ليلى خالد
الأمومة هي من أعظم أدوار المرأة في التاريخ، فهي ليست مجرد عملية بيولوجية بل تعبير عن علاقة فطرية تجمع بين العطاء والحب، إلا أن التحولات الاجتماعية والسياسية، التي خضعت لها المرأة، خاصةً في ظل الأنظمة الأبوية، والدول السلطوية، جعلت هذا الدور أداة هيمنة متبادلة، محمّلة بتناقضات القوة والضعف.
منذ أن فقدت المرأة كثيراً من حقوقها الطبيعية؛ بفعل السلطة والهياكل المجتمعية، التي تشكلت بعد الهرمية، تحولت الأمومة إلى الوظيفة الأساسية، التي بقيت بحوزتها، وأصبحت أمومتها أداة مزدوجة؛ فهي من جهة تُغدق مشاعر الحب والعطاء على أطفالها، ومن جهة أخرى تفرض عليهم هيمنة مكتسبة تزرع فيهم تصوراتها عن الحياة، أحياناً على حساب أحلامهم ورغباتهم الذاتية.
وأحياناً لا تترك لهم المجال في إعطائهم الفرصة لتمثيل ذواتهم، ولا تتردد في إبعادهم عن رغبات زوجها أحياناً، فالرجل، الذي بدوره يعاني ضغوطاً من السلطة الأكبر، يفرغ هذه الضغوط على المرأة بأساليب قهرية؛ ما يدفعها إلى تقليد النموذج نفسه مع الحلقة الأضعف: الأطفال، وأحياناً الحيوانات الأليفة والمحيط الاجتماعي القريب.
ولا تتردد المرأة في بسط سلطتها على المحيط من حولها أيضاً، لتراكمات طويلة من الظلم الاجتماعي والسلطوي، الذي تعرضت له لتغدو كائناً مستنسخاً من شكل الهيمنة الذكورية والسلطة، مدركةً تماماً بأن قوتها وسلطتها العامة المخبأة خلف سلطتها الخاصة ستظهر يوماً ما، هذه الصفات لم تكن من طبيعتها الفطرية والجوهرية أبداً، فقد أفرزت منها طبيعة مخالفة تماماً عن طبيعتها فتحولت أمومتها إلى هيمنة وسلطة، وربما ثأر، وهذا ما حصل بعد انفتاحها الكبير على الحياة وانخراطها المؤثر في الساحة الاجتماعية والعملية في عصرنا هذا الذي نعيشه.
هذا الدور المركب جعل المرأة كائناً يحمل في داخله مزيجاً متناقضاً من القوة والضعف كما أشار فرويد في تحليله للأحلام، حيث يظهر التناقض بين الإيجابي والسلبي كوجهين لعملة واحدة، رغم أن القوة والضعف منفصلان ومتناقضان لكنهما ينموان في العالم الداخلي، فالأم تجد نفسها في هذه الدورة المتكررة، فتسعى لإظهار قوتها المكتسبة كوسيلة دفاعية ضد قهرها.
عندما نقيم ما آلت إليه المرأة، والأم من انحراف عن الطبيعة الجوهرية، وما تعرضت له في ظل السلطة والدولة، ندرك تماماً مدى الهشاشة، التي يعاني منها الفرد الذي ترعرع في أحضانها، فهذا الانحراف عن الطبيعة الجوهرية للأمومة، أفرز آثاراً سلبية على الأطفال الذين ينشئون في هذا الجو، فهم يكبرون فاقدين حس المسؤولية والإرادة الحرة، وتتكون لديهم خصائص السلطة والاتكالية، بعيداً عن العقل الجمعي والقيم الأخلاقية في بناء شخصيتهم الفاعلة فهم كبروا وفق خصائص السلطة وصفة الاتكالية بعيداً عن القيم الأخلاقية والمسؤولية والإرادة الحرة.
اليوم، تقع على عاتق المرأة مسؤولية كبرى للعودة إلى ذاتها الجوهرية، واستعادة التوازن في علاقتها مع أطفالها ومجتمعها من خلال التعمق في تاريخها الحافل بالعطاء، فالمرأة هي صانعة التغيير. لذا؛ إعادة العلاقة المقدسة بين المرأة والمجتمع والأم وأبنائها باتت حاجة ملحة لبناء عائلة ديمقراطية حرة مبنية على العلاقة الندية التشاركية بريادة المرأة المدركة لكينونتها، وتجيد ذاتها الفعالة فحكماً الحرية تليق بها.