هيفيدار خالد
شنَّت هيئةُ تحرير الشام الإرهابية “جبهة النصرة سابقاً” هجوماً كبيراً ضدَّ قوات حكومة دمشق، في ريف حلب الغربي وسيطرت بشكلٍ سريع على أكثر من 60 قرية وبلدة بالمنطقة في حين سيطرت خلال يوم واحد على نصف أحياء مدينة حلب حتى منتصف ليلة 29-30 تشرين الثاني، وأسفرت الاشتباكاتُ التي اندلعت بين الطرفين عن مقتل أكثر من 300 عنصرٍ من قوات الحكومة وهيئة تحرير الشام الإرهابية في شمال سوريا.
توقيتُ الهجوم الكبير هذا والذي من المؤكَّد أنه بحاجةٍ لطرف إقليمي لتنفيذه، والذي كان مفاجئاً نوعاً ما بالنسبة إلى المُراقبين للشأن السوري، أثارَ العديد من التساؤلات حول أهداف الهجوم والغاية الرئيسة منه في هذا التوقيت تحديداً؛ وذلك من خلال متابعة الأوضاع الأخيرة على الساحة السوريّة التي تشهدُ تطوراتٍ متسارعة مع التصعيد الإسرائيلي ضدَّ حزب الله وإيران، والهجماتِ التركية المستمرة ضدَّ مناطقِ شمال وشرق سوريا، فإننا نستطيع القول بأنَّ توقيتَ هذا الهجوم له دلالات عديدة، فهجومُ هيئة تحرير الشام الإرهابية، تزامنَ مع دعوات النظام التركي المستمرة لعودة العلاقات بين دمشق وأنقرة والتطبيع من جديد، فمن المؤكد أنَّ هذا الهجوم نُفِّذ بإيعازٍ وضوءٍ أخضرَ تركيٍّ، كمان أنَّه ربما يُشكِّل ورقةَ ضغط من الجانب التركي ضدَّ مساعي حكومة دمشق وسياساتها تجاه مناشدات أنقرة، ورداً على مواقفِ دمشقَ الواضحةِ بهذه الخصوص ألا وهي تمسُّكُها بمطالبها التي تؤكدُ ضرورةَ سحب تركيا لقواتها من الأراضي السوريّة كشرطٍ أساسيٍّ للتطبيع معها أو العودة للجلوس إلى طاولة الحوار مرةً أخرى.
تركيا التي تعاني أزمةً داخليةً كبيرة تحاولُ من خلال هذه التحركات والهجمات المتكررة تحقيقَ مكاسبَ جديدة في المنطقة؛ على الجانب الآخر تمرُّ مناطق حكومة دمشق بمرحلةٍ صعبة للغاية وتعيشُ أزماتٍ كبيرةً من النواحي كلها، الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وليس لديها موقف قوي وواضح حتى الآن تجاه التدخّلات الخارجية في شؤونها والتي تستهدف سيادتها، بطبيعة الحال هذه التطورات الخطيرة لا تخدم أيَّ طرف سوري كان في الوقت الحالي، فحكومة دمشق غيرُ قادرةٍ على ردِّ هذه الهجمات بمفردها إذا لم تمدَّ كلٌّ من روسيا وإيران أيديهما لانتشالها من وحلِ تلك الأزمات، فكما هو معروفٌ؛ فإنَّ تركيا هي دولةٌ محتلَّةٌ ولها أطماعٌ تاريخية في مدينة حلب السوريّة؛ إذ تخرجُ بين الفينة والأخرى وبكل المناسبات لِتُدليَ بتصريحاتٍ حول أطماعها هناك، وكأنَّها -من خلال حديثهم- ولايةٌ تركيّة ويجب أن تعودَ لأصحابها في إشارة إلى تركيا .
حتى الآن جميعُ المؤشرات على الأرض غيرُ واضحة، خاصَّةً بهذا الهجوم الكبير، فما الغايةُ الأساسية منه؟ لكنَّ النقطةَ الواضحةَ وعلى الجميع معرفتُها بأنَّ حكومة دمشق لن تتخلَّى عن حلبَ بمحضِ إرادتها، لا لأنَّها تريدُ الحفاظَ على رقعتها الجغرافية فقط؛ بل لأنَّها منطقةٌ تجارية اقتصادية مُهمَّةٌ بالنسبة إليها، والجميعُ يترقَّبُ السيناريوهاتِ المحتملةَ لهذه التحركات والتطورات في المشهد هناك، والسؤال الذي يُطرَح، هل ستسمحُ روسيا لهيئة تحرير الشام أن تسيطر على حلب التي تُعَدُّ العاصمةَ الاقتصاديةَ بالنسبة لسوريا، أو أنَّ الميدان والأطراف الأخرى ستُحدِّد الخارطةَ الجديدةَ؟