رفيق إبراهيم
ما حدث خلال الأيام الماضية في أرياف حلب ومركز المدينة، وبعدها في حماة وأيضاً مدن الجنوب السوري، ومن ثم السيطرة على العاصمة دمشق، بعد فرار الأسد، إثر الهجوم الذي قامت به هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة”، بالتعاون مع المجموعات المرتزقة الموالية للنظام التركي، لم يأتِ صدفة، بل تقف خلفه تركيا بالدرجة الأولى، ولكن بتوافقات دولية، مستغلةً الفراغ الذي تركته ميليشيات حزب الله اللبناني، وبعض المجموعات الأخرى التي كانت تدافع عن النظام السوري، بعدما تعرضت للضربات القاسية من قبل إسرائيل، في لبنان وسوريا.
الدلائل كلها تشير إلى وجود تنسيق بين العديد من الأطراف فيما حدث في الأيام الماضية في سوريا، حيث اتفق الجميع بإخراج المجموعات الموالية لإيران من جميع الأراضي السوريّة، وكلنا يعلم أن روسيا في مؤتمر سوتشي الأول كانت قد طلبت من تركيا صراحةً، إخراج جبهة النصرة من إدلب وأريافها وأيضاً من أرياف حلب واللاذقية، على اعتبار أن جبهة النصرة ضمن لوائح الإرهاب العالمية، والمجتمع الدولي بأجمعه اتفق على ذلك، إذاً لماذا اليوم يتم مشاركته في السيطرة على المدن السوريّة ومن ضمنها العاصمة دمشق..؟.
كي نقرأ الواقع بدقة، علينا الاتفاق حول وجود تفاهمات وخرائط جديدة في سوريا، وحسب ما تقتضي مصلحة كل طرف، وعلينا ألا نستبعد الموافقة الأمريكية البريطانية والإسرائيلية، على كل ما حدث، ونحن متفقون جميعاً أن ما يجري من تطورات عسكرية في سوريا، مرتبط بخارطة طريق خطط لها من قبل الدول الفاعلة في المنطقة الإقليمية منها والعالمية، لضرب الوجود الإيراني وقلب موازين القوى في سوريا، وبعد الضربات المتلاحقة لإسرائيل على حزب الله التي دمرت البنية القيادية والعسكرية للحزب، قال نتنياهو بأنَّه “سيرسم خارطة شرق أوسط جديدة”، وهو يعلم بأن هناك قوى إقليمية لن تقبل بالخروج من المنطقة خالية اليدين.
ومن هنا ظهرت تركيا لتحل محل النفوذ الإيراني في سوريا، واستغلت الفرصة التي لن تتكرر، لتباغت بإيعاز جبهة النصرة بمشاركة المجموعات المرتزقة الموالية لها، بالهجوم على المدن السوريّة الواحدة تلو الأخرى، ومن دون أية مقاومة تُذكر من جانب قوات النظام السوري التي انهارت وانسحبت بأقل الخسائر الممكنة، وتركيا بذلك تجاوزت الخطوط الحمراء في آستانا، وبخاصةٍ في مسألة خفض التصعيد، وكانت مصالحها أهم من كل الاتفاقات التي وقِّعت، وبخاصةٍ أن الروس منشغلون بالحرب في أوكرانيا التي تهمهم أكثر من أي موضوع آخر.
وتركيا أثبتت اليوم، إن ما يهمها من كل ما يحدث، هو أن يكون لها الحصة الأكبر من النفوذ في سوريا، بعد تقليص النفوذ الإيراني بشكلٍ كبير، الإيرانيون يتحدثون اليوم عن مؤامرة طرفاها إسرائيل وأمريكا، وقد يكون هذا الكلام سليماً، لأن الضربات الإسرائيلية القاسية التي وجهتها لأذرعها في سوريا ولبنان، أحدث فراغاً كبيراً على الأرض، وغيّرت خارطة التدخّل في سوريا.
ومن جانب آخر، يجري الحديث عن مقايضات بين روسيا وأمريكا، قد تكون أوكرانيا مقابل سوريا، وما يحدث على الأرض من تخلي موسكو عن نظام الأسد، يبدوا للوهلة الأولى بأن روسيا فعلياً تخلت عنه، ولكن المصالح الروسيّة في سوريا تستدعي بقاءها، على الرغم من تصريحاتها حول عدم تقديمها الدعم لدمشق، وليس بتلك السهولة تخليها عن سوريا، وهي كانت حتى الأمس القريب صاحبة النفوذ الأكبر فيها، وقد تكون هناك تفاهمات بين الروس للإبقاء على قواعدهم في الساحل السوري.
وفي الخلاصة يمكننا القول: إن ما يجري اليوم على الأرض السوريّة، هو إعادة ترتيب الأوراق في المعادلة السياسية، ضمن التوافقات الإقليمية والدولية، وعلى الرغم من أن محور هذا التحرك هو التخلص من إيران وميليشياتها، إلا أنه يبدو على أرض الواقع أن هناك خرائط وتفاهمات جديدة تُرسم، وفي قلب هذه الأحداث روسيا وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل، فإلى أين تسير المنطقة؟ الأيام القليلة القادمة ستوضح الكثير من الخطوط والرؤى.
