حنان عثمان_
لقد اعتدنا المقولة القائلة، إن “التاريخ يكتبه الحكام والمنتصرون”. وهذا يعني أن التاريخ المشرّف للمرأة لم يتم كتابته بعد، بل تم طمسه وطمره عن سبق إصرار وتصميم من قِبَل النخبة الحاكمة، أي من طرف العقلية الأبوية المهيمنة.
إلا أن كنوز الاكتشافات الأركيولوجية من جهة، وفك شيفرة الكتابة المسمارية على يد عالم الآثار البريطاني “جورج سميث” من جهة أخرى، قد كشف لنا النقاب نوعاً ما عن تلك الحقبة الذهبية، التي عاشتها البشرية في “العصر الأمومي”.
هذا العصر، الذي طالما تَعلَّمناه أنه كان عصراً مشاعاً بدائياً، ولا يستحق أن يُدَرَّسَ في كتب التاريخ. وقد ارتضَينا هذه الحقيقةَ وكأنها واقعٌ مطلَق ومُسَلَّمٌ به. لكن؛ هذه الاكتشافات المذكورة أعلاه، قد أحدثت هزة كبيرة في العالم، وخاصة لكل من حارب وعادى قوة وإرادة المرأة، ولكل من شوَّه صورة المرأة على مر التاريخ وفي يومنا الحاضر.
بمعنى آخر، فقد تصدعت تلك النظرية، التي أرادوا لنا أن نؤمن بها، وهي أن التاريخ بدأ مع منجزات الحكام المنتصرين ومع انتصاراتهم وكتاباتهم. إذ انكشفت الحقيقة، وتبيَّن أنه هناك مصادر أخرى مطمورة، وترجع إلى ما قبل التاريخ المدوّن، مصادر سبقت الكثير من المرويات، أو لنقل إن الأصل، الذي أَخذت عنه أولى الديانات مروياتها، كما أن التوراة أيضاً أخذت الكثير منها.
لقد أسدلت تلك الاكتشافاتُ الغطاء عن الدور المتميز، الذي لعبته المرأة في الأصعدة كافة خلال العصر الأمومي. حيث كانت المرأة، الإلهةَ العظمى طيلة مئات آلاف السنين، وحتى العصر النيوليتي. وعلى الرغم من أنه لم تصل لنا أشياء مكتوبة كثيرة من تلك الحقبة، إلا إن أسلافنا تركوا لنا كنوزاً ثمينةً من التماثيل والرسوم والمعابد، التي تجعلنا نتأمل في حقبة ما قبل التاريخ المدوّن؛ أي في “العصر الأمومي” وحتى العصر النيوليتي. لماذا وكيف تحولت المرأة من آلهة في السماء ورئيسة القداسة على الأرض، ومن مستقلة بذاتها، ومقررة لأمرها، ولأمر محيطها؛ لتصبح ضعيفة تابعة، وليحوِّلها أولئك الحكام أشباه الملوك وأشباه الآلهة إلى ذلك العفريت المتستر وراء الجلد الناعم ليمنع “الرجل” من الخلود؟
لا بد لنا من التفكير في هذه وغيرها من الأسئلة الكثيرة المحجوبة عن عقولنا… وإذا ما سعينا في محاولةٍ بسيطة منا للجواب عليها، نجد أنه كانت هناك تقلبات جذرية أثرت بشكل جوهري على المسار التاريخي للبشرية عموماً ولمسيرة المرأة خصوصاً بانحدارها التدريجي نحو القاع ليمتد حتى يومنا الراهن.