روناهي/ الرقةـ على وقع الأغاني الثورية وصدى الشعارات التي تنادي بالحرية والتنوع والمساواة، امتلأت صالة مشوار في مدينة الرقة بالمشاركين والمشاركات من مختلف شعوب شمال وشرق سوريا، في كونفرانس الرئاسة المشتركة الذي نظمه مجلس تجمع نساء زنوبيا، اليوم27 أيار 2025، تحت شعار: “من التنوع تنبثق قوتنا… ومن التشاركية تبنى إدارتنا”.
الكونفرانس، الذي يعد من أبرز محطات التقييم والتنظيم للمسار المؤسساتي في المنطقة، جمع بين ممثلي الهيئات والمؤسسات واللجان المجتمعية، إضافة إلى قيادات سياسية ومثقفين، ليكون مساحة للبحث والتأمل في تجربة الإدارة الذاتية وموقع “الرئاسة المشتركة” فيها كضمانة لمبدأ المساواة والعدالة في صنع القرار.
بدايات تليق بالتضحيات
واستهل الكونفرانس بكلمة ترحيبية من اللجنة المنظمة، عكست أهمية الحدث كمنصة لتجديد الالتزام بالمشروع الديمقراطي الذي تبنته شعوب شمال وشرق سوريا. ثم وقف الحضور دقيقة صمت إجلالا لأرواح الشهداء، الذين ساهمت تضحياتهم في ترسيخ مبادئ الإدارة الذاتية وتحرير المجتمعات من الاستبداد.
وألقت خود العيسى إدارية في مجلس تجمع نساء زنوبيا كلمة باسم مجلس تجمع نساء زنوبيا، أكدت فيها على دور المرأة الريادي في بناء نموذج تشاركي فريد، قائلة: “الرئاسة المشتركة لم تكن فقط شكلا تنظيميا بل نهج حياة نؤمن به، وهي الضامن لحماية التنوع داخل مؤسساتنا”.
الواقع السياسي.. تحديات وتحولات
كما وألقت، فوزة يوسف، العضوة في الهيئة الرئاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي، كلمة لفتت فيها إلى الواقع السياسي، وتطرقت إلى الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة على مشروع الإدارة الذاتية، مؤكدة أن “الحلول الحقيقية تأتي من الداخل، من إرادة الشعوب الحرة القادرة على حماية مشروعها”.
وأشارت فوزة إلى أن الرئاسة المشتركة ليست مجرد توزيع للمهام، بل تجسيد حقيقي لعقد اجتماعي جديد يقوم على التوازن، والتكافؤ بين الجنسين، وتوزيع السلطة بشكل يقطع مع الذهنية السلطوية القديمة.
كلمات القائد… بوصلة العمل الجماعي
وفي خطوة رمزية بالغة الدلالة، قرئت توجيهات القائد عبد الله أوجلان حول الرئاسة المشتركة من قبل زليخة عبدي، الرئيسة المشتركة لهيئة التربية والتعليم. وشددت تلك التوجيهات على أن الرئاسة المشتركة ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لإعادة صياغة العلاقة بين المجتمع والدولة، وتعميق مفهوم الديمقراطية الجذرية.
قالت زليخة خلال كلمتها: “في فكر القائد، الشراكة ليست تقاسم أدوار بل دمج للرؤى، حيث لا يمكن تحقيق الحرية والمساواة ما لم يكن هناك توازن حقيقي في كل مفاصل الإدارة والمجتمع”.
العرض السينفزيوني… عين على التجربة
وأحد أبرز محاور الكونفرانس كان العرض السينفزيوني الذي وثق بالصوت والصورة مراحل تطور تجربة الإدارة الذاتية، منذ بداياتها في كوباني وحتى توسعها لتشمل الرقة ودير الزور والحسكة. العرض، الذي استغرق 15 دقيقة، تناول بنبرة واقعية التحديات التي واجهت الرئاسات المشتركة، والنجاحات التي تحققت في ترسيخ النموذج التشاركي.
نقاشات مفتوحة.. تفاعل ونقد بناء
وفتح باب النقاش أمام الحضور، وشهدت الجلسة تفاعلا كبيرا بين المشاركين والمشاركات، حيث طرحت عدة تساؤلات حول آليات العمل المشترك، وتحديات التمثيل الحقيقي للمكونات، وأهمية تولي مهام القيادة وفق مبدأ الشراكة.
وشاركت إحدى عضوات التجمع بدير الزور في المدخلات، قالت فيها: “الرئاسة المشتركة أعطتنا مساحة للتعبير عن رؤيتنا كمجتمع، لكنها تحتاج إلى دعم تنظيمي مستمر كي تتحول من مبدأ نظري إلى ممارسة يومية في كل مفصل من مفاصل العمل”.
الديوان يوجه الكلمة الأخيرة… والشعر يعانق الوجدان
وقبل الختام، ألقى الديوان التنظيمي للكونفرانس كلمة عبر فيها عن أهمية هذا النوع من الفعاليات في مراجعة الذات المؤسسية، وتعزيز التفاهم بين مختلف الأطر الإدارية. ودعا الديوان إلى ضرورة وضع توصيات الكونفرانس موضع التنفيذ، وتكثيف ورشات العمل التي تدعم التمكين الإداري والسياسي.
وأما لحظة الختام فكانت مزيجا بين الفن والسياسة، حيث ألقى كل من الشاعرة فاطمة الشامي والشاعر أحمد البورسان قصائد تنبض بالحرية والانتماء، وتعيد التذكير بأن الثقافة والشعر هما جناحا التغيير الحقيقي.
نحو إدارة أقوى ومجتمع أكثر تكافؤا
وجاء كونفرانس الرئاسة المشتركة كتأكيد جديد على التزام شعوب شمال وشرق سوريا بمبدأ الشراكة الحقيقية، ليس فقط بين الرجل والمرأة، بل بين جميع مكونات المجتمع. وبينما تتجه الأنظار إلى مستقبل التجربة السياسية في هذه المناطق، يبدو أن النماذج التشاركية، وعلى رأسها الرئاسة المشتركة، ستظل حجر الزاوية في بناء نظام ديمقراطي بديل، يعكس تطلعات الناس ويحمي تنوعهم.