دجوار أحمد آغا
عندما تعلم بأنك تعيش على أرض غيرك، تسعى دوماً إلى إنهاء هذا الغير، والقضاء عليه بشتى السبل الممكنة للاحتفاظ بهذه الأرض إلى الأبد، وهذا هو حال المحتل التركي مع شعوب الشرق الأوسط الأصليين (الكرد، العرب، الفرس، الأرمن، الآشور والسريان، وغيرهم)، فالأتراك قوم طارئون على المنطقة، وليسوا من الأقوام التي عاشت هنا منذ آلاف السنين، وليس أصحاب حضارات عريقة وتاريخ مشرّف، على العكس من ذلك، هم نزحوا من آسيا الوسطى وصحراء قره قوم موطنهم الأصلي بحثاً عن الأراضي الخصبة، فيما استقر بهم المقام في كردستان والأناضول التي كانت ترزح تحت الاحتلال الروماني.
استغل المحتل التركي مسألة الدين الإسلامي، واحتلوا الكثير من المناطق، وأقاموا إمبراطورية مترامية الأطراف (السلطنة العثمانية)، ولم يتوانَ الأتراك عن ارتكاب المجازر الوحشية بحق الشعوب التي احتلوا بلدانها (البلغار، اليونان، الصرب، وصولاً الى الأرمن، الكرد، العرب، السريان والآشور)، لذلك، سنتحدث هنا عن إحدى المجازر الحديثة التي ارتكبها أحفاد العثمانيين، لكننا سنلقي أولاً نظرة خاطفة على مذابح العثمانيين الأتراك بحق شعوب المنطقة.
المجازر خلال الحقبة العثمانية
وارتبط تاريخ العثمانيين بالمذابح والإبادات الجماعية بحق شعوب البلدان، التي احتلوها، وسوف نذكر هنا بعض النماذج من تلك العمليات الوحشية والهمجية التي يندى لها جبين البشرية.
– مذبحة التل: في حلب سنة 1516 وقدر عدد الضحايا بنحو 90 ألفاً من الرجال والنساء والأطفال من الطائفة العلوية. سُميت بمذبحة التل، لأن العثمانيين جمعوا رؤوس الضحايا وكدّسوها في وسط المدينة على شكل تل كبير.
– مذبحة المماليك: التي جرت في العام 1517 راح ضحيتها الآلاف من المصريين منهم نحو 800 من الأمراء بينهم والي مصر “الأمير كرنباس” وآخر سلاطين المماليك في مصر “طومان باي”، الذي تم إعدامه في باب زويلة بالقاهرة.
– مذبحة “النيازيون”: وهي التي ارتكبها العثمانيون ضد النبلاء الصرب عام 1804 في الساحة المركزية لمدينة “فالييفو” الصربية، وكلمة النيازيون تعني “الدوق المحلي” الذين تم إعدامهم من جانب المجلس الإنكشاري العثماني.
– مجزرة القسطنطينية: جرت أحداثها خلال العام 1821، حيث قامت السلطات العثمانية بعمليات إعدام جماعية ضد المجتمع اليوناني في مدينة القسطنطينية “إسطنبول”، انتقاماً لقيام حرب الاستقلال اليونانية (1821-1830)، وذبح المئات من التجار اليونانيين وتدمير الكنائس ونهب الممتلكات.
– مجزرة كربلاء 1842: حيث أقام العثمانيون المذابح في كربلاء وقاموا بقتل ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص من النساء والأطفال والرجال من الطائفة الشيعية، وهدموا المساجد ودنّسوا أضرحة آل البيت.
– بلغاريا: وقد حدثت انتفاضة شعبية في بلغاريا ضد الاحتلال العثماني عام 1876، لكن العثمانيين قمعوا هذه الانتفاضة بالحديد والنار ووفق الكثير من المؤرخين خلال تلك الحقبة، ذكروا بأنه تم تدمير 85 قرية، وهدم خمسة أديرة ومقتل ما لا يقل عن 30 ألف شخص.
المحرقة الأرمنية ومذابح السيفو
وما تعرّض له الشعب الأرمني على يد العثمانيين ومن بعدهم الأتراك، يستحق أن يوصف بالمذبحة، المحرقة، الإبادة الجماعية، فالخطة كانت ممنهجة بشكل متعمّد بهدف القضاء على الشعب الأرمني، وإنهاء وجوده في أرمينيا الغربية، حيث بدأت المجزرة الأولى على يد العثمانيين من أجل تطهير عرقي، وذلك عبر عمليات الترحيل القسري والتي كانت عبارة عن رحلة إلى الموت، حيث كان يتم الترحيل في ظروف قاسية وقاهرة تؤدي إلى موت المرحلين.
فأكثر من مليون ونصف من الأرمن الأبرياء، قضوا في هذه المجازر سواء عبر عمليات الإعدام، التي كانت تتم بقطع الرأس بالسيف أو من خلال الإعدامات الجماعية، أهوال وفظائع ارتكبت بحق الناس والأطفال، عمليات الاغتصاب، بقر البطون، تعليق النساء على الأعواد وصلبها وهن عراة، كما جرت مذابح فظيعة بحق السريان والآشوريين سميت “مذابح سيفو” بسبب كثرة استخدام السيوف في عمليات القتل. تم اعتماد يوم 25 نيسان من كل عام للاحتفال بهذه المناسبة الأليمة، بالإضافة الى ترحيل أعداد كبيرة منهم إلى داخل الأناضول بعيداً عن موطنهم الأصلي.
المجازر والمذابح بحق الكرد
وأما الكرد، فالمجازر والمذابح التي ارتكبها العثمانيون ومن بعدهم أحفادهم الأتراك، لا تعد ولا تُحصى، يكفي أن نذكر أنهم قد أصدروا 74 فرماناً بحق الكرد الإيزيديين (الفرمان بمثابة إعلان حرب وارتكاب مجزرة)، بالإضافة الى المجازر التي ارتكبوها خلال إخماد الثورات والانتفاضات الكردية العديدة في مناطق ديرسم، أكري، آمد، هكاري، وان، موش، بينغول، وغيرها من مدن وبلدات باكور كردستان، ولم يكتفوا بمناطق باكور بل امتدت جرائمهم الى الأجزاء الأخرى من كردستان سواء باشور أو روج آفا وحتى روجهلات.
السعي من أجل القضاء على الإدارة الذاتية
ومنذ اللحظة الأولى لإعلان الإدارة الذاتية في روج آفا ومناطق إقليم شمال وشرق سوريا، ودولة الاحتلال التركي لم تستكين ولم تهدأ لها بال، خائفة، مرعوبة، تعيش حالة من الغليان خوفاً من ولادة كردستان، هاجسها الأوحد على مر العصور، كيف لا وعلى الرغم من مرور 20 عاماً على الاعتراف الرسمي بإقليم كردستان العراق، وهي حتى الآن لم تستطع أن تلفظ اسم كردستان وتقول عوضاً عنها (شمال العراق).
لذا، فهي تعمل جاهدة وبكل قوتها من أجل منع قيام أي كيان مهما كانت تسميته، يمنح الكرد حقوقهم المشروعة في التحدث بلغتهم الأم والعيش على أرضهم بحرية وسلام وديمقراطية، فها هي ترتكب الجرائم بشكل شبه يومي بحق الكرد من خلال القصف المستمر لمناطق روج آفا وشمال وشرق سوريا ولا تُفرّق بين طفل، وامرأة، وشيخ طاعن بالسن.
لارتكاب الجرائم.. الذريعة جاهزة
وعلى الرغم من أنها لا تحتاج إلى ذرائع لارتكاب جرائمها الوحشية بحق شعوب روج آفا وشمال وشرق سوريا، إلا أنها ولذر الرماد في العيون كما يُقال، تتذرع في كل مرة بحجة غير مقبولة ولا ترتبط لا من قريب ولا من بعيد بروج آفا ولا بشعوبها.
وحسب إحصائية أجرتها وكالة هاوار للأنباء، منذ العام 2012 وحتى الآن، ارتكبت سلطات دولة الاحتلال التركي أكثر من 33 مجزرة ضد شعوب روج آفا وشمال وشرق سوريا، أسفرت عن استشهاد ما يزيد عن 2300 شخص وإصابة المئات بجروح، وهكذا فقد تذرّعت دولة الاحتلال التركي بالانفجار، الذي حدث بشارع الاستقلال في إسطنبول بتاريخ 13 تشرين الثاني 2022 والذي أسفر عن سقوط ستة قتلى و81 جريحاً واتهام حزب العمال الكردستاني بالوقوف خلف العملية وربط وحدات حماية الشعب والمرأة بما جرى، حيث قام بقصف مناطق روج آفا وشمال وشرق سوري بغارات جوية بالطائرات الحربية والمسيرات واستخدام المدفعية الثقيلة.
مجزرة “تقل بقل”
وتعرّضت الكثير من مناطق روج آفا وإقليم شمال وشرق سوريا للقصف الوحشي الغادر من جانب دولة الاحتلال التركي على طول الحدود الممتدّة من ديرك إلى منبج وعفرين. الهجوم الأعنف والأشدّ قوة، كان بغارة جوية في منتصف ليلة 19ـ 20 / تشرين الثاني 2022 على محطة تحويل الكهرباء في قرية “تقل بقل” بريف ديرك، الأمر الذي أدى الى استشهاد أحد العاملين في شركة الكهرباء وإصابة آخرين بجروح بالإضافة إلى إحداث دمار كبير وأضرار بالغة بالمحطة.
وبعد حدوث الغارة الأولى وتجمّع الأهالي من أجل انقاذ المصابين وإطفاء الحرائق الناجمة عن الغارة، قامت طائرات الاحتلال التركي بشن غارة ثانية؛ ما أدى الى استشهاد عشرة أشخاص آخرين، بينهم مراسل وكالة هاوار للأنباء، الصحفي الشاب “عصام عبد الله”.
قسد.. الردّ بحزم
وعلى الرغم من انشغال قوات سوريا الديمقراطية بمواجهة خلايا داعش النائمة، إلا أنها أكّدت في بيان صادر عن القيادة العامة على أنها سوف ترد في الوقت والمكان المناسبين، وقد جاء في البيان: “إن دولة الاحتلال التركي قد أظهرت مرة أخرى وجهها الحقيقي الفاشي المُتَّسِم بالإبادة ومعاداة الشعوب، وهي لا تتحمّل رؤية الاستقرار والعيش المشترك للشعوب في مناطق شمال وشرق سوريا. إن هذه الهجمات لا تستهدف الشعب الكردي وحده، بل تستهدف جميع شعوب شمال وشرق سوريا”.
وفي إطار الرد المشروع لقوات سوريا الديمقراطية على المجزرة التي ارتكبتها دولة الاحتلال التركي في قرية “تقل بقل”، قامت وحدات من قوات سوريا الديمقراطية بقصف عدة نقاط ومواقع للمحتل التركي ومرتزقته في مناطق زركان بريف تل تمر وريف عين عيسى، حيث حققت إصابات مباشرة مما أدى الى مقتل جنديين وستة مرتزقة بالإضافة الى إصابة آخرين وتدمير المواقع المستهدفة.
شهداء المجزرة
وخلفت المجزرة وراءها 11 شهيداً وهم “حسين علي -وجيجك هاروني -وهلال قاسم -وهدية عبد الله -وعبيد خالد -ومحمود علي -وفايز عبد الله -ونوري جفتجي -وحسين خلتو -ومازن أوسي -ومراسل وكالة هاوار للأنباء عصام عبد الله”.