د. طه علي أحمد
مع اتجاه منطقة الشرق الأوسط نحو مستقبل أكثر التهاباً، تتزاحم في الأذهان التساؤلات حول الأسباب التي أوصلت المنطقة لوضعها الراهن. ولعل أبرز ما يفرض نفسه في هذا السياق هو السياسات التي مارستها النظم القومية تجاه إشكالية التعايش بين شعوب المنطقة، والتي تتنوع فيما بينها عرقياً ومذهبياً ولغوياً، وهو ما يُعرف بأزمة “الاندماج الوطني”.
ومع إخفاق النماذج التي تعاملت مع هذه الإشكالية ما بين القومية والدينية وأيضاً الليبرالية الرأسمالية، يقف العقل الشرق أوسطي في تيهٍ باحثاً عن مخرجٍ من هذه الإشكالية، ولعلَّه من المفارقات أن تعيش المنطقة في هذا التيه رغم وجود اجتهادات نابعة من عُمْق الثقافة الشرق أوسطية، مثل نموذج “الأمة الديمقراطية” الذي يقدمه المفكر عبد الله أوجلان كطرحٍ تتعرَّف من خلاله الأُمَّة بعيداً عن القيود التقليدية مثل اللغة والدين والإرث التاريخي، حيث تتعرَّف الأمة الديمقراطية من خلال الشعوب التي تتشارك الإرادة الحُرَّة والذهنية الواعية والرغبة في التعايش بعيداً عن الحدود التي يفرضها العِرقُ والدين واللغة.
أهمية هذا الطرح تكمن في كونه يوفر مخرجاً حضارياً بعيداً عن الاقتتال الذي يستنزف شعوب المنطقة في كافة أرجائها، لاسيما وأن هذه الأزمات تنبع من مصدرٍ واحدٍ وهو فشل مشروعات الاستيعاب القسري التي مارستها الأنظمة القومية الطورانية التركية والفارسية الإيرانية والعربية أيضاً، ونتيجة لهذا الفشل، أضحت المنطقة بصدد مشروعٍ رأسمالي عولمي بديل يرتكز على هيمنة صهيونية دموية بالأساس. في حين ترتكز الأمةُ الديمقراطية على الحَلِّ الديمقراطي الذي يشترط الوعيَ الراسِخ بأهمية التشاركية كفلسفةٍ حاكمةٍ والتخلص من الذهنية السلطوية المُهَيمِنة على إدارة المجتمع، والتي ترتكز مجتمعياً على ذهنيةٍ ذكوريةٍ مُتسَلِّطة على مستوى الأسرة.
ومع انزلاق الأزمة السوريّة لأدنى مستوياتها مع عودة انتشار التنظيمات المتطرفة للسيطرة على السلطة بدعم من السلطويات القومية القائمة، بات العقلُ الشرق أوسطي مُطالباً بمواجهةٍ التحالف القائم بين السلطويات الرأسمالية والقومية والدينية والانفتاح على “الأمة الديمقراطية”، وهو ما يستحيل بدون الانتقال من الذهنية الأحادية القائمة نحو ذهنية التشارك والتعايش وقبول الآخر.