مثنى عبد الكريم: “نعمل على تحقيق التعددية واللامركزية في سوريا”

حوار/ ماهر زكريا ـ مصطفى الخليل –

---

في الآونة الأخيرة شهد شمال وشرق سوريا تطورات كبرى؛ كان لها الأثر الأكبر على الدول المجاورة، مع الأطماع التركية والتهديدات المستمرة لمناطق شمال السوري خاصة وسوريا عامة دون تمييز بين طفل وامرأة وصحفي بحجة حماية الأمن القومي.

وكان لحزب سوريا المستقبل رؤية سياسية لمجريات الأحداث على الساحة السورية والإقليمية، وبخاصة أن حزب سوريا المستقبل يحمل فكراً ديمقراطياً ومشروعاً سياسياً لحل الأزمة بعيداً عن الحروب والقتل والدمار، وهذا الفكر يقوم على التعددية في الفكر والعِرق والدين واللامركزية في الإدارة.

إنّ السياسة الدولية متغيرة وفقاً لمصالحها، وكان لا بد من توضيح الرؤى السياسية المستقبلية التي تحيط بالشعب السوري في الداخل، أو دول الجوار الإقليمية والدولية. لذلك؛ كان لصحيفتنا حواراً مع رئيس فرع حزب سوريا المستقبل في الطبقة مثنى عبد الكريم، حيث طرحنا عليه عدة أسئلة حول الوضع في شمال وشرق سوريا، والوضع السوري والإقليمي والدولي.

وكان الحوار على الشكل التالي:

ـ نلاحظ في الفترة الأخيرة سياسات مُتغيّرة للدول الكبرى على المستوى الإقليمي، كيف ينظر حزب سوريا المستقبل لهذه التغيرات وما أسبابها؟

نلاحظ كما ذكرتم في بداية سؤالكم إن الدول العالمية والإقليمية أيضاً بدأت بتغيير سياساتها، حيث نشهد تطمينات أمريكية لتركية عبر إدراج مكافآت مالية لمن يدلي بمعلومات عن عدد من القادة في حزب العمال الكردستاني، وعبر إنشاء نقاط مراقبة حول منبج، كما نتابع عن كثب تصريحات التحالف الدولي وتغيرات واقع اتفاقية المنطقة العازلة التي لم تُنفذ منها شيئاً، وهذا الاتفاق لم يزل في غرف الإنعاش فنراه يموت سريرياً في مرات عديدة وأخرى ينتعش، وكل هذه التغيرات وغيرها وما تحويه من رسائل مبطنة أو ظاهرة للجميع يُتابع من قِبل الحزب وبعناية. ولا بد ان نبحث في الأسباب وهي بكل تأكيد مصالح الدول، فكل دولة كانت كبرى أو صغرى مجاورة أو بعيدة لها مصالحها، التي تسعى لتوطيد أركانها والعمل على ذلك بكل وسيلة متاحة، فأسباب تلك المتغيرات هي تغير واقع مصالح هذه الدول تزامناً مع المتغيرات الجيوسياسية.

ـ هناك معاهدات دولية تنظم العلاقات الخارجية بين الدول. لكن؛ الأزمة السورية عكست انهيار هذه العلاقات بين الدول، كيف تنظرون إلى تضارب المصالح بين الدول من خلال الأزمة السورية؟

كما أسلفت في بداية حديثي أن هناك تضارب في المصالح الإقليمية والدولية، وسعي لتوطيد وترسيخ مصلحة كل دولة على حساب ما يجري على الأراضي السورية، واسمح لي أن أخالفك في مبدأ انهيار العلاقات فما أراه هو تلاعب بالواقع حيث تضمن كل دولة مصلحتها مع مراعاة مصالح الدول الأخرى، بحيث تكون الخسائر مقبولة لكل دولة تزامناً مع مصلحتها الخاصة والعامة، وهذا ينعكس سلباً على الأزمة السورية، وقد يطول أمدها وهذا ما لا نتمناه، فنحن في حزب سوريا المستقبل نسعى لتحل لغة السلام بدلاً من لغة الرصاص.

ـ يُعرف النكوص السياسي بالعجز الاقتصادي والعسكري وضياع الأفق السياسية، ما الدول التي ترونها واقعة في حالة النكوص السياسي؟

إن العجز الاقتصادي أو النكوص السياسي وظهور صراع التفوق العسكري بين دول مثل أمريكا وروسيا وتركيا وإيران؛ بجعل سوريا ساحة لتجاربهم واستخدام الأسلحة الحديثة على أراضيها، وهناك أسلحة سياسية تتمثل بفرض عقوبات اقتصادية على دول مثل إيران، أو تأثر دول بواقع الحرب والأزمة السورية مثل تركيا وانهيار في عُملتها واقتصادها، ولا يمكن أن نغفل أيضاً عن التذبذب الاقتصادي في الدول الكبرى كأمريكا، والعجز في الاقتصاد الروسي، كلها دول تقع وتخضع لمبدأ العجز الاقتصادي وبداية الانهيار، وناهيك عن دول الجوار الشرق أوسطية ودول الحروب أو الدول غير المستقرة كسوريا واليمن ولبنان وغيرها من الدول.

ـ حزب سوريا المستقبل كان له دائماً رؤية سياسية واضحة في فترة تأسيسه، هل يفتقر في المرحلة الحالية للدور السياسي الداخلي؛ وما الواقع السياسي للحزب في هذه الفترة؟

حزب سوريا المستقبل لم يولد حزباً ليكون آنياً، إنما ليكون حزباً مفصلياً له رؤية سياسية واضحة شفافة، ولم يخلق ليكون واجهة أو بدلاً عن حزب سياسي آخر أو شيء من هذا القبيل. ومن يملك الرؤية الواضحة ويتمتع بالثقة الشعبية وبخلفية جماهيرية كبيرة، لن يفتقر إلى الدور السياسي في الداخل، بل على العكس تماماً، فنحن كنا ولا زلنا نسعى بكل قوة ومرونة سياسية اعتماداً على القاعدة الجماهيرية والثقة من الشعب بأن الحزب يسعى للحل السلمي السياسي وفق منظور الحوار السوري ـ السوري، ونبذ العنف والحفاظ على وحدة الأراضي السورية ووقف نزيف الدم السوري.

ـ على مستوى العلاقات أين توصلتم بها على المستوى الداخلي وهل نجحتم في تحقيق ما خططتم له؟ 

بعد الانتهاء من مرحلة التأسيس إلى البناء والتطور؛ سعينا كحزب سوريا المستقبل لعقد عدة لقاءات بين مختلف الأحزاب السورية، حيث تمثل هذا السعي بلقاءات مكثفة من قِبل الرئيس العام لحزب سوريا المستقبل إبراهيم القفطان والأمين العام للحزب هفرين خلف مع عدد كبير من أحزاب الشمال السوري. وعقد لقاءات مع أحزاب الداخل السوري، وكما يعلم الجميع إننا كحزب يتخذ من المصداقية في الأقوال كمبدأ وتحويل الأفعال إلى شعار، التقينا مع مجلس سوريا الديمقراطية بالنظام السوري في دمشق، وهناك مساعي حثيثة بجهود عالية لعقد عدد من المؤتمرات تضم الأحزاب والقوى السياسية كافة في الداخل السوري بدون استثناء، وهذا كله يندرج في بند العلاقات السياسية، واليوم لنا تمثيل في مجلس سوريا الديمقراطية جنباً إلى جنب مع بقية الأحزاب والشخصيات السياسية والاعتبارية.

ـ هل سيدعوكم مجلس سوريا الديمقراطية لمناقشة توصياتكم ومطالبكم، وما النقاط التي تُريدون إيصالها؟

ذكرت سابقاً انه لنا تمثيل في مجلس سوريا الديمقراطية ويجري بيننا لقاءات عديدة ومستمرة، وهناك اجتماعات يجري فيها تبادل وجهات النظر للوصول لرؤية سياسية واضحة موحدة، هدفنا منه هو خروج سوريا من دوامة الأزمة التي طال حلها، والذهاب بها إلى بر السلام والأمان. وما نريده ونريد أن نوصله يتمثل بما يريده الشعب، وحزبنا هو حزب شعبي؛ لأنه ولِد من بين الشعب، ومن بين آلامه وجراحه حاملاً على أكتافه أمانة تحقيق مطالبه، ساعياً لذلك بكل صدق، ومن هذا المنطلق نعتبره حزباً شعبياً ذا تأثير مجتمعي وصوت الشعب الذي يُعبّر خلاله عن مطالبه.

ـ تُمثل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا الحياة السياسية في المنطقة، ما آفاق مشاركة الحزب بهذه الإدارة الجديدة؟

إن تجربة مثل تجربة الإدارات المدنية التي تحولت لإدارة ذاتية لشمال وشرق سوريا، تُعتبر من التجارب الرائدة والتي يُعلق عليها الكثيرون آمالهم في حل معضلاتهم ومشاكلهم، وتوحيد العمل الإداري وفق قاعدة اللامركزية الصحيحة ومن الخطأ النظر إليها على أنها وحسب مفهوم البعض الخاطئ انفصال أو انقسام، بل هي تمثيل لمبدأ الديمقراطية وقد شارك الحزب في هذه الإدارة عبر عدد من أعضائه المنتمين لهذه التجربة الناجحة، ونحن نسعى لتذليل الصعوبات والعراقيل، فكل تجربة تصب في مصلحة الشعب لا بد من مساندتها، وهذا أمر مبدئي وفق قاعدة التشاركية في حزب سوريا المستقبل، كما تتمثل مشاركة الحزب أيضاً في الإدارات المدنية ومؤسساتها والتي نأمل أن تكون فعالة بما يخدم مصالح الشعب.

 ـ ما المشاريع السياسية المستقبلية لحزبكم، وكيف ستنالون الثقة من خلالها؟

لدينا العديد من الرؤى والطروحات في المجال السياسي وفي جميع المجالات الأخرى، وذكرت سابقاً إننا نسعى لعقد مؤتمر يضم كل السوريين بأطيافهم وأحزابهم وتنوعهم، بغية العمل على إيجاد أرضية مناسبة لتفعيل مبدأ الحوار السوري ـ السوري. وبالنسبة للثقة أستطيع القول بكل ثقة، أننا حصلنا عليها مبدئياً وسنعمل على توطيدها وترسيخها، فالشعب اليوم يُعلق علينا آمالاً كثيرة ونحن نلاحظ هذا الأمر جلياً، من عمليات الانتساب المتزايدة لصفوف الحزب إيماناً من الجماهير بأهدافه الوطنية ومبادئه الإنسانية. وكذلك بتزايد نسبة المناصرين له من منطلق أنه حزب وطني يبحث عن السلام والحفاظ على سوريا الأم موحدة، بكل مناطقها ساعياً من أجل النهوض بها من مخاض الألم إلى بحر الأمل.

 ـ ما التوجهات الإدارية التي يسعى إليها الحزب في المستقبل، وما القاعدة التي سيعتمد عليها في الحكم؟ 

إننا في حزب سوريا المستقبل نعتمد على مبدأ اللامركزية الإدارية كقاعدة أساسية، في محاولة للتخفيف من البيروقراطية الإدارية التي تعتمد عليها الأنظمة المركزية، ومبدأ اللامركزية هو الأنسب لمستقبل شعوبنا، وهذا المبدأ هو الأساس في السياسة والإدارة متجاوزين أنظمة العمل السياسي والإداري والبيروقراطية والديماغوجية والشوفينية.

 ـ إدلب وعفرين ومنبج وتل أبيض (كري سبي) على طاولة المفاوضات الدولية، كيف تنظرون لمستقبل هذه المناطق؟

نؤكد دائماً في كل لقاء واجتماع أن سوريا واحدة، فإدلب وعفرين ومنبج وكري سبي والرقة ودمشق وحمص واللاذقية والسويداء وكل منطقة سورية هي نسيج اجتماعي وثقافي متنوع، يُزيّن اللوحة الرائعة القديمة الضاربة في التاريخ والتي اسمها سوريا. ورغم كل محاولات الاجتثاث والتفرقة والفصل والقصف والتهديد، وبث الفتنة وآخرها استشهاد الشيخ بشير الهويدي؛ لن تستطيع أي قوة كانت أن تُفعّل هذه الخبائث التي تريد زرعها، فالشعب السوري شعب جبار قوي متسامح وهو شعب يمتاز بالإباء والإخاء والكرم والمروءة والشهامة والرجولة. وهو شعب قادر وأقولها بكل ثقة على الوقوف بوجه مشاريع أعداء الإنسانية، ولن يناله أو ينال هذه المناطق سوءاً وهذا ليس كلاماً عبثياً، بل يأتي من خلال قراءة الواقع السياسي جيداً.

– في الفترة الأخيرة كانت هناك اعتداءات تركية على مناطق في الشمال السوري، في أي خانة تضعون هذه الاعتداءات وما موقف الحزب منها؟

إننا في حزب سوريا المستقبل؛ أصدرنا بياناً نستنكر فيه الهجمات التركية على مناطق في شمال وشرق سوريا، وأكدنا إننا نسعى لإقامة علاقات حُسن جِوار وبخاصة مع الدول الإقليمية المجاورة للجغرافية السورية، وأؤكد أن مشروع الإدارة الذاتية ليس مشروعاً انفصالياً ولا يؤثر على الأمن القومي لدول الجوار كما تدّعي تركيا. فالطفلة الشهيدة سارة لم تكن تحمل أي سلاح، وكما دعونا دائماً إلى التحاور ولغة الحوار بدلاً من لغة السلاح التي تؤدي دائماً إلى الدمار والقتل. وهذا لا يعني أننا ضعفاء، بل لا نريد الانجرار لسيناريوهات قد تكون عواقبها وخيمة على الجميع، وسنُفشِل المخططات التي تستهدفنا بإرادة الشعب السوري الأبيّ، ولمن أراد أن يجرب زئيرنا، أن يقرأ تاريخ سورية جيداً ثم ليراجع نفسه ثم إن هذه الاعتداءات لا تأتي بفائدة، إلا بدعم وبقاء الإرهاب وأذنابه والتي ستنعكس سلباً على كل دول المنطقة بما فيها تركيا.

– ما خطط حزب سوريا المستقبل في المراحل المُقبلة على المستوى السوري؟

ذكرت لكم أننا نسعى لعقد مؤتمرات حوارية سياسية لا بد أن تتمخض عن إيجاد آلية لتفعيل مبدأ الحوار السوري ـ السوري، كما نسعى ليكون حزب سوريا المستقبل حزب الياسمين، الذي يجب أن يتواجد في كل بيت سوري، وسنفتتح فروعنا في كل ربوع سوريا الحبيبة آملين وساعين لوقف نزيف دماء الشعب السوري. فسوريا كانت الأم التي ضمت كل الشعوب، سوريا أرض المحبة والتعايش السلمي آن لها أن تقف مجدداً شامخة كما العنقاء وكشموخ قاسيون، معطاءة كفراتها وآن موعد إيقاف الحرب والجلوس معاً على طاولة الحوار، وليكن ذلك في دمشق السلام في شام الشآم أرض الأنبياء والأولياء والقديسين والشعراء والمثقفين.