قامشلو/ دعاء يوسف – تحتضن مدينة قامشلو، أسبوعاً سينمائياً بالإبداع النسوي في صناعة السينما، في مهرجان “نوجيان” الأول لأفلام المرأة، محولاً الساحة الثقافية منصة مقاومة ثقافية، ليكون بداية تأسيس ذاكرة سينمائية نسوية فنية، تذكّر النساء السينمائيات بأن صورة الأفلام ليست ترفاً، بل أداة بقاء وصمود.
استقبلت مدينة قامشلو فعاليات مهرجان نوجيان السينمائي النسوي الأول، في الفترة الممتدة من 25 إلى 31 أيار 2025، بتنظيم من جمعية كزي للنساء السينمائيات بالتعاون مع سينما المرأة (SîneJin) وحركة هلال زيرين لثقافة المرأة، تحت شعار “دعم وتمكين النساء في السينما”.
المهرجان الذي يُعد الأول من نوعه على مستوى كردستان وسوريا، يسلّط الضوء على الإبداع النسوي في مجال الفن البصري والسينمائي، من خلال عرض 37 فيلماً من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى ندوات فكرية، وورش عمل متخصصة تهدف إلى تعزيز حضور المرأة في المجال السينمائي. فيما يحمل المهرجان اسم الصحفية نوجيان أرهان، التي استشهدت برصاص في شنكال يوم الثالث من آذار 2017، وهو “تخليد ذكراها، وصوت يحمل رسالتها”، وتكريم لدورها في تغطية الواقع بصوت نسوي شجاع.
ندوات فكرية حول المرأة والسينما
وأقيمت في برنامج المهرجان الندوات والمحاضرات، ففي الندوات الصباحية عرضت قضايا تتعلق بدور المرأة في صناعة السينما، والواقع الثقافي والمهني في المناطق الكردية والعالم، وتعقد الندوات من الساعة الحادية عشرة صباحاً حتى الواحدة ظهراً في مركز محمد شيخو للثقافة والفن، وهي ثلاث ندوات، “المرأة سند المرأة، سبيل الانتشار، مهرجان المرأة للأفلام في السادس والعشرين من أيار”، و”النساء السينمائيات، خلف الكاميرا” في السابع والعشرين من أيار، و”وضع صناعة الأفلام في أجزاء كردستان الأربعة وتجربة المرأة الكردية في العمل السينمائي” في الثامن والعشرين من أيار.
كما خصص المهرجان ثلاث جلسات لورشة عمل حول التصوير الفوتوغرافي، تحت عنوان “قواعد التصوير الفوتوغرافي: الضوء، الزمن، الموضوع، التدفق ومرحلة ما بعد الإنتاج”، والتي تبدأ من 29 من أيار حتى 31 من أيار، وساعات الورشة ستكون من الحادية عشرة صباحاً حتى الثانية ظهراً في مركز محمد شيخو.
وسيكون جزء من الورشة مغلقاً لطالبات المعهد العالي للفنون في الحسكة وأكاديمية عوائل الشهداء، بينما تكون الجلسات الأخرى متاحة للراغبات بالمشاركة.
وضمن الفعاليات، يحتضن المهرجان معرضاً فوتوغرافياً يحمل اسم الشهيدة جيهان بلكين، التي استشهدت أثناء تغطيتها الهجمات التركية على سد تشرين في 19 كانون الأول 2024. ويضم المعرض نحو 40 صورة فوتوغرافية، منها صور بعدستها، وأخرى التقطتها صحفيات من مناطق مختلفة.
عروض الأفلام
كما تُعرض الأفلام في مركز محمد شيخو للثقافة والفن، الساعة الثالثة عصراً بمعدل فيلم يومياً، إضافة إلى مجموعة عروض مركّزة يومي 29 و31 أيار.
أما العروض المسائية فتنطلق الساعة الثامنة مساءً في حديقة آزادي، وتشمل أفلاماً سينمائية، ووثائقية، وأخرى قصيرة، على مدار أيام المهرجان، وتُختتم بحفل ختامي في اليوم الأخير في الحديقة ذاتها.
وعدَّت عضوة اللجنة التحضيرية للمهرجان “ميديا قنديل”، أن المهرجان يمثل ولادة جديدة لصوت المرأة في السينما، وفرصة لتوثيق تجاربها ووجعها وإبداعها، خاصة في ظل ضعف ثقافة السينما في سوريا بسبب الحروب والنزاعات، مشيرة إلى أنهم سعوا ليكون هذا الحدث عالمياً من خلال مشاركة أفلام نسوية من خارج أجزاء كردستان أيضاً.
وتضيف ميديا: “المهرجان لا يقدم فقط منصة لعرض الأفلام، بل يخلق بيئة من الدعم والتبادل المعرفي بين النساء العاملات في السينما، وهو أمر نادر جداً. والأفلام التي ستعرض لن تكون نمطية أو مجاملة، بل ستكون صادقة تمثل تجارب نسوية من عمق الواقع، ومن الشتات”.
فيما ترى ميديا، أن الندوات والورشات لا تقل أهمية عن العروض، لأنها تفتح حوارات جدية حول مكانة المرأة في السينما، وماذا يعني أن تكوني مخرجة أو ممثلة في بيئة محاطة بالحروب والنزاعات والقيود الاجتماعية: “ستعلمنا الندوات كيف نصقل أدواتنا، وكيف نحكي الحكاية، وكيف ندافع عن صوتنا في ساحة مزدحمة بأصوات ليست لنا”.
واختتمت ميديا: إن مهرجان السينما بداية لكل امرأة ترغب في الانضمام لهذا المجال متمنية في السنوات القادمة، أن يشمل مبادرات إنتاج مشتركة، وشبكات دعم إبداعية: “ليس كل ما تحتاجه المرأة في السينما فقط الفرصة، بل أيضاً البنية التي تحميها وتؤمن بقدراتها”.
رسالة فنية وإنسانية
فيما أشارت المخرجة السينمائية “ديرسم زيرفان” إلى أن مهرجان نوجيان: “خطوة ثقافية بارزة لدعم الأصوات النسوية في السينما، وفتح نافذة على تجارب سينمائيات من كردستان وسوريا والعالم”، مؤكدة أن المهرجان يسعى إلى بناء جسور إنسانية بالصورة والصوت، وتمكين النساء في مجال ظل طويلاً حكراً على الرجال.
وتابعت: “مهرجان نوجيان ليس فعالية سينمائية، بل هو صرخة جماعية بصوت نساء عايشن الألم. وما يميز هذا المهرجان أن المرأة بالكاميرا تروي حكاية إبداعها ودورها في الحياة، صانعة سرد ومخرجة صورة، ولأني مخرجة، وجدت هذا الحدث مساحة نادرة نتبادل فيها التجارب، ونكسر فيها صمت الصورة النمطية”.
ونوهت إلى أن أكثر ما أثر بها هو روح التضامن بين النساء المشاركات، وتنوع الأفلام التي ستعرض، والتي حملت رؤى جريئة ومؤلمة وجميلة في آنٍ واحد، وتطرقت إلى أن تخصيص اسم المهرجان لنوجيان أرهان رسالة بليغة، أن الكاميرا لا تموت طالما هناك امرأة تروي الحقيقة.
واختتمت المخرجة “ديرسم زيرفان” حديثها، أن هذا المهرجان خطوة أولى، لكنه وضع حجر الأساس لصناعة سينما نسوية حقيقية: “تنطلق من الهامش لتصنع مركزها الخاص، وآمل أن يتحول إلى تقليد سنوي يزداد اتساعاً وتأثيراً”.