ليلى خالد
منذ بداية الأحداث في سوريا عام ٢٠١١ مع اندلاع شرارة الثورة في درعا، اتخذت مناطق إقليم شمال وشرق سوريا مساراً آخر بانعتاقها عن سلطة الدولة ومؤسساتها، التي كانت تخدم نظاماً مستبداً ومعارضة تنشد الوصول للسلطة دون إبراز برنامج واضح المعالم، فقامت بتنظيم إدارة ذاتية ديمقراطية بهدف تسيير أمور المجتمع وفق نظام سياسي، اجتماعي، اقتصادي، ثقافي وتشكيل قوات للدفاع الذاتي من الشعوب كافة، دون أي تفرقة عنصرية مع الحفاظ على النسيج السوري بهدف ضمان أمن وسلم المنطقة.
عملوا كخلية نحل لتدبير أمورهم الحياتية وخاصة بعد خروج الثورة السورية عن مسارها السلمي بفعل تداخلات الأجندات الخارجية لتحقيق مشاريعهم الاحتلالية والغير مشروعة ولا تمت بأي مصلحة للسوريين لتتحول سوريا إلى ساحة صراع إقليمي على حساب قيم شعوبها بمكوناتهم وانتماءاتهم.
هذه التجربة فعّلت دور الفرد في المجتمع وجعلته يقوم بمسؤوليته تجاه بلده الجريح وزرعت بذور الأخوة وسقتها بمزيجٍ الدم الكردي والعربي والسرياني على بقعةٍ جغرافيةٍ احتضنت كل اللاجئين إليها وبقلبٍ وإرادةِ قوية دافعوا عنها ببسالة، المرأة كانت حاضرة بقوة في هذه التجربة الرائدة، وعملت في مؤسساتها بنسبة٥٠% وكانت الريادية في الميادين المجتمعية وأبدت بطولة يشهد لها التاريخ حتى وصل صدى شعارها الكوني “المرأة.. الحياة.. الحرية” لكل العالم.
عند التمعن بعمق في التنظيم الراقي لمناطق شمال وشرق سوريا وحالة الفوضى المنتشرة في باقي المناطق، ندرك تماماً أن الحياة وفق المعايير الأخلاقية والإنسانية لا تزال مصانة هناك، حيث الإدارة الذاتية الديمقراطية وفق الخاصية التشاركية بين كافة المكونات المجتمعية وبمساهمة قوية من المرأة الحرة والتي شكلت الركيزة القوية لهذه المناطق، فقد كان الشعب يداً بيد في التصدي للمؤامرات المحاكة ضدها لضرب اللحمة الوطنية والإدارة الرشيدة، هذه التجربة الناجحة في مناطق شمال وشرق سوريا التي هي جزء لا يتجزأ من سوريا نأمل تطبيقها في عموم سوريا، ربما تشكل إحدى سبل الحل للأزمة السورية ولملمة شتات هذا الشعب المظلوم منذ عقود والمنهك منذ ثلاثة عشر عاماً، حيث ازدادت بعد هروب الرئيس المخلوع بشار الأسد وانتشرت حالة الفوضى في أغلب المناطق السورية و نتمنى عودة الأمن والسلام إليها بأسرع وقت.
من خلال هذه الزاوية نناشد القوى الوطنية وشعوب المنطقة الاستفادة من هذه التجربة الفريدة والناجحة و بناء مؤسسات شعبية ديمقراطية مباشرة وفق الديمقراطية المباشرة من خلال مشاركة كل فئات المجتمع بعيداً عن ميولهم السياسية والأيديولوجية.