة”.
وزاد: “بالإضافة لدعم مربي الثروة الحيوانية بالأعلاف المركّزة ودعم إنتاج المحاصيل العلفية وإدراجها ضمن الخطط الزراعية الصادرة عن هيئة الزراعة والري، وتطوير زراعة المحاصيل العلفية وتصنيع المخلّفات الزراعية للنباتات الخضراء وتحويلها إلى مواد علفية، لتخفيف التكاليف عن كاهل المربين والاستفادة من المُخلّفات الزراعية وتحسين قيمتها الغذائية، والعمل على إدخال مادتي الكسبة والشعير وإدراجها ضمن المقننات العلفية، وزراعة مساحات من النباتات الرعوية التي تساهم في تقليل التصحر وتوفر المراعي أثناء مواسم الجفاف، بالإضافة إلى تقديم وتسليط الضوء أكثر على قطاع الدواجن، الذي يعتبر من القطاعات الهامة للثروة الحيوانية وثقلاً اقتصادياً مهماً في بنية الاقتصاد المجتمعي، حيث تساهم لحوم الدواجن بنسبة 30 % من إجمالي استهلاك الفرد من جميع أنواع اللحوم”.
أبرز العوائق
وعن أهم المشكلات التي واجهتها الثروة الحيوانية في الإقليم، أشار المهندس “أحمد عيد المحمد” إلى أنَّ نقص مادة المحروقات المدعومة لأصحاب المداجن بشكلٍ متكرر قبل أن يتم إيقافها بشكل نهائي، وارتفاع سعر مادة النخالة وعدم توزيعها بشكلٍ نظامي، أدى لقلة الطلب عليها من قبل المربين، وكانت من أبرز المشكلات التي سببت معاناة في تربية الثروة الحيوانية.
كما أن حرق بعض المحاصيل الزراعية شكّل خسارة كبيرة للثروة الحيوانية، مع العلم أنَّ هيئة الزراعة والري بشمال وشرق سوريا منعت حرق (الفراز) لتستفاد منها الثروة الحيوانية، بالإضافة لقلة الأمطار وسنوات الجفاف التي أدت بدورها لنقصٍ كبير في كمية الأعلاف التي تُشكّل 70 % من تكاليف التربية، الأمر الذي أجبر كثير من المربين على بيع القسم الأكبر من قطعانهم في سبيل تأمين أعلاف للقسم المتبقي.
ومن المشاكل المباشرة التي واجهت الثروة الحيوانية شح الموارد المائية، على الرغم من أنَّ إقليم شمال وشرق سوريا يعتبر غنياً بالموارد المائية، ولكن تتموضع منابع المياه جميعها في تركيا التي بدورها حبست مياه هذه الينابيع، بالإضافة لاستحواذها على مجرى نهر الفرات وإقامة السدود عليها، ما أدى لندرة الثروة المائية بشكلٍ كبير في المنطقة وقلة المساحات المروية والخضراء، كما أن التقلبات المناخية القاسية في السنوات الأخيرة كان لها دور في قلة الثروة المائية، وبشكلٍ خاص خلال عامي 2021-2022 اللذان شهِدا موجات جفاف حادة.
خطط وبرامج مستقبلية لتخفيف الأعباء على المربين
ولتحسين طرق تربية المواشي كشف “المحمد” عن أنَّه يتم الاعتماد في الدراسات على إجراء إحصاء عام وشامل للثروة الحيوانية بكافة قطاعاتها خلال الفترة القادمة القريبة، لحصر ومعرفة أعداد الثروة الحيوانية في كامل مقاطعات إقليم شمال وشرق سوريا، ليتم بعد ذلك إجراء بعض الدراسات لإعادة الرعاية بها وتحسين واقعها وتربيتها: “يعمل مكتب الثروة الحيوانية على وضع الخطط والدراسات لتحسين واقع الثروة الحيوانية، حيث تم وضع بعض الخطط للسنوات المقبلة أهمها إجراء إحصاء للثروة الحيوانية بشكلٍ كامل، وزيادة التعاون مع المراكز البحثية والعلمية بخصوص أغنام العواس (صنف من الأغنام) والأبقار من أجل عمليات التحسين الوراثي، ودعم قطاع الدواجن بالمواد الأولية وتفعيل توزيع مادة المحروقات على أصحاب الدواجن، بالإضافة لدعم الثروة السمكية وتأمين الموارد المعيشية لها وتنميتها، كما يتم العمل على إجراء وضع مقننات علفية ووضع دورة علفية بشكلٍ منتظم وتوزيعها على مربي الثروة الحيوانية”.
وأردف إلى: “كذلك من البرامج تطوير زراعة المحاصيل العلفية وتصنيع المخلفات الزراعية والنباتات الخضراء وتحويلها إلى مواد علفية لتخفيف التكاليف عن كاهل المربين، وبرامج دعم المربين باللقاحات لعلاج الأمراض السارية والمعدية، وبرنامج إكثار كباش العواس وزيادة أعداد الجواميس باستخدام تقنيات التلقيح الاصطناعي، ودعم اتحاد وجمعيات مربي الدواجن بالأعلاف، وبرامج ربط بحوث الثروة الحيوانية بالاحتياجات الحقلية الفعلية، أيضاً وضع برامج لزيادة وحماية الماعز الشامي والعمل على تحسين السلالات الحالية للماعز، وبرنامج إنشاء مفرق صناعي لإنتاج إصبعيات الأسماك، وبرنامج تطبيق تقانة التناسل الحديثة للأبقار”.
الإحصائيات
وبحسب آخر إحصائية لأعداد الثروة الحيوانية في عام 2021 فقد بلغ تعداد الماشية تقريباً 11 مليون رأس، أمَّا فيما يخص إحصاء الثروة الحيوانية في بداية العام الحالي 2024 بمقاطعة الجزيرة فقد بلغ عدد الأغنام 4,400,000 رأس، و70 ألف رأس من الأبقار، و6200 رأس من الجمال، و7300 رأس من الخيول، و3750 رأس جاموس، و420 ألف رأس من الماعز، أي ما يُقارب خمسة ملايين رأس.