No Result
View All Result
المشاهدات 7
عبد الرحمن ربوع_
على مدى ثمانية أعوام تابع السوريون التحوّلات السياسية والاجتماعية والميدانية التي طرأت على منطقة الجزيرة السوريّة، وما تُعرف الآن بمناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وفي بؤرة الاهتمام “مجلس سوريا الديمقراطية” وذراعه العسكري “قوات سوريا الديمقراطية” وذراعه الإداري الخدمي “الإدارة الذاتية”.
وبغض النظر عن الأحكام المُسبقة، أو التأثر بالدعاية المضادة التي يصدّرها النظام أو المعارضة وحلفاؤهما؛ ثمة نقاط عديدة يجب الوقوف عندها لتقييم هذه التجربة الفريدة في تاريخ المجتمع السوري التي ولِدت من رحمِ مرحلة تحوّل صعبة عقب اندلاع الثورة الشعبية في آذار 2011. وتحوّل هذه الثورة إلى حرب أهلية، ثم حرب على الإرهاب، وخلّفت مئات الآلاف من الضحايا وملايين النازحين واللاجئين. ونتج عنها دمار البنية التحتية في البلد، وتوقُّف عجلة الإنتاج وخروج رؤوس الأموال، وتدمير وتهريب الثروة التاريخية، وخسارة الثروة البشرية من علماء وخبراء وأيدي عاملة ماهرة وحرفيين ومهنيين وفنيين.
ومن بين كل الهيئات والمؤسسات التي شكّلها السوريون منذ عام 2011 حتى اليوم؛ جاء مجلس سوريا الديمقراطية ك “حالة” فريدة. ككيان
سياسي ولِد على قدْر من النضج، وبمقومات نجاح واستمرار لم تتوفر لغيره.
ومردُّ ذلك جملة من الأسباب منها (على عجالة وبدون ترتيب):
ـ قراءةُ المشهد السياسي العالمي والإقليمي والمحلي؛ جنّبته الوقوع في أخطاء قاتلة كتلك التي وقعت فيها مؤسسات المعارضة، وجعلته يتبنى خطًّاً سياسيًا مرنًا مكّنه من السير بثقة وسط حقل ألغام السياسة الدولية المتغيرة والمتقلبة. أيضًا منحته “سياسة الثبات على المبدأ” أفضلية أن يكون موضع ثقة واحترام، كما سببت له (على النقيض) عداوات. وهذا أيضًا قوَّاه ولم يُضعفه، لأنه تعامل مع هذه العداوات بمواجهة وندّيّة.
ـ علاوةً على ذلك، التجديد والإحلال للكوادر والمتطوعين والعاملين والمتفرغين، أكسبه الكثير من الحيوية والاستمرارية، ووقاه من مغبة الجمود والتكلّس، كذلك اعتماده على مبدأ التشاركية في تحمّل وأداء المسؤوليات ميّزه بخاصية الإنجاز وحماه من السقوط في هاوية البيروقراطية والفساد والمحسوبية.
ـ “المزاوجات” الناجحة بين مختلف “الثنائيات” الرجل/المرأة، عربي/كردي، تركماني/سرياني، متدين/علماني.. ما أكسبه نقاطًا إيجابية ترجمها لصالحه، وصار بموجبها ركنًا أساسيًا من أركان الساحة السياسية السوريّة، وقُطبًا مهمًا من أقطاب المشهد السوري. ليصير جزءًا أساسيًا من حل الأزمة السوريّة وإعادة بناء الدولة.
نجاحات مبهرة
وباستعراض النجاحات والإخفاقات خلال الأعوام الثمانية الفائتة يرى المتابع بوضوح نجاح مجلس سوريا الديمقراطية في إعادة بناء منظومة خدمية من الصفر في المنطقة التي يتواجد فيها. مع ملاحظة أنها منطقة كانت معدومة الخدمات بالأساس قبل 2011. ثم أصبحت “منكوبة” خلال وبعد الحرب على داعش، لتنهض المنطقة بأهلها وكوادرها على قلتهم (بسبب عوامل التهجير القسري التي ارتكبها النظام أو داعش) من تحت الرماد. واليوم يلمس السكان يومًا بعد يوم بعض التحسن “البطيء” رغم حالة الحرب المستمرة على الإرهاب ممثلا بفلول داعش، أو الحرب التي تشنها تركيا علنًا على قوات سوريا الديمقراطية بذريعة محاربة الإرهاب! ورغم الحصار المطبق، وحالة العِداء والتآمر من كل الجهات الجغرافية والسياسية والعسكرية.
أيضًا نجح في تجربة إتاحة وحرية العمل السياسي والاجتماعي والخدمي لأي تجمع حزبي أو مهني، فرغم حالة التوتر الناتجة عن مختلف الضغوط الخارجية والصعوبات المحلية تجد العديدُ من الكيانات السياسية والاجتماعية والخدمية هامشًا من حرية العمل والحركة؛ مع صوابية المطالبة بالمزيد من إتاحة الفرص وفتح الفضاء. (وربما يتحقق ذلك مع تخفيف الأعباء الأمنية، وانتهاء حالة الحرب والتربص والترصد التي تعيشها المنطقة).
كذلك نجح في بناء نموذج غير مسبوق في سوريا والمنطقة لتمكين المرأة وإعطائها حقوقها الطبيعية والسياسية والقانونية لممارسة دورها الطبيعي في حماية وخدمة المجتمع. كما نجح في كسب تأييد وتعاون ودعم (بالإضافة إلى حياد) الكثير من السوريين داخل سوريا وخارجها. أيضاً نجح في مد جسور تفاهم وتعاون مع المحيط الإقليمي، وبنى روابط ثقة وتمثيل مع المجتمع الدولي.
صعوبات ومحاولات مستمرة
لكن بالمقابل فشل المجلس وأخفق في العديد من القضايا الأساسية والمصيرية مثل فشله في إقناع حكومة دمشق بالابتعاد عن المشروعين الروسي والإيراني، والعودة إلى الوطنية السوريّة الجامعة، والاحتكام لمبادئ المواطنة والعدالة والمساءلة، وتغليب روح التوافق الوطني. كما فشل في إقناعها بالانضمام إلى مشروعه الوطني الجامع الذي يحفظ لسوريا وحدتها وسيادتها، ويضمن للشعب السوري كرامته، وللاجئين والنازحين عودة آمنة كريمة بيوتهم وأراضيهم وأرزاقهم.
أيضاً فشل مجلس سوريا الديمقراطية في إقناع شريحة واسعة من المعارضة بالتخلي عن أوهام الدعم الخارجي، والتركيز على نيل الدعم الشعبي بالانضمام إلى مشروعه الوطني المؤسِّس لسوريا واحدة موحّدة نابذة للتدخّلات الخارجية والأجندات الأجنبية سواء الإقليمية أو الدولية.
كذلك فشل في إنهاء أو تجميد العداء التركي تجاه الكُرد في سوريا والمصحوب بعدوانية وعنف وإرهاب وقوة عسكرية مفرطة. واعتداء سافر على السيادة السوريّة وحق السوريين بالأمن داخل وطنهم. كما فشل في كسب العديد من القوى السياسية في منطقة الإدارة الذاتية. حيث لا تزال بعض الفصائل السياسية تفضّل العمل باستقلالية معتمدة على وزنها الديموغرافي أو على تحالفات وتوافقات داخلية أو خارجية. ولم تقتنع بعد بالمشروع الذي يقدمه ويديره مجلس سوريا الديمقراطية.
أيضاً فشل حتى الآن في إقناع المنظومة الدولية في التوصل إلى حلّ يُنهي حالة احتجاز آلاف المنتمين والمتورطين مع داعش. ومازالوا يقبعون في مخيمات مغلقة داخل منطقة الإدارة الذاتية، ويشكلون عبءً أمنيًا وديموغرافيًا وماليًا وصحيًا وحقوقيًا وقضائيًا. مع تباطؤ الحكومات المعنيّة التي ترفض استعادة مواطنيها المحتجزين في المخيمات.
ربما يحمل العام الجديد حلولا لهذه المعضلات المستعصية، أو ربما تسنح ظروف مستجدة بإيجاد حلول لها، فثمة الكثير من الآمال يعقدها السوريون على كل من يتصدّر المشهد السياسي خصوصًا القوى الوطنية الديمقراطية؛ فمحاولات مجلس سوريا الديمقراطية لحلّ هذه العضلات مستمرة وتبذلا مجهوداً لعقد حوار للسوريين لإنهاء الأزمة، وإحلال الأمن والسلام في المنطقة.
No Result
View All Result