الحسكة/ محمد حمود ـ تمثل تجربة “سجن صيدنايا” الشر المطلق، التي أذاقت السوريين عذابات لا نهاية لها، وقد كان للمئات من أبناء مدينة الحسكة نصيب من هذا الشر، فقد التقينا بعض الأسر المكلومة التي تحدثت عن ظروف الإخفاء القسري لأبنائها ومن ثم الإعلان عن وفاتهم دون سابق إنذار.
مع كشف النقاب عن حجم الإجرام الذي مارسه الجلادون في سجن “صيدنايا”، بحق السوريين الذين نادوا بحريتهم في ربيع العام 2011، كان لمدينة الحسكة من العرب والكرد النصيب الوافر من ويلات هذا السجن وعذاباته.
قصص المعتقلين في سجن صيدنايا
وفي الصدد، التقت صحيفتنا “روناهي”، بعض أهالي المعتقلين في سجون صيدنايا من مدينة الحسكة، ومنهم “أبو حسين“، والد المعتقل “عبد الكريم الخلف“، طالب معهد موسيقا، والذي كان شغوفاً بآلة “الأكورديون”، وطالما اجتهد في نظم مقطوعات موسيقية على هذه الآلة، إلا إن آلة نظام البعث الإجرامية، وأذرعها من الأجهزة الأمنية اختطفته في بدايات العام 2015 وهو في طريقه إلى معهد الموسيقا في المدينة.
حيث تحدث “أبو حسين” والد “عبد الكريم”، عن رحلة العذاب التي خاضتها العائلة، وبدأت باختطاف ابنه ونقله إلى أحد الأفرع الأمنية في العاصمة السورية “دمشق”، مؤكداً إنه دفع أموالاً طائلة ليستطيع اللقاء بابنه، فتحققت له هذه الأمنية بعد جهد جهيد.
قائلاً: “أدخلوني إلى سجن صيدنايا، وبعد انتظار عدة ساعات، وإجراءات عديدة، سمحوا لي بلقاء استمر عشر دقائق، من خلف الشبك وبحضور أحد ضباط الأفرع الأمنية”.
وتابع: “كان لا يزال ابني “عبد الكريم”، يتمتع بصحة جيدة في حينها”، مشيراً، إلى أن ابنه لم يتحدث الكثير، لكن عينيه قالت ما لم يستطع قوله بحضور الجلاد.
وأضاف “أبو حسين”: “سجن صيدنايا أكبر من مجرد مكان حبس وعقاب، أكبر حتى من مسلخ بشري أو مقبرة إعدام على قيد الحياة، لكنه منظومة كاملة من الشر والإيذاء والهمجية والوحشية، كل تفصيل فيه صُنع بغلِّ وكره، ليس فيه من العشوائية شيء، سوى عشوائية الشر المطلق”.
وأشار “أبو حسين”، إلى أن تلك الزيارة كانت الوحيدة، وبعد ثلاثة أعوام، وتحديداً في العام 2018 فوجئوا بإعلان وفاة ابنهم “عبد الكريم” بإدراج اسمه “متوفى” في جداول السجل المدني (النفوس) في مدينة الحسكة بأوامر من الأجهزة الأمنية التابعة للنظام البائد، والتي أرفقت تاريخ وفاة في الغالب الأعم إنه وهمي، ويتزامن مع أيام قليلة بعد الزيارة اليتيمة.
واختتم الأب المكلوم “أبو حسين” حديثه، بالتنويه إلى أن بعض الشر يفقد منطقه، حين ينزلق إلى مساحات الجنون، ويغيب عنه أي قدرة على الضبط، ويتجاوز المتوقع، مضيفاً: “هذا ما حصل في “عالم صيدنايا” تحديداً، جنون الشر، وإسفاف التعذيب، هنا يفقد المنطق قيمته، وتغيب أي زاوية للتأمل”.
ولا تقاس حال عائلة “عبد الكريم الخلف” بحال عائلة “عامر وعمران الهايس” الأخوين اللذين غيبتهما جدران سجن صيدنايا في فترتين متقاربتين من العام 2015، عندما تم اختطافهما من فوق مقاعد الدراسة في جامعتهما.
فقال “عيسى الهايس“: والد “عامر وعمران” إن التغييب الأول من أجهزة نظام البعث كان لابنه “عامر” الذي تم خطفه وتعذيبه في سجن صيدنايا خلال العام 2012 قبل أن يتم إطلاق سراحه بعد عدة أشهر.
مضيفاً: “إن الأجهزة ذاتها أعادت الكرة في العام 2015؛ حيث قامت باعتقال “عامر” من داخل كلية الهندسة المدنية في مدينة الحسكة؛ والتي كان يرتادها لإكمال دراسته، كما قامت بعد عدة أيام باعتقال أخيه الأصغر “عمران” من داخل كليته كذلك”.
وأشار “الهايس”، إلى أنه سعى للقاء بابنيه خلال وجودهما في سجن صيدنايا، إلا إن محاولاته كلها باءت بالفشل، حيث كانت تنفي الأجهزة الأمنية التابعة لنظام البعث وجودهما في سجونها. إلا إن العائلة المكلومة فوجئت في العام 2018 بإدراج الأخوين “عامر وعمران” في قوائم الوفيات التي قامت الأجهزة الأمنية بتزويد دوائر السجل المدني في الحسكة.
وحول المشاهد التي انتشرت من داخل أقبية سجن صيدنايا بعد إسقاط نظام البعث، قال “الهايس”: “أحبال الشنق اليدوي ملقاة في كل مكان على أرض السجن، ومكابس الأجساد تحوّل جثتك بعد قتلك إلى نفايات بشرية، تجري دماؤهم في مصارف المجاري، والزنازين الخالية من أي حياة؛ تؤكد أنه شر لا متناهي”.
واختتم والد المعتقلين في سجون صيدنايا عامر وعمران “عيسى الهايس”: “لا يمكن وصف منظومة الشر في “صيدنايا” سوى بأنها صدمة لإنسانيتنا جميعاً، وبيان عن حجم الشر الذي يحمله هذا النظام دون أي ملامح إنسانية، فأي نصر حظي به بشار الأسد وأعوانه بتحويل هذا البناء الهندسي الضخم إلى مقبرة للأحياء، قبل أن يتم قتلهم بأبشع الصور التي لم تخطر ببال أعتى الأشرار”.