رفيق إبراهيم
ما أن فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، حتى بدأ المسؤولون الأتراك بالدعاية فيما يخص خروج القوات الأمريكية وانسحابها من سوريا، وهذا التوقع لا يستند لأي أساس ومبررات سياسية، ولكنها تبقى في إطار التمنيات في تغيير الموقف الأمريكي تجاه سوريا، ومناطق الإدارة الذاتية، وبخاصةٍ أن ترامب وإدارته لم يوضحان كيفية التعامل مع المنطقة بخطوطها العريضة، وفيما يخص الوضع في سوريا بشكلٍ عام، ومناطق إقليم شمال وشرق سوريا بشكل خاص.
و”ليس كل ما يتمناه المرء يُدركه…”، فالتصريحات التركية تدل على تخبطها السياسي في كيفية التعامل مع الإدارة الذاتية، التي حققت الكثير من الإنجازات رغم تعرضها للهجمات المستمرة من قبل تركيا، واحتلالها عدداً من المدن كعفرين وسري كانيه وكري سبي، وللتغطية على عجزها سعت مراراً للتطبيع مع النظام في دمشق، بهدف تطويق الإدارة الذاتية وإفشال مشروعها الديمقراطي في المنطقة، ومن جهة أخرى ستحاول جاهدةً في التقارب مع إدارة ترامب القادمة، في محاولة لسحب قواتها من سوريا، وتركيا تعلم جيداً إن المصالح الأمريكية أولوية لأي رئيس أمريكي، التجربة تؤكد قولنا هذا، فعندما قرر ترامب سحب القوات الأمريكية في العام 2018، تم الاعتراض من قبل وزارة الدفاع الأمريكية، وأيضاً مجلس الشيوخ، وأوقفوا الانسحاب.
النظام التركي يراهن على تغير الموقف الأمريكي من قضية بقاء القوات الأمريكية في سوريا، ويتمنى انسحابها. لكن، الرئيس الأمريكي أياً كان لا يستطيع تنفيذ أية قرارات لوحده، لأن هناك سلطات تنفيذية وتشريعية تسيطر على القرار الأمريكي بخصوص القضايا الداخلية والخارجية الهامة، وحتى لو انسحبت القوات الأمريكية من سوريا مثلاً، هل تستطيع تركيا تنفيذ مخططاتها الاحتلالية؟، بالطبع لا لأن هناك قوى لها دورها الفاعل في الأزمة السوريّة ومنها روسيا وإيران، والتصريحات الروسيّة الأخيرة في آستانا التي رفضت أي تدخّل عسكري في إقليم شمال وشرق سوريا، خير مثال.
الإدارة الذاتية، وقوات سوريا الديمقراطية، من جهتها لا تعوّل على بقاء القوات الأمريكية من عدمها، ولكنها تعي مدى أهمية بقاء القوات الأمريكية التي تقود التحالف الدولي ضد داعش، وباعتقادي إذا ما أرادت أمريكا سحب قواتها من سوريا، عليها أولاً المساهمة مع قوات سوريا الديمقراطية في القضاء على الإرهاب، وأيضاً ضمان عملية الأمن والاستقرار في إقليم شمال وشرق سوريا، هذا إن انسحبت القوات الأمريكية، وترامب بنفسه انتقد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ووصفه بالخطأ الكبير، والأمر الآخر أن المصالح الأمريكية تتطلب اليوم بقاء هذه القوات في سوريا.
الانسحاب الأمريكي من سوريا لا يتعلق بالأوضاع فيها فقط، بل هو مرتبط بالحفاظ على الأمن القومي الأمريكي، وضرورة بقائها مرتبطة بما يجري في المنطقة وبخاصةٍ التدخل الإيراني في سوريا والعراق ولنبان، لذلك أن أي انسحاب أمريكي من سوريا سيكون له تداعيات على السياسية الخارجية الأمريكية، ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط عامةً، وبقائها مرهون بالأوضاع والصراعات العامة في المنطقة، وأي حديث عن انسحاب واشنطن من سوريا والعراق، أمر مُستبعد على المدى القريب والمتوسط على الأقل، والسياسية الأمريكية لا تُحبذ ترك الساحة في خضم الحروب والصراعات المستمرة فيها، وأيضاً سيكون المستفيد الأول من الانسحاب هو إيران وحلفائها في سوريا والعراق ولبنان.
النظام التركي يُصرُّ على أنه على أمريكا تغيير سياساتها وخفض دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، الحليف الأول لها في المنطقة، في القضاء على داعش والإرهاب، والمسؤولين الأتراك يُمنون النفس بتغيير السياسيات الأمريكية تجاه “قسد” والإدارة الذاتية، ويأملون بأن يحققوا من خلال إدارة ترامب القادمة ما يصبون إليه، ولكن، ومن خلال التعيينات التي اختارها ترامب لتشكيل حكومته، يبدو أن التمنيات التركية تذهب أدراج الرياح شيئاً فشيئاً، ووفقاً للمعلومات التي أصدرها البنتاغون، فإن عدد القوات الأمريكية في سوريا يبلغ حوالي 900 جندياً.
ومع فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية، بدأ أردوغان بالتحدث عن هجوم جديد على مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، واحتلال مناطق جديدة، بعمق حوالي 40 كيلومتراً، وبالطبع كما هو معلوم يتبجح دائماً بإعادة السوريين إليها، وأيضاً وجود خطر على أمن بلاده، وأكد من خلال حديثه، أنه سيواصل المحادثات مع إدارة ترامب لإقناعه بوجوب التدخّل العسكري في سوريا وإعادة السوريين إلى بلادهم كما يدّعي.
ترامب سيتسلم السلطة في بداية العام المُقبل، وكما يقول المثل الشعبي، “سيذوب الثلج ويبان المرج”، ستتوضح حينها الخطوط العريضة لسياساته في المنطقة والعالم، وعندها سيبدو الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وبخاصةٍ تجاه إقليم شمال وشرق سوريا، والآمال التركيّة في السماح لهم بهجوم جديد على المنطقة واحتلال مساحات جديدة، ولكن هل من المعقول السماح لتركيا باجتياح جديد، وبخاصةٍ أن ترامب أكد في خطاباته الماضية أن سياساته ستتجه تجاه الحلول لا إلى الصراعات والحروب، فلننتظر والأيام القادمة ستكشف مدى صدق ترامب في تنفيذ أقواله على الأرض.