استيرك كلو
مسيرة حملت بين طياتها أكبر المعارك وتجاوزت أكبر الحدود حتى يسمع العالم بمضمونها الثوري، الذي كافحت المرأة لتحقيقه رغم جميع أنواع العنف المولود من استسلام الرجل الضعيف. مقتل الأخوات الثلاثة ميرابال في عام 1960 سياسة ذكورية عرفها تاريخ الهيمنة ضد المرأة كأول مستعمرة منذ نشأة البشرية، كما وصفها القائد عبدا لله أوجلان، الصراع الطبقي ركز بكل ثِقله على التمييز الجنسي الذي يعتبر في جوهره إعلان حرب إبادة ضد وجود المرأة كقوة فاعلة في تنشيط المجتمع وتطويره.
سياسة العنف الممنهجة ضد المرأة، خُلاصة لعقلية التسلط والاستبداد الذي استمد منه النظام الذكوري قوته، بالمقابل أبدت المرأة كفاحاً لا يمكن الاستهانة به ضد هذه الذهنية التي تسربت إلى أدق تفاصيل حياتها وتحت مسميات عديدة باسم مواكبة العصر حيناً وللحد من وجودها كطاقة وجودية رائعة لبناء المجتمع وتطويره حيناً آخر. المرأة أرض خصبة لميلاد جديد، ووجودها لا يعني مناهضة العنف فحسب، بل تجسيد المقومات الحقيقية لحياة إنسانية خارج دائرة حروب الهيمنة التي تؤدي بالشعوب وعلى رأسها المرأة إلى الهلاك المحتوم.
نتابع يومياً أرقام صادمة لقتل وتعنيف وانتحار النساء، من دون أن يرف جفن هذا النظام العاجز العقيم. بالطبع لا يمكن أن نأمل من هكذا نظام تحوّلاً إيجابياً؛ لأن الثورة في حقيقتها من المهام الأولية في عصرنا والذي نسميه عصر المرأة الحرة. المرأة تناهض العنف حتى قبل إعلان 25 من تشرين الثاني كيوم مناهضة العنف ضد المرأة،. ولكن؛ علينا أن نتخذ من هذا اليوم روحاً وفكرة لاتخاذ أماكننا في الجبهات الأولى من الكفاح ضد النظام الرأسمالي الذي لا يقبل بوجود المرأة الحرة، حتى إن حاول مكيجتها بألف شكل وشكل كما هو موجود الآن.
هجمات النظام الرأسمالي مستمرة ضد المرأة وبأعنف أشكالها يومياً، الاغتصاب إبادة والحرب إبادة، أما استخدام بدن المرأة فيُعتبر أشد أنواع الإبادات في عصرنا. المسيرة النسائية مستمرة بشكلٍ أو بآخر، حيث قاومنَ بفكرهن وعقولهن كقوة فاعلة في البناء والتطوير عبر التنظيمات والاتحادات بعد أن وجدنَ الحاجة الضرورية لمثل هذه الخطوات، ففي كردستان واعتماداً على فكر وأيديولوجية المرأة الحرة أقدمن على أعظم الخطوات التي أدهشت العالم، خلال سنوات المقاومة في الجبال والسهول والمدن والقرى. ثوريات احتفظن بقيم الآلهة الأم ضد مكر وحيل الرجل إيماناً بوجود هذه القوة التي تصبو إلى الحرية من دون الاعتراف بأية عواقب مهما كانت صعوبتها، رداً على سياسة إبادة الجنس والهوية، وكان آخرها العملية الفدائية للمناضلة الثورية آسيا علي التي هزت عرش أنقرة مع رفيق دربها روجكر هيلين. هذا المثل العظيم في مدى صحة خطوات المرأة نحو التحول وبناء المجتمعي الديمقراطي، حيث لم تكتفِ المرأة بدفع ذاتها بل تدفع بالرجل إلى مسار الحرية وتتخذ من هذا الدفع مسؤولية تاريخية على عاتقها.
وصلتنا بوصلة مقاومة الأخوات الثلاثة ميرابال إلى انتفاضة بدأت من روح “المرأة.. الحياة.. الحرية”. أبهجت هذه الانتفاضة قلوب جميع النساء في العالم لتتردد على ألسنتهم هذه الكلمات الثلاثة بشوقٍ وعظمة فاقت لهفة تراقص جناحات الفراشات حول النار.