حنان عثمان
تواجه النساء في لبنان، كما النساء في كل البلدان الملتهبة، ظروفاً قاسية ومأساوية. فويلات الحروب لا تقتصر على القتل والتهجير فقط، بل إلى جانب ذلك، ما يزال العنف الممنهج يمارس ضد النساء في كل الظروف والشروط! لا بل يغدو التفنن في العنف ضد المرأة أداةَ حرب يستخدمها هذا الطرف أو ذاك وفق ما يتماشى مع رؤيته أو مصالحه أو سياساته الترهيبية للطرف الآخر! فلا يغدو هناك فارق كبير بين الساحة الخاصة والساحة العامة على صعيد العنف الممارس ضد المرأة، للأسف الشديد.
رغم كل ذلك، تساهم النساء، كل بطريقتها، في بناء السلام وتحقيق العدالة المجتمعية. ففي خضم الأزمات والصراعات المتعددة أصبحت الجهود المستمرة التي يبذلنها أكثر أهمية من أي وقت مضى. فتلك المرأة، التي ما زالت تعاني من تداعيات الحروب، إلى يومنا هذا، وخاصة في جنوب لبنان، وتتعرض لمختلف أنواع العنف في أوقات السلم من أقرب المقربين، نجدها اليوم لا تستسلم، أكان للعدوان أو للقوانين البالية والمجحفة بحقها، بل تسعى جاهدةً إلى إبراز دورها الوطني والتوعوي والتثقيفي في الميادين المختلفة، ووفق ظروف الحرب والسلم.
لذلك، نجد المنظمات والمؤسسات والجمعيات النسوية تبرز للمقدمة أكثر في أوقات الحرب، كما في أوقات السلم، من أجل تعزيز مشاركة النساء وحمايتهن وصون حقوقهن وحرياتهن. بيد أنه لا بد من القول إن النساء اللبنانيات، ورغم كل هذه التضحيات، ما زلن في بداية المشوار لاسترداد ما سُلِبَ منهنّ!
وعلى الرغم من أن لبنان اعتمد خطة عمل لتطبيق القرار الرقم 1325، الصادر عن مجلس الأمن للأمم المتحدة عن المرأة والسلام والأمن عام 2019 (لفترة 2019-2023)، تلك الخطة التي ركّزت على زيادة مشاركة المرأة في صنع القرار، وتعزيز الخطة لحماية المرأة من العنف أثناء النزاع، ومشاركتها في جهود الإغاثة والإنعاش؛ إلا إنه، ومن خلال رصد مدى وكيفية تطبيق تلك الخطة على أرض الواقع، نرى تقاعس الدولة والأحزاب السياسية على حد سواء، بشأن تطوير خطة عمل لتفعيل وبلورة دور المرأة اللبنانية في مواقع صنع القرار، حيث أن قرار الحرب والسلم ما يزال يؤخذ دون أن يكون أي دور للمرأة فيه.
خلال السلم والحرب، وبعد العدوان المزلزل الذي شن على لبنان، نرى أنه ما زالت المرأة في لبنان تسجل أدنى مستويات المشاركة السياسية، بل وحتى الإنتاجية، مقارنةً مع القوى العاملة في المنطقة والعالم. فنجدها عرضة للانتهاكات، وعرضة للاستغلال، وعرضة للبطالة أكثر من الرجل بمرّتين.
ومن أسباب انخفاض مستوى مشاركتها في الحياة الاقتصادية مثلاً، هو تجزؤ القوانين والأنظمة، أو سوء تفسيرها، فضلاً عن هيمنة النظام الذكوري المتجذر على كافة مفاصل الدولة. لكن هذا الأمر يسري على كل مجالات الحياة، دون استثناء، ما يتسبب بتجذير الأزمات واستفحالها، بدلاً من حلها وتذليلها والتغلب عليها.
لعل هذا تحديداً ما يستوجب منا الوقوف لحظة، والتمعن في خفايا الأمور، والنبش في أسباب قوتنا والتحامنا كنساء، لرسم خطة نسوية وطنية وإقليمية، تكفل وتضمن حرياتنا وحقوقنا الأساسية لأجل حياة عادلة يسودها السلام والوئام والمساواة الحقيقية بين الجنسين… إنها وظيفة ملحّة وعاجلة، لا تحتمل التأجيل!