No Result
View All Result
المشاهدات 8
يرى القائد عبد الله أوجلان، أن إنشاء الدول القومية في الشرق الأوسط لا يحل القضايا الاجتماعية العالقة بل يزيد مضاعفتها، فيما يرى بأن العصرانية الديمقراطية تشكل البراديغما الجديدة المفعمة بالمساواة والحرية والديمقراطية، والتي توصل كل فرد ومجتمع إلى درب الأمن والسلام.
في الجزء الأول من صراع الهيمنة في الشرق الأوسط تطرقنا إلى تقييميات القائد عبد الله أوجلان، وتحليلاته فيما تخص الحرب الدائرة ومركزها في الشرق الأوسط والاتفاقيات التي تحصل، وفيما يلي استكمال ومتابعة للموضوع ذاته، وتسليط الضوء على الحلول والنماذج التي من شأنها تغيير الذهنية التي جعلت الشرق الأوسط ساحة للصراع.
من يستغل الإسلام الثقافي لخدمته يتحول إلى حركة فاشية
وأمسَت الدولةُ القوميةُ العربيةُ منذ أمَدٍ بعيد تناقضاً رئيسياً يستقطبُ حتى غيظَ شعوبِها وحنقتَها الشديدة. حيث إنّ الدولةَ القوميةَ العراقية، التي تَبدو وكأنها الأقوى، هي بحالتِها الراهنةِ بمنزلةِ مقبرةِ الدولةِ القومية. فمثلما لا يمكنُ تأسيسُ دولةٍ جديدةٍ مكان الدولةِ القديمةِ المنهارة، فإنّ احتمالَ انقسامِها إلى ثلاثِ دولٍ قوميةٍ سيُزيدُ من حِدّةِ الإشكاليات، منتقلاً بالاشتباكاتِ إلى أبعادٍ تصلُ حدَّ التطهيرِ العرقيّ. إذ يَلوحُ أنّ الدولَ القوميةَ الثلاث: أي العربيةَ الشيعيةَ والعربيةَ السنيةَ والكردية، ستَكُونُ شاهدَ عيانٍ على أكثرِ المشاهدِ دمويةً في القرنِ الحادي والعشرين. ولدى إمعانِ النظرِ في الوضعِ القائم، ومقارنتِه بمجزرةِ حلبجة المُعاشةِ في الماضي القريب، بالإضافةِ إلى المجازرِ الأثنيةِ والمذهبيةِ الأخرى؛ فسيُدرَكُ بنحوٍ أفضل مدى فظاعةِ الاشتباكاتِ الدولتيةِ القوميةِ المستقبلية. ما نودُّ ذِكرُه هنا هو حاضرٌ ومستقبلٌ شبيهان إلى حدٍّ بعيدٍ بأحداثِ إفناءِ دولِ المدينةِ بعضَها بعضاً في التاريخِ السومريّ. بمعنى آخر، لن يَكُونَ خطأً اعتبارُ الحالِ الراهنةِ والمستقبلِ القريبِ لجميعِ الدولِ القوميةِ العربية، بدءاً من المغربِ إلى اليمن، ومن السودانِ إلى سوريا ولبنان، على أنهما لا ولن يختلفا عمّا هو عليه عراقُ اليوم. وعلى الرغمِ من صِراعِها ظاهرياً مع إسرائيل، إلا إنها مضموناً تُعَزِّزُ وجودَ إسرائيل وتُنعِشُها موضوعياً. حيث إنّ وجودَها جميعاً ممكنٌ عبر هيمنةِ إسرائيل. ولَربما كانت الدولُ القوميةُ العربيةُ أكثرَ مَن هو بحاجةٍ ماسةٍ إلى إسرائيل.
تُعَدُّ النزعةُ الإسلاميةُ السياسية، بصفتِها قومويةً سائدةً في العالَمِ العربيّ، مشحونةً بالإشكالياتِ التي تضاهي ما هي عليه القومويةُ العلمانيةُ ودولتها القوميةُ بدرجاتٍ كبيرة. هذه القوموياتُ المعتمِدةُ على استغلالِ الإسلامِ الثقافيِّ لخدمتِها، لن تذهبَ في دورِها أبعد من التحولِ إلى حركةٍ فاشيةٍ متأخرة. بل حتى إنّ عجزَها عن تخطي دورِ التنظيمِ الاستفزازيِّ البارافانيِّ المُسَخَّرِ كلياً لخدمةِ الدولِ القومية (مثلما لوحِظَ في مثالِ تنظيمِ القاعدة)، أضحى واقعاً مفروغاً منه. وعليه، فالدولُ القوميةُ العربية، القديمةُ منها أو الجديدةُ المُرادُ تشييدُها، لن تتعدى دورَ حَفّارِ القبور، فيما يتعلقُ بالحياةِ الاجتماعيةِ والتقاليدِ الإسلاميةِ على السواء.
جَمِعيةِ الإسلامِ التركيِّ تشكل البيدقِ الأماميِّ للنظامِ المهيمن
سواء كانت تُوَجَّهُ أمريكياً–أوروبياً أم روسياً، فإنّ الدولةَ القوميةَ التركيةَ ببُناها الصغرى لن تستطيعَ البتةَ القيامَ بدورِ السلطاتِ والدولِ القديمةِ ذاتِ الأصولِ التركية، ولا تَخَطّي مكانةِ ولاياتِ النظامِ الذي
تتبعُ له. وانطلاقاً من شكلِ تشييدِها، فإنّ مسارَها قد حُدِّدَ أساساً بموجبِ الاحتياجاتِ الإقليميةِ للهيمناتِ الرأسماليةِ والاشتراكيةِ المشيدة. فقد كُلِّفَت بمَهَمّةِ التخلصِ من عبءِ الماضي المُعرقِلِ ومن سدِّ الطريقِ أمام تمرداتِ شعوبِها. وبنظرةٍ خاطفةٍ إلى ماضيها خلال العقودِ التسعةِ المنصرمة، فبوسعِنا الإشارةُ يسيراً إلى أنها أدت دورَها هذا، وكأنها مُناطةٌ بمَهَمّةِ عكسِ الدورِ الذي قامَ به الأتراكُ خلال الأعوامِ الألفِ المنقضية، وقَلبِه رأساً على عقب. فجميعُها تُعَوِّلُ على التحجيمِ والتقوقع، وتتصرفُ وكأنها غيرُ مسؤولةٍ أبداً تجاه ثقافةِ المنطقةِ وشعوبِها، بل وحتى إنها عاجزةٌ عن القيامِ بدورٍ إيجابيٍّ حيالَ بعضِها البعض. وهذا الوضعُ على علاقةٍ كثيبةٍ بعاداتِ الحياةِ والعقليةِ القومويةِ والدولتيةِ الضيقةِ التي أُقحِمَت فيها. بالتالي، فهي بحالتِها الراهنةِ لن تستطيعَ أنْ تَكُونَ حتى ظلاً للماضي، الذي طالما تُكيلُ له النقدَ اللاذعَ أو تتشبَّهُ به في بعضِ الأحايين. وعليه، فهي تُعَدُّ من أكثرِ الدولِ القوميةِ التي تستلزمُ المرورَ بالإصلاحِ في المستقبلِ المنظور.
لكنّ معالمَ النموذجِ المتجسدِ في “جَمِيعةِ الإسلامِ التركيِّ” مؤخراً تتشكلُ مرةً أخرى بمقتضى احتياجاتِ البيدقِ الأماميِّ للنظامِ المهيمن، أكثر من كونِها إصلاحاً. ومثلما لَم يَطرأْ عليها أيُّ تحولٍ يُذكَرُ من حيث المضمون، فمن غيرِ الواردِ كثيراً قيامُها بانتزاعِ أيةِ حصةٍ في النزاعاتِ التي دخلَتها مع أسيادِها. ومثلما حالُ العربِ تماماً، فحتى لو جُمِعَت جميعُها، فلَن تساويَ إسرائيل واحدة. بل ولا خيار أمامها سوى الانضواء تحت هيمنةِ إسرائيل. فكيفما رُبِطَ نشوؤها بظروفِ ولادةِ إسرائيل، فإنّ مصائرَها في المراحلِ المتأخرةِ من عهودِها أيضاً، ستُحَدَّدُ ارتباطاً بوجودِ إسرائيل. وبالطبع، سيَكُونُ الأمرُ كذلك في حالِ عدمِ تجاوُزِها الذهنيةَ الحاليةَ وقوالبَ الحياةِ السائدة.
إنشاء إسرائيل مؤشر أولي لتصاعد الهيمنة الإنكلوسكسونية
هذا الواقعُ الجديدُ جعلَ إعادةَ التفكيرِ بمنزلةِ إسرائيل في المنطقةِ أمراً ضرورياً. فبناءُ إسرائيل ليس، ولا يُمكنُ أنْ يَكُون، كبناءِ أيةِ دولةٍ قوميةٍ أخرى في المنطقة. كما إنّ إسرائيل ليست دولةً قوميةً يهوديةً فحسب. ولا يمكنُ الاكتفاءُ بفهمِها على هذا النحو.
باستطاعتِنا القولُ بكلِّ يُسرٍ أنّ سياقَ إنشاءِ إسرائيل هو بمثابةِ مؤشرٍ أوليٍّ على تصاعدِ الهيمنةِ الأنكلوسكسونيةِ داخل المنطقة. ذلك أنه جرت هيكلة إسرائيل بصفتِها القوةَ النواةَ للهيمنةِ الجديدةِ في المنطقة، بعدَ التدميرِ المتعمَّد للإمبراطوريةِ العثمانية. أي أنّ ما تمثلُه هيمنةُ إنكلترا–أمريكا بالنسبةِ إلى العالَم، تقومُ به إسرائيل بالنسبةِ إلى الشرقِ الأوسطِ كقوةٍ مهيمنةٍ جديدةٍ في المنطقة. وبتعبيرٍ آخر، فإنّ إسرائيل ليست مجردَ دولةٍ قوميةٍ يهوديةٍ صغرى. بل وهي قوةٌ مهيمنةٌ كبرى في الوقتِ عينِه.
بمعنى آخر، فالمنطقُ المتسترُ خلفَ إنشاءِ كلِّ الدولِ القوميةِ في الشرقِ الأوسط، لا يرتكزُ إلى حلِّ القضايا الاجتماعيةِ العالقة، بل إلى مُضاعفتِها والإبقاءِ على تلك الدولِ القوميةِ كأنظمةِ حربٍ داخليةٍ وخارجيةٍ دائمة. والسببُ الرئيسيُّ وراء ذلك هو إنشاءُ إسرائيل باعتبارِها نواةَ القوى المهيمنة. وعليه، لا يمكننا استيعابُ كيفيةِ تصميم وتأسيسِ توازنِ أو اختلالِ الدولةِ القوميةِ في الشرقِ الأوسط، إذا لَم نفهمْ إسرائيل من حيث هي نواةٌ مهيمنة. وخيرُ برهانٍ على هذا التشخيصِ هو القضيةُ الكرديةُ وتجزيءُ كردستان.
لقد تمَّ شلُّ تأثيرِ ركيزةِ PKK فيما يخصُّ المستجداتِ البارزةَ ضمن مثلثِ سوريا–إيران–PKK، بالنسبةِ إلى التحالفِ القائمِ بين أمريكا–إنكلترا–إسرائيل، الذي يسيطرُ على الهيمنةِ الرأسمالية. ولكن، من العصيبِ القولُ، إنّ تطوراً كهذا يدخلُ في منفعةِ النظام. لقد أُجلِسَت تركيا مكانَ PKK، ولو لغاياتٍ تكتيكية.
فالاتفاقُ بين تركيا–سوريا–إيران مُزعِجٌ إلى أبعدِ حدّ بالنسبةِ للنظامِ المهيمن، حتى لو كان مبنياً على معاداةِ الكرد. بل ويحملُ نتائج أشدَّ خطورةً مما يُشَكِّلُه وضعُ PKK. وعليه، فهو يشيرُ إلى وضعٍ لا يُمكنُ لإسرائيل خصوصاً أنْ تَقبلَ به. وقد دخلَت تركيا هذا الاتفاقَ لأجلِ زيادةِ وزنِ الأوراقِ التي في حوزتِها. أما آمالُ تركيا من التحالفِ الأمريكيِّ–الإنكليزيِّ–الإسرائيليّ، فهي: تسليمُها زمامَ التحكمِ بالكردِ في العراق؛ إعطاؤُها الضمانَ بعدمِ اندفاعِهم وراءَ أيِّ شكلٍ من أشكالِ السيادة، استقلالاً أم شبهَ استقلال؛ إعطاؤُها حصةً أكبر من السمسرةِ الدائرةِ في الشرقِ الأوسط؛ وعدم إيقاعِ إيران في وضعٍ مماثلٍ لِما حلَّ بالعراق. لكنّ تلك الآمالَ ليست منطقيةً من جهةِ السياساتِ التي مارسَها النظامُ المهيمنُ خلالَ القرنَين الأخيرَين. لذا، فعلى تركيا الإذعان للنظام، أو أنْ تتحملَ عواقبَ الممارساتِ التي ستُطَبَّقُ عليها، على غِرارِ ما يحصلُ مع العراقِ وإيران. أما مطاوَعتُها التامةُ للنظام، فتقتضي تحقيقَ الوفاقِ مع الكرد، وفتحَ المسافةِ في علاقاتِها مع سوريا وإيران. وفي حالِ انقطاعِها عن النظام، وبحثِها عن محاور جديدة، أو تشكيلِها لمحاور جديدة؛ فعليها –بكلِّ تأكيد– أنْ تضعَ تَعَرُّضَها لتمشيطٍ شبيهٍ بذاك المُسَيَّرِ على العراق في الحُسبان. وفي هذه الحالة، سيؤازرُ النظامُ حركةَ الدولةِ القوميةِ الكرديةِ بكلِّ ما أُوتيَ من قوة، وسيُوَسِّعُ رقعةَ خليةِ الدولةِ القوميةِ الكرديةِ في العراق. وعليه، من المتوقَّعِ حينها تَكَوُّنُ القطبِ المؤلَّفِ من إسرائيل–الإدارة الكردية في العراق–KCK، والذي سيَنمُّ عن نتائج عظمى وتحولاتٍ كبرى في منطقةِ الشرقِ الأوسط. تقفُ تركيا الآن على الصراطِ المستقيم. فهي عاجزةٌ عن حسمِ خيارِها، وتَرعى سياسةً توازنيةً كلاسيكيةً مع الطرفَين. كما لن يستطيعَ النظامُ المهيمنُ أنْ يتراجعَ عن خطواتِه في الشرقِ الأوسط. وفي حالِ قيامِه بذلك، فلا بدّ عندئذٍ من حصولِ مستجداتٍ ستزعزعُ أركانَ العالَمِ أجمع؛ بدءاً من حسمِ أمرِ إسرائيل وتصفيتِها، ووصولاً إلى القضاءِ على الكثيرِ من الدولِ العربية، الصغيرةِ منها والكبيرة.
الحرب العالمية الثالثة أشد وطأة من سابقاتها
إننا نضعُ مثل هذه الأحداثِ المحتَمَلةِ نُصبَ العين، لدى الإشارةِ إلى “الحربِ العالميةِ الثالثة”. حيث ستُستَخدَمُ أعتى أنواعِ الأسلحة، بما فيها الأسلحةُ النووية. لا جدال في أنّ النتيجةَ لن تختلفَ كثيراً عن حالِ أوروبا إثرَ الحربِ العالميةِ الثانية. بل وستَكُونُ أشدَّ وطأة. ولَئِنْ ما قِسناها مع الأحداثِ البارزةِ خلال الأعوامِ العشرةِ الأخيرة، فسنُدرِكُ فحوى وحشيةِ الأحداثِ المحتَمَلةِ بصورةٍ أفضل. ففي حالِ بقائِه في المنطقة، فإنّ النظامَ المهيمنَ لن يَقنَعَ بالوضعِ السائد. بل سيطمعُ في التغلبِ والتفوق، مثلما هي حالُ كلِّ نظامٍ مهيمن. وهذا ما سيستوجبُ تخليَ إيران عن نفوذِها الإقليميِّ المرتكزِ إلى الشيعية، وإيصالَها إلى حالةٍ من الخنوعِ والمطاوعة، مثلما كانت عليه في عهدِ الشاهنشاهية. لكنّ رضى إيران بهذا الوضعٍ يعني قبولَ الموت. في حين أنّ جميعَ المؤشراتِ تدلُّ على أنّ مساعيَ بسطِ النفوذِ على المنطقةِ ستستمرُّ باضطراد. وهكذا، ليس بعيداً عن الاحتمالِ بدءُ مرحلةٍ جديدةٍ من مراحلِ “الحربِ العالميةِ الثالثة”. بينما لا يُمكنُ لوضعِ اللااستقرارِ هذا إنْ يدومَ طويلاً. وفي الحالاتِ الثلاثِ تتميزُ كردستان جغرافياً والكردُ على صعيدِ التحالفِ بمنزلةٍ استراتيجيةٍ مؤهَّلةٍ لتحديدِ الطرفِ الذي ستَكُونُ نهايةُ التوازنِ لصالحِه أو ضده. وبتعبيرٍ آخر، قد تتراجعُ كردستان من الآنِ فصاعداً عن كونِها رقعةَ شطرنجٍ تقليدية، وقد يتخلى الكردُ عن دورِهم كجنودٍ دمى؛ ليتحولوا إلى ذواتٍ فاعلة. والسياسةُ التي سيجري اتِّباعُها، والتحالفاتُ الداخليةُ والخارجية، هي التي ستحدِّدُ مسارَ ذلك.
الحظ لن يحالف “الشرق الأوسط الكبير”
فالحظُّ لن يحالفَ كثيراً “مشروعَ الشرقِ الأوسطِ الكبير”، الذي سعَت أمريكا إلى طرحِه. فهذا المشروعُ يرتكزُ بالأصلِ إلى الدولِ القومية. والعديدُ من المشاريعِ المماثلةِ قد زَجّت الشرقَ الأوسطَ في مزيدٍ من التعقيد. والأوضاعُ التي نَمّ عنها آخِرُ مشروع، لَم تَكُ مختلفةً عن ذلك. حيث لن يستطيعَ أيُّ مشروعٍ إنقاذَ الشرقِ الأوسطِ من أزماتِه الغائرةِ وقضاياه العالقة، أو تَجنيبَه الحروبَ والاشتباكاتِ الدموية؛ ما لَم يتخطَّ منطقَ الدولةِ القومية. ونظراً لإصابةِ “الجامعةِ العربية” و”منظمةِ المؤتمرِ الإسلاميِّ” بالعُطبِ حصيلةَ منطقِ الدولةِ القوميةِ عينِه، فإنهما لَم تتمكنا من صياغةِ الحلِّ لأيةِ قضيةٍ كانت. ولا يمكنُ أنْ تتوفرَ لديهما فرصةُ الحلّ، ما لَم تتجاوزا الذهنيةَ الحاليةَ وبناها القائمة. أما حروبُ بسطِ النفوذِ التي تشنُّها إيران وتركيا عن طريقِ حزب الله والقاعدة ضد أمريكا، وكذلك ضد إسرائيل بوصفِها قوةً مهيمنةً محلية؛ فلن تذهبَ في دورِها أبعدَ من إيصالِ القضايا إلى نفقٍ مسدود. كما إنّ حساباتِ اقتطاعِ الحصصِ قد تنقلبُ بلاءً عليهما. والوضعُ الذي آلَت إليه جميعُ ألاعيبِ الدولةِ القومية، الجديدةِ منها والقديمة، هو وضعٌ مسرودٌ على الملأ. أي أنّ وضعَ الشرقِ الأوسطِ الذي ازدادَ تفاقماً تحت اسمِ “نحن نحلُّ المشكلة، ونُزاوِلُ دبلوماسيةَ (صفْر مشكلة)”، والذي صُيِّرَ أكواماً من القضايا المتفاقمة والعقيمة؛ إنما هو وضعٌ بنيويٌّ مثلما سردنا آنفاً بكلِّ علانية. وهو يتأتى من الدولةِ القوميةِ لا غير.
تلعبُ نظريةُ الأمةِ الديمقراطيةِ ومصطلحاتُها دور الحلِّ المصيريِّ بالنسبةِ لحقيقةِ إسرائيل أيضاً، باعتبارِها النواةَ المهيمنةَ للدولةِ القومية. ثمة طريقان بشأنِ مستقبل إسرائيل. الطريقُ الأولُ هو تحوُّلُها إلى إمبراطوريةٍ إقليميةٍ تأسيساً على إشعالِها الدائمِ لفتيلِ الحربِ بغيةَ تمكينِ ديمومةِ هيمنتِها وفق المسارِ الحاليّ. فمن المعلومِ أنّ لإسرائيل مشروعاً في بسطِ نفوذِها من النيلِ إلى الفرات، بل وحتى إلى أبعد من ذلك. إنه مشروعٌ خُطِّطَ له لأجلِ ما بعد عهدِ الإمبراطوريةِ العثمانية. ورغمَ قطعِ أشواطٍ لا يُستَخَفُّ بشأنِها، إلا إنه بالمقدورِ الإشارةُ إلى أنه لا يفتأُ بعيداً عن بلوغِ مآربِه. وكونُ إيران أيضاً (التي باتَت تقفُ في وجهِها مؤخراً) تضمرُ حساباتٍ مهيمنةً مماثلة، إنما يُفضي إلى التوترِ فيما بينهما. إلى جانبِ معاناتِها من توترٍ مشابهٍ مع تركيا أيضاً، رغمَ عدمِ الجزمِ بمدى جديتِه. بناءً عليه، فموضوعُ الحديثِ هنا هو سياقُ صراعٍ على الهيمنةِ الإقليمية، والذي يَبدو أنه سيمرُّ مشحوناً بالاشتباكاتِ الطاحنة. وتلك الحساباتُ المهيمنةُ المتبادلةُ بذاتِ عينِها، هي التي تُوَلِّدُ القضايا النابعةَ من الدولةِ القومية، والتي لا مفرَّ من تفاقمِها طردياً.
الطريقُ الثاني أمام إسرائيل والشعبِ اليهوديّ، هو الخروجُ من الطوقِ المُحاصَرِ بالأعداءِ المتربصين، والانضمامُ إلى مشروعِ “اتحادِ الأممِ الديمقراطيةِ في الشرقِ الأوسط”، واستلامُ زمامِ المبادرةِ الإيجابيةِ لتحقيقِ الانطلاقةِ بالتأسيسِ على ذلك. فبمقدورِ رأسِ المالِ الفكريِّ والماديّ، الذي تستندُ إليه إسرائيل، أنْ يؤديَ دوراً بالغَ الأهميةِ من أجلِ مشروعِ “اتحادِ الأممِ الديمقراطية”. إذ بوسعِها تعزيزُ شأنِها أكثر كأمةٍ ديمقراطية، وتعميمُ ذلك على نطاقٍ أرقى لاتحادِ الأممِ الديمقراطيةِ على صعيدِ الشرقِ الأوسط، مُحَقِّقةً بذلك الأمنَ واستتبابَ السلامِ المستدامِ الذي هي في مسيسِ الحاجةِ إليه.
ومثلما ذَكرنا بالعلانية نفسها، فإنّ ذهنيةَ الأمةِ الديمقراطيةِ وكيانَ شبهِ الاستقلالِ الديمقراطيّ، اللذَين تتميزُ بهما العصرانيةُ الديمقراطية، يُشَكِّلان النموذجَ أو البراديغما الجديدةَ المفعمةَ بالمساواةِ والحريةِ والديمقراطية، والأنسبَ للخلاصِ من وضعِ الفوضى. إنه نموذجٌ يدلُّ كلَّ فردٍ ومجتمعٍ على الدربِ المؤديةِ إلى استتبابِ الأمنِ والسلام.
No Result
View All Result