حميد المنصوري (كاتب ومحلل سياسي)
يمثل “طوفان الأقصى” رزنامةً لتسلسل أحداث مهمة في الشرق الأوسط، من الحرب على حماس ومقتل زعيميهما في إيران وغزة، إلى جانب كسر حزب الله ومقتل حسن نصر الله، مع أهمية حقيقة اختراق إيران من الداخل بعمليات عديدة كاغتيال إسماعيل هنيه وتصدّع نظام الملالي الثيوقراطي وبروز هويات الشعوب في إيران، واليوم وصلنا لسقوط نظام البعث السوري بعد ثلاث وخمسين سنة فيها ثلاثة عشر سنة من الثورة، فهذا النظام ليس علماني كما يدّعي لأنه في حالة تأليه لعائلة الحكم وتعظيم لكل من أعضاء ومنتفعين حزب السلطة، فهو نظام كان في مسار طغاة ولصوص الاشتراكية والقومية العربية التي كانت دائماً محلاً للفساد والخراب في الشرق الأوسط، ومن حقارة النظام أيضًا به يأخذ شرعية بقائهِ بالنار والحديد مع الترويج لشعارات الصراع مع إسرائيل، إنه باختصار نظام مهزوم متخلّف تنموياً بات يشهد العالم عليه اليوم من السجون والضحايا والدمار وتجارة المخدرات والهروب من البلاد بأنهُ من أسوء الأنظمة في التاريخ. يشغل المجتمع الدولي عموماً وشعوب ودول منطقة الشرق الأوسط خاصةً مستقبل سوريا بعد البعث، فسوريا إلى أين؟ فهو سؤال يحمل مسارات عدة بعد مع وصول القوى الإسلامية إلى السلطة والتي تمثل حكومة تصريف الأعمال في سوريا حتى بداية مارس وتشكيل حكومة انتقالية.
تسود ثلاثة تصورات حول مستقبل سوريا، فالتصوّر الأول يأتي عبر الفدرالية السوريّة لأقاليم تعكس هوية سوريّة، وتحديداً الكردية والدرزية مع الحفاظ على التمثيل السياسي لبقية المكون الاجتماعي السوري، والتصور الثاني وجود النموذج السويسري في المجالس المحلية أو نظام الحكم اللامركزي، والتصور الثالث هو الحرب الأهلية بين مكونات الشعب السوري. إذا قبلنا بحقيقة إن سقوط نظام بشار الدكتاتوري تم عبر تفاهم تركي روسي بطلب من إسرائيل وموافقة أمريكية، سنجد بأن النفوذ اليهودي المتنفذ في واشنطن سيُقدم تنازلات لبوتين في أوكرانيا في مرحلة دونالد ترامب، كما أن الوضع السوري بقواته الإسلامية المتعددة والمختلفة سوف تضبطه أنقرة من منطلقات تحقيق مكاسب مع واشنطن وإسرائيل رغم حقيقة أن مثلاً تحرير الشام ليس صدامياً مع الكرد على عكس المجموعات المرتزقة التي تخدم أجندة تركيّة في محاربة الكرد، ويمكن الإشارة إلى أدلة عديدة على هذا التفاهم والمصالح بين الأطراف، مثلاً قصفت إسرائيل أسلحة النظام في دير الزور لكي تُطمئن تركيا حول عدم تزايد قوة الكرد بالحصول عليها كغنيمة. نجد من الواقعية القول بأن إسرائيل وواشنطن ستحيدان أطر الصراع التركي الكردي في سوريا بصور براجماتية وأمنية كما حدث في إقليم كردستان الذي له علاقات مصالح مع أنقرة، وبوضوح أعمق للمربع المتكون من روسيا وإسرائيل وتركيا والولايات المتحدة الذي أسقط نظام بشار فإنه يملك أدوات القوة في سوريا بدرجات مختلفة، مثلاً نجد العصا الأمريكية والإسرائيلية حاضرة للمجموعات المرتزقة في حالة عدم تحوّلها إلى المدنية وقبول تنفيذ القرار 2254، والذي ربما يخلق نظام فِدرالي أو حالة من اللامركزية، فإسرائيل تقدمت في سوريا عبر القنيطرة وجبل الشيخ ودمرت قدرات عسكرية خشية وصولها إلى أطراف متهوّرة، وهناك على الجانب الآخر بعيداً عن استخدام العصا نجد مكاسب اقتصادية وتقنية لأنقرة، وفي الحالة الروسيّة هناك أجزاء أوكرانية ستؤول إلى موسكو مع إعادة رسم الخريطة السياسية والأمنية والإيديولوجية بين أوروبا وروسيا لصالح انهيار ما يسمى تمدد الليبرالية الغربية، ومن الأهمية بمكان ذكر بأن الأطراف الفاعلة في سوريا سوف تحتفظ بأسلحتها وقواتها منها قسد الذراع العسكري لمجلس سوريا الديمقراطية، وهذا الأمر يخلق رادعاً مادياً يعزز من الحوارات والوطنية، ورسم إطاراً دستورياً ينظم أجهزة وسلطات الدولة.
منطقة الشرق الأوسط تمر بتحولات كبيرة سيتم فيها إعادة تشكيل بعض الأنظمة السياسة نحو أنظمة فِدرالية ولامركزية تعكس الهويات والحقوق لمختلف المجتمعات، وهذا ينطبق مثلاً على إيران والعراق، ومن التحولات التي قد نشهدها خروج إقليم كردستان كدولة كردية مستقلة، ومن الأهمية ذكر بأن تتساوى خشية دول المنطقة من الإسلاميين في السلطة مع نجاح الديمقراطية السوريّة التي ربما تكون نموذجاً شرقياً.
حقيقةً، من منظار الواقعية أرى سوريا تتجه نحو الفدرالية وحفظ حق التمثيل السياسي للهويات السوريّة، أما من الناحية القانونية عبر تطبيق قرار 2254 أرى سوريا تتجه نحو نظام المجالس المحلية واللامركزية، ولكن هذا يحتاج إلى ثقافة سياسية عالية تبدو غير متوفرة كثقافة. لذا؛ الفدرالية هي الحل والمستقبل والاستقرار والتقدّم لسوريا.