سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

النسخة 21 من أستانة فشل آخر وتعقيدات جديدة في الأزمة السوريّة

رفيق إبراهيم_

في ظل التحديات والصعوبات الكثيرة، التي تعاني منها المنطقة عامةً وسوريا بشكلٍ خاص، عُقد يومي الرابع والخامس والعشرين من شهر كانون الثاني الجاري، ما يُسمى بمؤتمر أستانة في العاصمة الكازاخية نور سلطان، بنسختها الحادية والعشرين، وبدعوة مما تُسمى الدول الضامنة “إيران وتركيا وروسيا”.
واستضافت العاصمة الكازاخية نور سلطان، في منتصف العام الماضي النسخة العشرين منه، بمشاركة الدول الثلاثة تركيا وروسيا وإيران، ووفد من حكومة دمشق وأيضاً ما تسمى المعارضة، وبحضور الممثل الأممي لسوريا غير بيدرسون، حيث أكد الجميع في تلك النسخة على محاربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وتحقيق مصالح الدول الثلاثة.
محور أستانة مصالح وتوافقات جديدة
وعقدت هذه الجولة من أستانة، في ظل الكثير من المتغيرات وتأتي في مقدمتها الحرب في غزة بين إسرائيل وحماس، وهذه الحرب لها التأثير البالغ على المنطقة، وسوريا بشكلٍ خاص، حيث تتداخل مصالح الكثير من الدول الفاعلة في الأزمة السوريّة، وهي تتخوّف من امتداد الصراع إلى سوريا والدول المجاورة الأخرى، وقد يتوسع ليشمل دول إقليمية ما ينذر بحرب عالمية ثالثة ستكون عواقبها خطيرة للغاية.
النسخة الأولى من أستانة، عندما تم عقدها كان الهدف هو إيقاف مسار جنيف الأممي لحل الأزمة السوريّة، ومصادرة قراراته، فسعت روسيا للتفرّد بالمسار الجديد، عبر ضم كل من تركيا وإيران إليها، حيث كانت روسيا تخطط لتحجيم دور القوى الأخرى عن المشاركة في إيجاد الحلول للأزمة السوريّة، وبخاصةٍ الدور الأمريكي لما له من ثِقل على المستوى العالمي، والتأثير في القرارات الدولية.
ومن جهتها تركيا كانت ولا زالت تسعى دائماً وتحت مسميات وجود خطر على أمنها القومي، الحصول على المزيد من المكاسب في سوريا، فانضمت لأستانة، وهدفها التوسع واحتلال الأراضي السوريّة، وبالتوافق بينها وبين روسيا وإيران، وتحت مسمى محاربة الإرهاب، احتلت العديد من المدن السورية بدءاً من جرابلس وصولاً لسري كانيه وكري سبي، وهي نجحت في تحقيق العديد من المكاسب، وكلنا يعلم أن الهدف من كل ذلك محاربة الإدارة الذاتية، وضرب مشروعها الديمقراطي في المنطقة، وتتوافق معها موسكو وطهران من حيث المبدأ.
أما إيران فعينها على السيطرة الكاملة على مناطق حكومة دمشق، والحدود العراقية السوريّة، التي تُعدُّ شريان الحياة لميليشياتها، لما لها من أهمية في إيصال الأسلحة والمواد اللوجستية وإدخال عناصر المجموعات الموالية لها من الطرف العراقي، وهي أيضاً حصلت على امتيازات كثيرة عبر نتائج مؤتمرات أستانة، وبخاصةٍ بعد الحرب الروسية على أوكرانيا التي قلّصت الدور الروسي في سوريا، واستفادت إيران منه بشكلٍ كبير.
من نتائج أستانة الخراب والقتل والتهجير
اليوم وبعد مرور ثلاثة عشرة عاماً على الأزمة السوريّة، عقدت الجولة الحادية والعشرين من أستانة دون أي تقدّم جديد، وهنا لا بد من السؤال ماذا حققت هذه المؤتمرات من نتائج إيجابية، يمكن الاعتماد عليها في حل الأزمة في سوريا؟
إن من يتابع الأوضاع في المنطقة وسوريا، سيرى بأن مسار أستانة لم يأتِ إلا بالخراب والدمار والقتل والاحتلال للأراضي السوريّة، فبعد عقد أي جولة كانت هناك هجمات تركية برية على الأراضي السوريّة أدت في نهاية المطاف إلى احتلال عفرين وسري كانيه وكري سبي، ومنذ ذلك الحين والهجمات التركية لم تتوقف يوماً، وكان آخرها الهجوم على البنى التحتية والمؤسسات الخدمية ما تسبب في استشهاد المدنيين والعسكريين، وتدمير كامل للعديد من المواقع والمعامل، كمعمل الغاز ومراكز توليد الطاقة الكهربائية وغيرها، وكلنا يعلم أن ما يحدث من هجمات ما هو إلا نتيجة لتوافقات أستانة، وبضوء أخضر أمريكي.
محاربة مشروع الإدارة الذاتية هدف أساسي
أستانة في نسختها الحادية والعشرين، وكما ركّزت نسختها العشرين وما قبلها، على محاربة الإدارة الذاتية، والعمل على رحيل القوات الأمريكية من المنطقة، لم يطرأ على برنامجها أي جديد، فتركيا تتطلع من خلال هجماتها المتكررة على إقليم شمال وشرق سوريا، لإفراغ المنطقة من سكانها، للسيطرة على مناطق جديدة، في حين أن إيران وبالاتفاق مع تركيا تستهدف القواعد العسكرية للتحالف الدولي وأمريكا، عبر وكلائها في المنطقة، وفق برنامج أستانة في نسخته الجديدة.
اليوم حكومة دمشق غير قادرة على القيام بمسؤولياتها تجاه شعبها، فهي تعاني من المشاكل الاقتصادية وتأمين سبل العيش الكريم لشعبها، وبخاصةٍ أن قرارها مُصادر من قبل الروس والإيرانيين، وهي غير قادرة على طرح أية مبادرة للحل في سوريا بمفردها، وعلى الرغم من مشاركتها في أستانة لا يمكنها تقديم أي شيء إيجابي، لأن هناك من يتحدثون بلسانها في المؤتمر، وحضورها شكلي أكثر مما هو رسمي.
وفي الخلاصة، وما يمكن استنتاجه من عقد النسخة الحادية والعشرين من أستانة، بأنه لا يمكن التعويل على نتائجه لأن تلك النتائج جاءت لتحقيق مصالح دول محور أستانة، وما كنا نتوقعه من نتائج ظهر فور انتهاء الاجتماع، وعلى رأسه زيادة العداء للإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، ومحاربة الوجود الأمريكي، ومحاولة التطبيع بين أنقرة ودمشق، والحصول على مكاسب جديدة لمحور أستانة عبر توافقات جديدة فيما بينهم، هذا ما ظهر للعلن، وبخاصةٍ أنه تم تهميش ممثلي الإدارة الذاتية ومجلس سوريا الديمقراطية مرةً أخرى من المشاركة، ما يؤكد فشله الذريع في إيجاد أي تقدّم في مسار حل الأزمة السوريّة، هذا إن لم يؤدِ إلى المزيد من الاحتلالات والمشاكل والتوافقات والتعقيدات الجديدة، التي قد تدفع المنطقة لحروب وصراعات قد يكون الخروج منها مستحيلاً.