حنان عثمان
تصارع النساء للبقاء على قيد الحياة في البلدان التي تشهد نزاعات مسلحة. في خضم بيئة تتسم غالباً بالعداء والتهميش، بل يصل الأمر إلى حد استخدامهن أداة حرب من خلال تعرضها للعنف الجسدي. معاناة النساء بسبب الحرب ليست وليدة العقود الماضية بالتأكيد، وإنما له تاريخ طويل.
من جهة أخرى أضحت المرأة، بسبب الحروب والنزاعات، المعيلة الأولى والوحيدة لأسرتها. وقد فُرِضَ هذا الدور عليها، بسبب مقتل الزوج أو اختطافه أو أَسْره. هذا العدد من النساء المعيلات سجل ارتفاعاً كبيراً في العقود الثلاثة الأخيرة.
تتجلى المعاناة العميقة، التي تعاني منها آلاف النازحات اللواتي اضطررن لترك منازلهن وأرضهن جراء الحروب، في الظروف القاسية التي يعشنها في مراكز الإيواء، حيث القلق الدائم والخوف من المجهول، وأعباء كبيرة تتجاوز طاقتهن، وانعدام الأمان والاستقرار، هذا عدا عن مشاكل الرعاية الصحية والتداعيات النفسية الغائرة لفقدان عزيز، مما يترك آثاراً لن يمحوها الزمن بسهولة.
يمكننا التنويه هنا، على سبيل الذكر، إلى وضع الكرد في لبنان، والذين يتواجدون غالباً في المناطق الزراعية الحدودية، التي طالها العدوان الإسرائيلي طيلة سنة بأكملها. وهم أصلاً كانوا قد هاجروا من سوريا إلى لبنان طلباً للأمن والأمان ولتأمين لقمة العيش، فوجدوا أنفسهم أمام حرب همجية طالتهم حتى في المهجر. فاضطرت أغلبيتهم إلى العودة ثانية إلى روج افا، إلى مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية. لكن هذه العودة ممزوجة بالغصة والألم، كون أن أغلبيتهم كانت قد احتُلَّت مناطقهم من قبل الدولة التركية (عفرين، سري كانيه، كري سبي وغيرها)، فأصبحوا نازحين في وطنهم، يتحسرون على موطنهم ومدينتهم المحتلة، ويتألمون لفقدان مصدر رزقهم في المهجر بسبب الحرب.
وبين تلك الحسرة وذاك الألم، رأى الكرد أنفسهم أمام حرب جديدة شنتها الدولة التركية الاحتلالية عليهم مؤخراً، سواء جواً بطائراتها الحربية المسيَّرة، أو براً عبر مختلف الفصائل المرتزقة التابعة لها… فبات الضياع والضبابية عنواناً لمستقبل سوريا المجهول! وجميعنا نترقب عن كثب ما يجري في سوريا عموماً، وفي مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا خصوصاً، وأين سيرسو المطاف والمآل….
في خضم هذا الوجع المستمر، يبقى ما يواسي النفوس المكسورة هو “إرادة الحياة الحرة” التي تتمسك بها المرأة بصورة لافتة، وإيمانها الراسخ بأن حرية الشعوب والمجتمعات، تمرُّ عبر حريتها، وإنَّ الحياة الصحيحة لا يمكن أن تُعاش إلّا مع المرأة الحرة، من خلال ممارسة إرادتها الحرة في جميع مجالات الحياة، وإن مفاهيم الجمال والحياة الحقة يمكن أن يتحقق فقط مع المرأة الواعية والمنظمة والقوية.