No Result
View All Result
المشاهدات 2
محمد العزو _
يعد “ديلاكروا” رائد ثورة التصوير “الفرنسي” ومن أشهر الفنانين العالميين الذين ارتبط اسمهم بـ “الرومانتيكية”، ودخول المرحلة الجديدة في مسار الفن التشكيلي التي سهلت لظهور “الكلاسيكية الجديدة” التي هي بمثابة ولادة جديدة للأسلوب الكلاسيكي في الفن والهندسة المعمارية مستنيرة بالاكتشافات الأثرية، وكلمة الجذر “كلاسيكي” تمثل النمط “اليوناني والروماني” القديم. حيث أنها أدخلت الخيال والشعور والإحساس إلى جوهر العمل الفني. بالتمعن والغوص في أعماق روح هذا الفنان نجد أن ريشته المعبرة، وتعلمه وتأمله عن تأثيرات اللون البصرية، كان لها بالغ الأثر في المدرسة “الانطباعية” في قادم الأيام.
كانت ولادة “أوجين ديلاكروا” في 26 نيسان من عام 1798 في مدينة ” شارلتون سان موريس”. واسم “ديلاكروا” يعني في اللغة الفرنسية القديمة “الصليب”.
وقال عنه الشاعر العظيم “بول فاليري”: “إن التراث الحقيقي في الأشياء العظيمة، هو ليس بأن يكرر الفنان ما قدمه الآخرون، ولكن باكتشاف الروح التي خلقت الأشياء العظيمة، وأن يخلق أشياء مختلفة، في أوقات مختلفة، لقد أعاد “ديلاكروا” اكتشاف روح ” مايكل أنجلو” و”روبنز”، ولكن الأعمال الكبيرة التي خلقها بفضل تأثيرهم، هي شيء مختلف تماماً”..
“ديلاكروا” درس أساليب الرسم عند كبار عصره من الفنانين إذ أنه تأثر بلوحات “روبنز” و”جيريكو” لتميز أعمالهم بأنها كانت مدخلاً مهماً إلى المذهب “الرومانتيكي”.. وفي بداية الربع الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي سافر “ديلاكروا” إلى انجلترا واطلع على أعمال كبار الفنانين من أمثال “انجليكا كوفمان” و”أديلايد لابيل جويارد” وهما رسامتان عظيمتان في “انجلترا”، حيث أنه بدأ يرسم لوحات وأعمالاً “رومانتيكية”، وبعد عام 1833م بدأ يرسم رسومات لتزبين المباني الرسمية. ومنها الكنائس.
تأثر “ديلاكروا” بأعمال “شكسبير” كثيراً حيث أنه أنجز أعمالاً طيبة تمثل “هاملت” في أوضاع مختلفة، ثم أنه بعد ذلك قام برسم العديد من الشخصيات “الشكسبيرية”، إضافة إلى أن الفنان “ديلاكروا” استلهم أعمال “دانتي” واللورد “بايرون” وحكايات من التاريخ القديم.
أخذ اسم “ديلاكروا” ينال شهرة في الأفق بفضل اللوحة الأهم على الإطلاق وهي المسماة “الحرية تقود الشعب”، وهذه اللوحة واحدة من الأيقونات الفنية التي يفخر بها الشعب الفرنسي، و”صاحبة بريق لا يختفى” رسمها “ديلاكروا” في خريف عام /1830/ م ذات أبعاد /260 – 352سم/. واللوحة مستوحاة من الثورة الفرنسية/1789 — 1799م/.
كان للفنان “ديلاكروا” تأثير عميق جداً على الحركة “الرومانتيكية”، إذ أنه عُرف بسيد اللون، نظراً لاهتمامه بتصوير المناظر الطبيعية نتيجة تأثره بالفنان الإنجليزي “كونستابل” رسام المناظر الطليعية من أتباع الحركة الطبيعية، واستخدامه الألوان بنهج جلي وواضح بصناعته لتجربة مشاهدة متفجرة أمام اللوحة. وهذ ما أثار إعجاب “الانطباعيين” بالحركة والطاقة المتميزة في لوحات “ديلاكروا”، وإجادة ألوانه التي تنم عن سلاسة وكفاءة التي توافق أفكار أصحاب الحركة “الانطباعية”.
مؤرخو تاريخ الفن التشكيلي أحياناً يرون في المدرسة “الرومانسية” على أنها رد فعل على “النيو كلاسيك” (الكلاسيكية الجديدة) التي سبقتها تاريخياً، ومرد ذلك أن فناني الكلاسيكية الجدد قد ركزوا على توثيق التاريخ بشكل صحيح من خلال اهتمامهم الدقيق بالتفاصيل، في حين نجد أن “الرومانسيين” ركزوا على موضوعات تمجيد الذات وعلاقة الإنسان بالطبيعة، بشكل أكثر عاطفية، النأي عن الحركات السياسية والأحزاب، بمعنى أن يكون الخلاص والسلام نابعاً من الفرد ذاته. وهذا تأكيد على أن “الرومانسية” تهتم بالشعور الفردي والإبداع والخيال الشخصي. وهي التي بفنها الراقي الذي يعد جزءاً من حركة فلسفية أكثر تعددية تضمن الفنون الأدبية والبصرية والفكرية ولذلك هناك من نعت “ديلاكروا” بالفيلسوف.
لقد جمع “ديلاكروا” بين المفاهيم “الرومانسية”، وهي الأفكار المجردة التي تحتوي على الخصائص الأساسية للشيء الذي تمثله، مع التقنيات والتأثيرات الخاصة بالفنانين الكبار، بحيث أنه طور أسلوبه الذاتي الذي اهتم فيه بإظهار الألم والمعاناة من خلال الألوان الزاهية في عام1832م سافر “ديلاكروا” إلى “المغرب العربي” برفقة الكونت “مورناي” زار فيها “طنجة ومكناس” إذ أنه أمضى مدة ستة أشهر في المغرب فتسنى له أن يشبع فضوله وعطشه إلى استكشاف عالم يختلف كلياً عن الفضاء “الباريسي” التي أراد الهروب منها وكأنه سئمها وضجر منها للاطلاع على غيرها.
في “المغرب” رسم “ديلاكروا” الكثير من الرسوم معظمها بالقلم الفحم وبعضها بالألوان المائية، مع تدوينه لملاحظات تشكيلية طيبة حول مشاهداته مما جعله مخزوناً لرسم لوحات عديدة ذات موضوعات شرقية ظلت تشغله حتى وفاته في العاصمة الفرنسية. هذه اللوحات التي رسمها وهو في “المغرب” ذات الموضوعات الاستشراقية جاءت مختلفة عن الشرق المتخيل الذي ظهر في لوحاته قبل زيارته لـ “لمغرب”. فكانت مجموع هذه اللوحات تشكل فصلاً رئيساً من فصول سيرة “ديلاكروا” الفنية ومنها: لوحة “طنجة” التي رسمها سنة 1938م ولوحة “صيد الأسود” التي رسمها سنة 1855م ولوحة “خيول عربية تتصارع في الاسطبل” وغيرها الكثير.
قال مؤرخو تاريخ الفن التشكيلي: “جمالياً تميزت هذه اللوحات ببلوغ لغة ديلاكروا الفنية ذروتها في القدرة على التعبير عن الحركة المشحونة بالعواطف، الأمر الذي وضعه على رأس المدرسة الرومنطيقية في فرنسا دون منافس قريب”. اليوم الآلاف المؤلفة من “المغاربة” يهرعون يومياً إلى متحف “محمد السادس” لمشاهدة اللوحات المعروضة هناك التي رسمها الفنان “ديلاكروا” وعددها /85/ لوحة فنية.
في عام 1863 توفي “ديلاكروا” في العاصمة الفرنسية “باريس”.
No Result
View All Result