لقد كان عام 2018 عاماً مليئاً بالأحداث وبخاصة على مستوى شمال وشرق سوريا، ولعل من أبرز الأحداث وأهمها على الإطلاق الاحتلال التركي لعفرين، وبتواطؤ دولي نتيجة تقاطع المصالح الدولية على الساحة السورية. وبالمقابل؛ كانت هناك العديد من المؤتمرات وبخاصة تلك التي عُقِدت في عين عيسى برعاية مجلس سوريا الديمقراطية، وتأتي أهميتها من أنها عُقِدت بمشاركة جميع أطياف الشعب السوري وقواها السياسية، ولا سيما الحوار السوري ـ السوري وإيجاد سُبل الحل للأزمة السورية، وعقدت على الأرض السورية، والإعلان عن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وانتخاب عشر هيئات مرتبطة بها. وكان ختام تلك المؤتمرات في مدينة عامودا، حيث عُقِد الملتقى الدولي الأول حول التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي في عفرين، ودام لثلاثة أيام، حضره الكثير من الشخصيات الحقوقية والسياسية في الداخل السوري، ومن الدول العربية والأوروبية، وكانت نتائجه هامة جداً حول الانتهاكات التي تجري في عفرين وتوثيقها، وتقديمها إلى الجهات المختصة كمنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة. وعلى المستوى السوري كانت هناك بعض الأحداث الهامة التي أثرت بشكل أو بآخر على الأزمة السورية، واقتطفنا بعض الاحداث السياسية العربية والعالمية من سلة عام 2018، وإليكم بانوراما أهم تلك الأحداث.
أحداث هامة في شمال وشرق سوريا
سنبدأ بالحدث الأهم الذي كان وقعه كارثياً على جميع أبناء شمال وشرق سوريا، الاحتلال التركي لعفرين حيث بدأ الهجوم التركي على عفرين في العشرين من كانون الثاني، الجيش التركي بشكل مباشر، ودفع بأكثر من ثلاثين ألفاً من المرتزقة التابعين للائتلاف والموالون لها، بالإضافة إلى الآلاف من الجنود الأتراك، مستخدمةً في العملية جميع صنوف الأسلحة الثقيلة وحتى المحرمة دولياً، بالإضافة إلى سلاح الطيران الحربي وبأنواعه كافة الذي قصف المدنيين بكثافة؛ ما أدى إلى استشهاد أكثر من ثلاثمئة مدني جلهم من الأطفال والنساء.
وفي الثامن عشر من آذار وبعد مقاومة تاريخية لم يشهدها التاريخ، والتي دامت لثمانية وخمسون يوماً تم احتلال المدينة، في ظل صمتٍ دولي مُقيت على كل ما جرى بحق عفرين المدينة الآمنة، وجاءت المواقف الدول العربية والعالمية خجولة جداً إزاء الاحتلال التركي لمدينة عفرين، وغالبيتها بقيت في إطار التصريحات ليس إلا.
وكان الحدث الأبرز الآخر هو الإعلان عن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في 6/9/2018، وكان الهدف منها تسهيل إدارة المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية والتي ستحررها مستقبلاً، حيث تم انتخاب كل من سهام قريو من المكون السرياني وفهد عطي من المكون الكردي وبالإجماع كرئاسة مشتركة للمجلس العام وانتخاب خمسة أعضاء لديوان المجلس العام.
واجتمع المجلس العام للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في الثالث من شهر تموز وانتُخِب كلٍ من عبد المهباش وبيريفان خالد للرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وفي العاشر من تشرين الأول تم انتخاب عشر هيئات تابعة لها والهيئات هي: (الصحة والبيئة، الشؤون الاجتماعية والعمل، المرأة، التربية والتعليم، الاقتصاد والزراعة، الثقافة والفن، المالية، الرياضة والشباب، الداخلية والإدارة المحلية)، ومن ثم تمت تسمية الرئاسة المشتركة للهيئات العشر.
وكان للحوار السوري ـ السوري النصيب الكبير من المؤتمرات التي عُقِدت في شمال وشرق سوريا، فانعقد المؤتمر الثالث لمجلس سوريا الديمقراطية في السابع عشر من تموز، وكان من نتائجه الهامة خروج المؤتمرين برؤى موحدة حول ما يجري على الساحة السورية، ومناطق شمال وشرق سوريا ومن خلاله تم تثبيت أعضاء المجلس الرئاسي له.
وبعد ذلك كان انعقاد الحوار الوطني السوري تحت شعار الحوار السوري -السوري (لقاء وبناء)، والذي عُقِد في يومي الثامن عشر والتاسع عشر من شهر تموز، وعبر ثلاث جلسات حوارية تضمنت الجذر التاريخي للأزمة السورية، وبنية النظام السياسي وأطره ووضع الرؤى والتصور للحل الأنسب في سوريا المستقبل، وضرورة إيجاد المبادئ وفق رؤى دستورية جامعة يستند إليها أي عقد اجتماعي جديد. وكان من مخرجاته الحفاظ على وحدة التراب السوري، والتأكيد على استمرار مثل هذه الحوارات السورية الشاملة، وإيجاد نظام سياسي ديمقراطي علماني تعددي لا مركزي، تضمن فيه حقوق الأفراد والجماعات وفق الشرعية الدولية لحقوق الإنسان ومبادئ المواطنة المتساوية.
وضمن إيجاد الحلول للأزمة السورية والحوار بين السوريين؛ لبى مجلس سوريا الديمقراطية الدعوة التي وجِهت إليها من دمشق، وعقدت جلستين من الحوارات بين الطرفين، وكان الهدف منها وضع الأسس التي تمهد لحوارات ونقاشات أوسع وأشمل، وتشكيل لجان من الطرفين للذهاب على حل المسائل العالقة بين الجانبين ما سيؤثر إيجابياً على حلِّ الأزمة السورية بشكل عام. ولكن؛ ونتيجة المواقف السلبية من قِبل النظام توقف الحوار مرةً أخرى.
ومن ثم انعقدت الدورة الثانية لمؤتمر الحوار السوري -السوري في عين عيسى في السادس والعشرين من شهر تشرين الثاني، وبمشاركة واسعة من القوى والأحزاب السياسية والشخصيات المعارضة، حيث ناقش الحضور القضايا الجوهرية الهامة وكانت المسألة الإنسانية من أهم المحاور التي تمت مناقشتها، ومن ثم شكل الحكومة القادمة والمسألة الاقتصادية وكيفية النهوض بها، والدستور القادم والمبادئ الأساسية فيها، وواقع المرأة بين المواثيق الدولية والتشريعات السورية، وآليات توحيد صفوف المعارضة السورية الوطنية العلمانية.
انعقد المؤتمر السوري -السوري تحت شعار “تقدم وبناء” على مدار يومين في الثامن والتاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني، حيث ناقش من خلاله المجتمعون سبل دعم العملية السلمية والحل السياسي المنتظر في سوريا، ومقاربة الرؤى بين جميع الأطراف، حول ما يجرى على الأرض السورية وإيجاد الحلول لها، وشارك في المؤتمر الكثير من القوى والشخصيات السياسية، واتفق الجميع على محاربة الاستبداد وأشكال التطرف كافة، وخروج قوى الاحتلال من الأراضي السورية، واستقلال إرادة السوريين في تقرير مصيرهم ودون تدخل الآخرين.
عُقِد المنتدى الدولي الأول حول التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي في عفرين والذي استمر على مدار ثلاثة أيام، حيث بدأ في الثاني من كانون الأول وانتهى في الرابع منه، وقامت بالتحضير له مركز روج آفا للدراسات الإستراتيجية؛ بهدف توثيق الانتهاكات التي يتعرض لها أهالي عفرين، من قِبل الجيش التركي والفصائل المرتزقة الموالية لها. وتناول اليومين الأول والثاني الجوانب الاقتصادية والتاريخية والحقوقية، وفي اليوم الختامي كانت هناك جلسة ختامية وبيان ختامي، وخرج المنتدى بجملة من التوصيات الهامة، للتحرك سياسياً وقانونياً وإعلامياً على المستوى الدولي لمواجهة نتائج الاحتلال التركي لعفرين، وتداعياته السيئة التي تتناقض مع القوانين والأعراف الإنسانية والدولية.
مؤتمرات واتفاقيات على المستوى السوري
أما على المستوى السوري؛ فكانت أبرز الأحداث:
عقد ما يسمى مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي الروسية في الثلاثين من كانون الثاني، حضره أكثر من 1600 شخص أكثرهم كان من الموالين للنظام، ومن أهم النقاط التي أدت إلى فشل هذا المؤتمر عدم حضور ممثلي الشعب السوري في شمال وشرق سوريا، وغاب عنه الكثير من الشخصيات الوطنية أيضاً، وكانت من نتائجه تشكيل لجنة دستورية بمشاركة ممثلين من قِبل النظام، وآخرين من المعارضة، وفور انتهاء المؤتمر وصفت الولايات المتحدة الأمريكية المؤتمر بالفاشل.
وحصلت اتفاقات ومقايضات بين النظام والروس من جهة والأتراك وفصائل المعارضة الموالية لهم من جهةٍ أخرى، وتخلت المعارضة المسلحة عن مناطق كثيرة كانت تحت سيطرتهم، ولعل من أهمها الغوطة الشرقية ومناطق درعا والجنوب السوري، وكان المقابل هو احتلال تركيا لعفرين وتأمين وصول هؤلاء إلى المناطق التي تحتلها تركيا، وبذلك تكون قد خسرت تلك الفصائل جميع أوراق الضغط على النظام والروس.
وعُقِد مؤتمر آستانا بعدة جولات ولكن لم تسفر عن نتائج إيجابية وبقيت في إطار مصالح الدول الراعية له، وكانت النقاشات حول مكافحة الإرهاب، وملف النازحين في نسخته العاشرة والتي دامت على مدار يومين متتاليين، لم يتوصل المجتمعون إلى أي اتفاق بشأن المواضيع المطروحة، ونتجت عنه قضايا خلافية وهوة كبيرة، كما عقد المؤتمر في نسخته الحادية عشرة، وكان على طاولة النقاشات ملف المعتقلين واللجنة الدستورية، وبقيت أيضاً معلقة ودون التوصل إلى أي اتفاق حولها، وبخاصة بشأن اللجنة الدستورية، حيث تم رفض الأسماء التي تقدمت بها روسيا للجنة الدستورية، والسبب طعنها بشرعية اللجنة الدستورية.
وفي السابع عشر من شهر أيلول؛ انعقد اتفاق سوتشي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي أردوغان، حول إقامة المناطق العازلة المنزوعة السلاح، بين قوات النظام القريبة من إدلب، وفصائل المعارضة الموالية لتركيا، وقُدِرت المسافة بين الطرفين بحوالي عشرين كم، على أن تتم نزع الأسلحة الثقيلة، وإخراج عناصر جبهة النصرة وعناصر المعارضة المتشددة من هناك، وبقي ذاك الاتفاق حبراً على ورق.
وكان مؤتمر فيينا بمثابة الجولة التاسعة من محادثات جنيف برعاية الأمم المتحدة، حيث عقدت تلك الجولة من المحادثات على مدار يومين، التقى فيها دي مستورا بوفدي النظام والمعارضة، وقدمت كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا والأردن والسعودية، على المبعوث الأممي دي مستورا مقترحاً بعنوان (ورقة غير رسمية)، هدفها إحياء العملية السياسية في جنيف بشأن الوضع السوري، استناداً إلى القرار2254 ولكن النظام رفض المقترح.
وعلى المستويين العربي والدولي
عُقِد مؤتمر دولي حول الغزو التركي لعفرين وكان الحضور متميزاً، وبحضور العشرات من الأكاديميين الكرد والعرب والأوروبيين، تمت مناقشة خلفيات الهجوم والأعمال والانتهاكات التي يرتكبها الجيش التركي والفصائل المرتزقة الموالية لها هناك، والتي خالفت جميع الأعراف والقوانين الدولية.
وعُقِد أيضاً في مبنى الاتحاد الأوروبي في الثلاثين من حزيران مؤتمر دولي حول عفرين، حيث تم تقييم الأوضاع الراهنة في مدينة عفرين بعد الاحتلال التركي لها وأكدوا على عدم شرعيته، واتفقوا بأن هدف تركيا هو ضرب المشروع الديمقراطي وإفشاله، وتمت مناشدة المجتمع الدولي للقيام بمسؤولياته حيال ذلك.
وفي هذا العام قُتِل الكاتب والصحفي السعودي جمال خاشقجي، حيث شغلت مساحة كبيرة من الصحف والمجلات ووكالات الأنباء، بالإضافة إلى الفضائيات، حيث أرادت تركيا استغلال القضية سياسياً، لتتهم الأسرة الحاكمة في السعودية بها، وبخاصة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ولكنها لم تفلح بذلك، وتدخل الأمين العام للأمم المتحدة غوتيرس في تلك القضية وحض على إجراء تحقيق عادل ذو مصداقية ومن ثم معاقبة الجناة.
وفي اليمن؛ توصل الفرقاء إلى وقف إطلاق النار وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، ورفع الحصار عن تعز وفتح مطار صنعاء وتسليم ميناء الحديدة للجيش الوطني، واعتبر هذا الاتفاق بمثابة الأساس لإنهاء الحرب التي دمرت اليمن، والجدير بالذكر أن المحادثات حول الأزمة اليمنية بنسختها الأخيرة انطلقت في السويد وفيها توصل الأطراف المتصارعة إلى هذه القرارات.
اجتمع في جنيف في الثامن عشر من كانون الثاني وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا، وبحضور الممثل الأممي لسوريا ستيفان دي مستورا لمناقشة اللجنة الدستورية، حيث لم يتوصل المجتمعون إلى الإعلان عن اللجنة الدستورية والتي كان من المقرر إعلانها، وجاء ذلك على لسان دي مستورا نفسه.
وكان ختام تلك المؤتمرات في مدينة عامودا، حيث عُقِد الملتقى الدولي الأول حول التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي في عفرين، ودام لثلاثة أيام، حضره الكثير من الشخصيات الحقوقية والسياسية في الداخل السوري، ومن الدول العربية والأوروبية، وكانت نتائجه هامة جداً حول الانتهاكات التي تجري في عفرين وتوثيقها، وتقديمها إلى الجهات المختصة كمنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة. وعلى المستوى السوري كانت هناك بعض الأحداث الهامة التي أثرت بشكل أو بآخر على الأزمة السورية، واقتطفنا بعض الاحداث السياسية العربية والعالمية من سلة عام 2018، وإليكم بانوراما أهم تلك الأحداث.
