No Result
View All Result
المشاهدات 6
د.علي أبو الخير
المساجد عنوان الإسلام، والجوامع لصلاة الجمع والأعياد، وصلاة الجمعة تتطلب وجود أكثر عدد من المصلين يؤمهم الأعلم بشؤون الدنيا وعلوم الدين، وكل جامع هو مسجد، وليس كل مسجد جامع.
ولكن يعتقد المسلمون أن كثرة المساجد من دلائل التقوى وأسس اليقين، وأن الله طلب من المسلمين الإكثار من بناء المساجد لتشهد لهم بالإيمان، ونسوا أو تناسوا أن الأرض كلها تصلح لأن تكون مسجداً، أي يصلي فيه المسلم. والجديد هو أن المتطرفين هم أكثر زوّار هذه المساجد الصغرى، فيتخذون من المكان المقدّس مكاناً للتآمر على القتل والتكفير … كما فعلوا وكما يفعلون إلى اليوم.
التنافس في بناء المساجد
اعتمد المسلمون على أحاديث نبوية تحرّض على التنافس في بناء المساجد، رغم أن فيها ما ينفيها، مثل ما هو منسوب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال كما في البخاري ” “جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً”، فالصلاة في أي مكان.
ليس بالضرورة أن تُقام داخل مسجد بجدران أربعة، فحينما تحين الصلاة يمكن الصلاة في أي مكان، هذا في حالة التواجد الفردي في وقت الصلاة، ولكن إذا حان الوقت يكون المسجد ذو الجدران الأربعة هو مكان الصلاة، ويوم الجمعة يكون في المسجد الجامع في كل مدينة أو عدة مساجد في المدينة الواحدة، وليس في زاوية وركن وتكية، المهم أن تُقام الصلاة صحيحة، فالله سبحانه لم يأمر بالصلاة، بل دائماً نجد في القرآن “وأقيموا الصلاة”، وإقامتها أن تكون خاشعة متبتلة بالتقوى وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وأن من لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر من قول الزور أو الكذب أو الكبر أو الظلم أو غيرها فلا صلاة له، أي كأنه لم يصل، ولكن المسلمين يعتقدون في المظاهر الدينية أكثر منها في الأمور الروحية التي تجلب الطمأنينة والأمن النفسي.
فالمسلمون يتنافسون في بناء المساجد، وهو أمر حميد في حد ذاته، ولكنه غير عملي من زوايا أخرى، فقد فسر لهم الأوائل أن من الأمور الإيمانية بناء المساجد مستشهدين بسورة التوبة”17 و18 “ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون. إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخشَ إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين”، فقالوا كما في كتب التفاسير إن الآيتين تدلان على تعمير المساجد، أي بنائها وتجديدها أو هدمها وبنائها من جديد.
وهو أمر غريب، لأن الملاحظ من الآيتين أن تعمير المسجد هو أن يكون عامراً بالمصلين، وأن يقيموا الصلاة على هيئتها الربانية النبوية، والدليل أن الآية تقول إنما يعمر مساجد الله، وهم بشر مسلمون يؤمنون بالله ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ومن ثم فالمشركون لا يعمرون المساجد، وهذا أمر بديهي.
وفي كل الأحوال فتعمير المسجد هو معنى بعيد كل البعد عن بناء المساجد، ولكن الأمر شاع في فكر المسلمين، وصارت المدن والقرى والنجوع في الديار الإسلامية مليئة بالمساجد والزوايا والتكايا، حتى يمكن القول “مسجد لكل مواطن مسلم”.

وهم يستشهدون بأحاديث نبوية تُبشّر من يبني مسجداً، فالبخاري أخرج حديث أن كل الأرض مساجد، ولكنه يروي حديث يتناقض مع الحديث الأول، مثل “مَنْ بَنَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّة، وما جاء أيضاً في سنن ابن ماجه أن النبي قَالَ: مَن بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، ومفحص القطاة هو موْضِعهَا الَّذِي تُخَيِّم فِيهِ وَتَبِيض، وهو كناية عن منتهى الصغر في المسجد.
ولو عدنا لبعض من استخدموا عقولهم في قضية بناء المساجد، لوجدنا رؤية متقدمة رغم قدمها. مثلاً من جلال الدين السيوطي، الذي اعتبر في كتابه “الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع ” أن كثرة المساجد في المحلة الواحدة من المحدثات المخالفة لهدي الرسول، وذلك لما فيه من تفريق الجمع وتشتيت الشمل وحل عروة الانضمام في العبادة وذهاب رونق وفرة المتعبدين وتعديد الكلمة واختلاف المشارب ومضادة حكمة مشروعية الجماعات، كما أن في ذلك مضرة للمسجد القديم أو شبه مضرة أو محبة الشهرة أو السمعة، وفيه أيضاً صرف الأموال فيما لا ضرورة له”.
وعندما نحدد عصور الحضارة الإسلامية لوجدناها عندما قدمت العقل على النقل، وعندما حدث العكس حدثت النكسات، ثم خمدت الحضارة منذ وصول المتوكل للسلطة، فقتل المعتزلة وطارد المخالفين من الشيعة والصوفية، فهدم الأضرحة وحطم القبور، وذلك بمباركة وتأييد الحنابلة، فكانت النتيجة أن بدأت الدولة تتداعى بثورات داخلية وحروب أهلية حتى سقطت في يد التتار، وتداعت تلك الدول أيضاً عندما اُضطهد أصحاب العقول فقُتلوا وطوردوا وأدخلوا السجون، وأُحرقت كتبهم.
لقد أحرق المنصور خليفة الدولة الموحدية كتب ابن رشد، وتم نفيه، وتشويه سيرته وحياته، ويكفي قول ابن رشد: (أَعْظمُ ما طَرَأَ عليَّ في النكبةِ أنّي دخلتُ أنا وولدي عبد اللهِ مسجداً بِقُرْطُبَةَ وقد حانتْ صلاةُ العصرِ، فثارَ لنا بعضُ سَفَلَةِ العامَّةِ فَأَخْرَجُونَا مِنْهُ)، منعوه من الصلاة في المسجد، وهو الفقيه القاضي، بزعمهم أنه كافر، وهو من علّم الأمة التفكير في أزمنة التكفير، وهو الذي قدّم ميراث الأمة للغرب الأوروبي، فكان أحد أسباب نهضتهم.
وما حدث مع ابن رشد حدث مع غيره من فلاسفة الأمة ومفكريها، حدث ذلك قديماً، ومازال يحدث حديثاً… ولله الأمر من قبل ومن بعد…
No Result
View All Result