سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

من المستفيد من كتابة دستور جديد في تركيا؟

 هيفيدار خالد_

 تتواصل النقاشات حول كتابة دستورٍ جديدٍ في تركيا مؤخّراً، وذلك بعد خسارة حزب العدالة والتنمية في انتخابات البلديات مؤخراً، وكان ذلك صفعة قوية لأردوغان وأركان نظامه الفاشي.
منذ وصول أردوغان إلى السلطة في تركيا ظل مسؤولوه يشددون على مسألة تغيير الدستور العسكري أو الإنقلابي (1982)، كما يسمّونه، والعمل على تعديلاتٍ جذرية فيه، وبالفعل أجريت تعديلاتٌ عدّة على الدستور في فتراتٍ زمنية متلاحقة، أبرزها في عامي 2007 و2010، وهلم جرَّا، حتى وصلوا إلى الاستفتاء الكبير على تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي عام 2017، حيث مُنح فيه رئيس النظام صلاحيات كبيرة مكنته من التحكم بمفاصل السلطة في البلاد كافة.
في تركيا اليوم الكل يريد تغيير الدستور الحالي ومتفق على ذلك، بدءاً من المعارضة والنظام الحاكم إلى المنظمات والمؤسسات الحقوقية وصولاً إلى التنظيمات والمنصات النسائية، لكن حزب العدالة والتنمية يريد دستوراً على مقاسه يحقّق من خلاله أهدافه ويعيد إنتاج نفسه بما يمنحه صلاحيات جديدة لا سيما إثر الخسارة الكبيرة، التي مني بها في انتخابات البلديات، محاولاً بشتى الطرق استعادة ثقة الناخبين، الذين صوّت معظمهم لأحزاب المعارضة، فلم يوفّر أسلوباً ولا تكتيكاً إلا واستخدمه لتوسيع دائرة سيطرته على مؤسسات الدولة من جديد. وهذا ليس بجديد فهو ديدن حزب العدالة والتنمية؛ إذ إنه كلما تأزّمت أوضاعه في البلاد هرع إلى مسألة تعديل الدستور.
الدستور التركي بالفعل بحاجة إلى تغيير ومراجعة خاصة، ولكن ليس التغيير، الذي يعنيه رئيس النظام وأركانه بما يخدم مصالحهم الشخصية، بل تغيير حقيقي من خلال تعديلات جذرية، وإضافة نصوص جديدة تلبي رغبات الشعب التركي، وطموحات، ومطالب الشعوب الموجودة في تركيا، بما يتناسب مع المستجدات الأخيرة، لأن الدستور الحالي دستور بيروقراطي وليس ديمقراطياً، ولا يضمن حقوق الثقافات والشعوب الأساسية في البلاد، وعلى رأسها الشعب الكردي، كما أنه يقيّد الحريات الشخصية، وحرية الرأي والتعبير بشكل كامل.
التغيير الحقيقي للدستور، هو ما طالب به حزب المساواة وديمقراطية الشعوب المعارض بإقرار الاعتراف بحقوق المكونات القومية والدينية، التي تعيش في تركيا، من كرد، وعرب، وعلويين وغيرهم، وهو ما يتناقض مع جوهر الدستور التركي الحالي، الذي يشير في مادته الرابعة إلى عدم تغيير المواد الثلاث الأولى منه، فتحديد شكل الدولة كجمهورية هو ما نصت عليه المادة الأولى، وكذلك ما تضمنته المادة الثانية من سمات للجمهورية، بينما التأكيد على أن اللغة التركية هي اللغة الوحيدة للدولة، وكذلك وجوب بقاء أنقرة عاصمة للبلاد، مع الاحتفاظ بالعلم نفسه وعدم التقسيم هو ما تضمنته أحكام المادة الثالثة من الدستور.
واليوم تركيا هي في أمس الحاجة إلى دستورٍ ديمقراطي يضمن حقوق الشعوب الموجودة في البلاد. وإنهاء حالة العنف السائدة، وفقدان الديمقراطية نتيجة سياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ أكثر من عشرين سنةً، وعلى وجه الخصوص الممارسات والانتهاكات، التي تتعرض لها المرأة، والتي تصاعدت في عهد أردوغان بشكل أكبر بعد انسحابه من اتفاقية إسطنبول لمناهضة العنف ضد المرأة، ليبقى المستفيد الأكبر من التعديلات الدستورية التي تقرها سلطة أردوغان، هو حزب العدالة والتنمية، وليس الشعب التركي، أو أي طرفٍ آخر.