د. محمود فاروق إبراهيم (رئيس مركز الماسة للدراسات والأبحاث والاستشارات وحقوق المرأة وتمكينها والتدريب)
تتركز النزاعات المسلحة في العالم، وبشكل رئيسي في مناطق تعاني من أوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية هشة مما يخلق بيئة غير مستقرة تؤثر على حياة الأطفال والشباب بطرق عميقة، حيث يعيش هؤلاء الأطفال والشباب في واقعٍ يصعب فيه النمو النفسي والاجتماعي ويصبح بناء الهوية تحدياً شاقاً نتيجة للضغوط المستمرة.
وتتجلى هذه الصعوبات في عدة نواحٍ أساسية تشمل الصحة النفسية وفرص التعليم والتعرض للعنف بالإضافة إلى التهميش الاجتماعي والاقتصادي.
العوامل النفسية والاجتماعية
يشهد الأطفال والشباب في مناطق النزاع تجارب مؤلمة ومؤثرة نفسياً كفقدان الأهل والأصدقاء والنزوح المستمر والإصابة أو التهديد بالإصابة، حيث تؤدي هذه التجارب إلى ارتفاع مستويات التوتر والاكتئاب والقلق وقد تُظهر هذه الفئة أعراض اضطرابات نفسية طويلة الأمد كاضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات سلوكية أخرى.
ونتيجة لهذه التجارب يصعب على الأطفال والشباب بناء هوية قوية ومتماسكة، إذ تصبح تجاربهم الشخصية مشوشة ومتأثرة بالبيئة السلبية التي تحيط بهم.
تحديات التعليم والتنمية المعرفية
غالباً ما يكون التعليم أول ضحايا النزاعات حيث تُغلق المدارس، ويصبح الوصول إلى الخدمات التعليمية محدوداً في بعض الحالات، وكذلك تُستخدم المدارس كملاجئ أو مراكز عسكرية مما يحرم الأطفال والشباب من مكان آمن للتعلم، فبدون التعليم يفقد الشباب فرصتهم في اكتساب المهارات والمعارف اللازمة لبناء حياة مستقرة في المستقبل، كما أن غياب التعليم يُعمّق الفجوة الاجتماعية ويُسهم في تكريس دائرة الفقر والتهميش.
التعرض للعنف وتأثيراته العميقة
ويتعرض الأطفال والشباب في مناطق النزاع لمختلف أنواع العنف سواء كان ذلك عنفاً مباشراً كالقتال والانفجارات، أو عنفاً غير مباشر من خلال القوانين والممارسات التي تقيّد حقوقهم الأساسية؛ فتنتج عن ذلك بيئة غير آمنة تؤثر على نموهم الجسدي والعقلي، حيث يصبح العنف جزءاً من تجربتهم اليومية، ويزيد من احتمال تبنيهم سلوكيات عنيفة في المستقبل كما يزيد من صعوبة بناء هوية مستقرة إذ تكون هذه الهوية مرتبطة بشكل غير صحي بالخوف والصراع.
الانخراط في النزاع وتأثيراته على الهوية
ومن الأخطار الكبيرة التي تواجه الأطفال والشباب في مناطق النزاع هي تجنيدهم من الجماعات المسلحة بحيث يصبح هؤلاء الأطفال والشباب جزءاً من الصراع مما يؤثر بشكل جذري على رؤيتهم لأنفسهم وللآخرين، حيث يؤثر هذا التجنيد على تطور الهوية إذ يصبح لديهم ولاءً قسرياً للجماعات التي ينضمون إليها ويتم تحويل تجربتهم من أطفال إلى جنود يحملون السلاح ويتعلمون العنف بدل من القيم الإنسانية والتعليم.
التحديات الاقتصادية والاجتماعية
في ظل النزاعات تعاني المناطق من انعدام فرص العمل وتدهور الأوضاع الاقتصادية يتسبب ذلك في تزايد الفقر، الذي يدفع الأطفال والشباب إلى العمل في سن مبكرة أو الانخراط في أنشطة غير قانونية لتأمين لقمة العيش، ويؤثر ذلك على نظرتهم للحياة ويزيد من صعوبة بناء هويتهم بطريقة صحية ومستقرة كما تتراجع فكرة الأمان والاستقرار من أذهانهم، ويصبح التركيز على الكفاح اليومي من أجل البقاء هو محور حياتهم.
دور المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان
ويُعتبر دعم المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان ضرورياً في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي والتعليمي لهؤلاء الأطفال والشباب، حيث يمكن لهذه الجهود أن توفر بيئات مؤقتة آمنة للتعلم وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي اللازم لإعادة تأهيل الأطفال المتأثرين بالنزاع، كما يمكنها دعم المجتمعات المحلية لبناء آليات تضمن إعادة إدماج الأطفال والشباب في المجتمع بطريقة تساهم في إعادة بناء الهوية وتحقيق تطور نفسي واجتماعي صحي.
لذا؛ فإن قضايا الأطفال والشباب في مناطق النزاع تمثل أزمة متعددة الأبعاد تتطلب استجابة عاجلة وشاملة، فالنمو النفسي والاجتماعي وبناء الهوية هما حجر الأساس لمستقبل أكثر استقراراً وسلاماً إذ إنّ الأجيال الشابة هي المحرك الأساسي لبناء مجتمعات قوية وقادرة على مواجهة التحديات.