الشهباء-لكي يثبتوا للعالم أن الشعب الكردي ليس بجاهل أو متخلف، بل أنه شعب يحب الثقافة والفن والعلم والأدب، وله تاريخ عريق غيّبه المحتلون والمتسلطون عمداً، تم افتتاح مكتبة تضم آلاف الكتب المتنوعة وباللغات المختلفة منها العربية والكردية في إثبات لحقيقة تقبل الآخر والتعايش السلمي بين المكونات، هذه الكتب التي أعيدت الحياة لها بانتشالها من تحت الأنقاض والمنازل المهجورة، باتت اليوم مقصد المئات من أبناء المخيم وخارجها.
بعد ثلاثة أشهر من افتتاح المكتبة التي كانت تضم حوالي 700 كتاب فقط، باتت اليوم تضم حوالي 2500 كتاب منوع وباللغتين الكردية والعربية، شملت أقسام متعددة “روايات، دراسات أدبية وإسلامية، كتب عن الصحة والحقوق وعلم الاجتماع وعلم الجغرافية والفيزياء، إضافة لكتب ترفيهية وكتب فنية وغيرها من الكتب المتنوعة”.
المكتبة تهدف لإعادة روح الصداقة بين الإنسان والكتاب
المشرفة على تنظيم المكتبة أفيستا محمد تحدثت عن الغاية من افتتاح هذه المكتبة في مخيم سردم الذي يضم حوالي 3000 من مُهجري عفرين، وقالت: “كان الهدف هو إرسال رسالة للعالم إن الشعب الكردي ليس بجاهل، بل هو شعب يهتم بالعلوم والثقافة وكيف يعيش بحرية، والهدف الثاني هو إعادة روح الصداقة بين الإنسان والكتاب، لأن هذا الحس اُفتقِد في عصرنا هذا عند غالبية الناس، والهدف الثالث من افتتاح مكتبة شبه شاملة لنشر المعرفة عبر الكتب نتيجة عدم تواجد التلفاز عند غالبية النازحين في المخيم وخارجها وبالتالي يكون الكتاب مصدراً للمعلومة والتسلية وقضاء الأوقات بأشياء مفيدة”.
وأشارت عضوة اتحاد المثقفين والقائمة على تنظيم المكتبة أفيستا محمد إلى أنه هناك نقص كبير في بعض الكتب وهم يسعون للحصول عليها من مناطق أخرى، وهي قصص الأطفال والروايات الكردية وكتب مختصة أخرى ككتب “بدر خان وفيه تايران” لأنه ثمة طلب كبير على هذه الكتب من قِبل زوار المكتبة.
إنقاذ الكتب من تحت الأنقاض
فكرة المكتبة في المخيم طُرحت من قِبل اتحاد مثقفي عفرين، وتم زيارة الكومينات والمجالس وطلب المساعدة لجمع الكتب من المنازل المدمرة، إضافة لتطوع أعضاء من الاتحاد والفعاليات الأخرى والأهالي لجمع الكتب وانتشالها من تحت الأنقاض والبيوت المهجورة، كذلك تبرع بعض الأهالي بعدد من الكتب الموجودة عندهم من مختلف الاختصاصات، وتم فرز هذه الكتب وترتيبها. وبعد ثلاثة أشهر من عمر المكتبة وزيادة الكتب، زاد الإقبال بنسبة جيدة، ويبلغ عدد الزوار أسبوعياً أكثر من خمسة عشر شخص، وغالبية الزوار هم من فئة الشباب والأطفال إضافة لعدد من كبار السن.
تنمية المواهب…. إحدى سُبل تطوير المجتمع
لا يقتصر دور المكتبة على مجرد توفير الكتاب للقراءة فقط أو الإعارة، بل وتقوم المشرفة على المكتبة على تنمية مواهب بعض الزوار عبر الحوار معهم عن مدى استفادتهم من قراءة الكتاب والفكرة والعبرة التي استخلصوها من الكتب التي يطالعونها، وهنا تقول أفيستا “استطعنا عبر هذه الألية التعرف على مواهب عدة لدى الأطفال والشباب من كتابة وتأليف أغاني والرسم وكتابة الأشعار”، وتورد أفيستا قصة طفل يستعير الكتب بشكلٍ أسبوعي ويعمل على تأليف الشعر وكتابة قصص قصيرة من الكتب التي يقرأها.
وتنوه أفيستا إلى أن هذه المكتبة شاهدة على حقبة تاريخية مهمة في تاريخ شعب عفرين وهو دليل على مقاومته بأشكال مختلفة، وتؤكد أنهم سينقلون هذه المكتبة إلى عفرين بعد تحريرها، لأن هذه المكتبة تشكل صرحاً رمزياً يثبت مدى اهتمام هذا الشعب بالعلم والفكر الحر المعتدل، وفي نفس الوقت كي نظهر للعالم كيف ننظر للحضارة والمعرفة، وكيف إن محتلي عفرين دمروا التاريخ والحضارة..
نظرتنا للنازح والمُهجّر تختلف عن نظرة المنظمات الدولية
بدورة قال الرئيس المشترك لاتحاد مثقفي عفرين في مقاطعة الشهباء أسامة أحمد حول الظروف والأهمية التي تتمتع بها المكتبة: “تعتبر هذه المكتبة أول مكتبة تقام في مخيم اللاجئين في سوريا بجهود ذاتية، ففي معظم المخيمات أكثر ما هنالك يقدم الدعم المعنوي وبرامج ترفيهية للأطفال ويقدم الدعم النفسي لا أكثر، وافتتاح مكتبة تحتوي على جميع العلوم والمعارف خطوة رائدة واستباقية في المخيم، وللأسف لأن الإنسان النازح بمنظور المنظمات الدولية والأمم المتحدة إنسان متسول بحاجة لمأكل ومشرب وبطاقة عبور لا أكثر، أما بالنسبة لمنظورنا فنرى إنه يتوجب علينا المحافظة على مفهوم المجتمع ولا يكون ذلك إلا بوجود كافة المقومات، التي يمكن من خلالها أن نقول أن هنالك مجتمع وحياة حرة”.
أحمد أضاف: “افتتاح المكتبة بمثابة رسالة معنوية للعالم فنحن كوننا أصحاب ذات حرة، بإمكاننا بناء الحضارة ولو في الصحاري، فنحن نحمل فلسفةً هي فلسفة بناء الإنسان الحر”.
وافتُتِحت هذه المكتبة برعاية اتحاد مثقفي عفرين، وفي مقاطعة الشهباء في 29/9/2018 في مخيم سردم كأول مكتبة للكتاب في مخيمات اللاجئين في سوريا بجهود ذاتية، تعتبر هذه الخطوة خطوة فعالة وبناءة في سبيل نشر العلم والمعرفة، وتضم المكتبة أكثر من ثلاثة آلاف كتاب باللغات العربية والكردية وعدة لغات أجنبية، وتقسم المكتبة إلى عدة أقسام وهي قسم الآداب قسم العلوم وقسم الفلسفة وقسم المرأة وبجانبها قسم الطفل والطب والإعلام والدين والرواية.