المشاهدات 26
زاوية الدين والحياة ـ محمد القادري
ننظر دائماً من الناحية العاطفية إلى تاريخ الإنسانية والإنسان الأول والأسرة الأولى، وما تناسل منها في المجتمع الإنساني البشري إلى يومنا هذا، ونتناسى ما يذكره الدين والكتب المقدسة السماوية، التي يدين لها أكثر من ثلثي سكان هذا الكوكب، ويؤمنون بها ويعتقدون حتمية مصداقيتها، وإذا نظرنا من خلال البحث والتدقيق في النصوص المقدسة من شخصية الإنسان الأول آدم عليه السلام، الذي نعدُّه أبا البشرية جمعاء، نرى أنه حينما كان مع زوجته حواء في الجنة، وجميع ما أعطاهم الله سبحانه وتعالى من النعم، فإنهما خالفا أمر الله واتبعا شهوة النفس ثم أنه ندما وتابا إلى الله، ثم بعد الخطيئة تناسلا في الأرض، وكانت الأسرة الأولى والخلية الأولى في المجتمع البشري، وكان الراعي لها والقائم على تربيتها هو آدم النبي، وأيضاً في هذه الأسرة وقعت أول جريمة قتل إنسانية على وجه الأرض، حيث أن قابيل قتل أخاه هابيل كما يروى من أجل أن يتزوج اخته الجميلة، لذلك قال الله سبحانه وتعالى: “مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ”، وهذا مقياس متوازن إذا كان تناسل البشرية الآن سبع مليارات على وجه الأرض، فإنه سيكون 14 ملياراً إن لم يقتل قابيل هابيل، وحينما نفكر كيف حدثت هذه الجريمة في عائلة وحيدة، وأبوها نبي تتضاءل بشدة إمكانية الوصول إلى مجتمع بشري إنساني مسالم خالٍ من النزاعات والصراعات، فإذا تتبعنا ذلك التاريخ في الكتب المقدسة، نرى ما حصل من الكوارث في هذه المجتمعات، نرى أن في بيت نوح عليه السلام وهو الأب الثاني للبشر، كيف أن زوجته كانت تقول للناس: “اتركوه أنه مجنون، أنه يصنع السفينة في هذه الصحراء، لا تسمع لكلامه إنه إنسان خرف”، وابنه كنعان أيضاً لم يلبِّ نداء أبيه حين قال له: “هِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ”، قال: “قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ”، مع العلم أن سيدنا نوح هو أول الرسل الخمسة أولي العزم ونمر بأحفاد سيدنا إبراهيم فنرى أولاد يعقوب كيف تآمروا على أخيهم يوسف، والقوة في غيابة الجب، ونمر بسيدنا لوط الذي كان إبراهيم عليه السلام عمه كيف أن امرأته كانت من الغابرين، وكانت تخبر قومه ليأتوا إلى أخذ ضيوفه وافتعال الفاحشة بهم، ثم نمر بموسى عليه الصلاة والسلام فنرى ماذا فعل بني إسرائيل بأخيه هارون، وكيف أنهم عبدوا العجل ثم إنهم كانوا يصفون موسى بأوصاف بذيئة ويغتابونه في غيابه بعد أن نجاهم الله سبحانه وتعالى من فرعون وجنوده، ثم نمر بسيدنا عيسى عليه السلام الذي وصفه الله بقوله: “إنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ”، وكان يحيي الموتى بأذن الله وأعطاه الله من القدرات حتى جعله بعضهم رباً وإلهاً، أما البعض الآخر فقالوا إنا قتلنا المسيح ابن مريم، وقاموا بصلبه على حد اعتقادهم، ثم نأتي إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أن عائلته الأقربين بعضهم ثار عليه، ولم يقبل دعوته كمثل عمه أبو لهب، الذي قال له: “تباً لك يا محمد اجمعتنا لهذا فنزلت فيه آية تبت يدا أبي لهب وتب”، لذلك هذا المجتمع البشري الذي لم يرضخ للرسالات السماوية وللمعجزات والبراهين لا زال في صراع بين الحق والباطل بين الخير والشر، وقد كانت فيه ثورات كثيرة لا تعد ولا تحصى في جميع القوميات والجنسيات والألوان والأماكن تدعو إلى الحق والعدالة والسلام والمؤاخاة، ولكن حتى الآن لا توجد هناك جنة على وجه الأرض يعمها السلام والأمان.